الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

الفتوحات في عهد يزيد بن عبد الملك

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 200

بقلم فضيلة الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1442 ه/ إبريل 2021

نشطت الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك، بعد حالة الاستقرار التي عاشتها أيام سلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز، والذي لجأ لذلك في شيء من التوازن من أجل التفرغ لحركة الإصلاح الكبرى الذي شهدها عهده، وكانت حركة الفتوح على الجبهات كالتالي:

1 ـ الفتوحات في بلاد ما وراء النهر:

أوقف عمر بن عبد العزيز حركة الفتوحات في بلاد ما وراء النهر، وأمر واليه عبد الرحمن بن نعيم عامله على خراسان، بإقفال من وراء النهر من المسلمين بذراريهم، قال: فأبوا، وقالوا: لا تسعنا مرو. فكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر: اللهم إني قضيت الذي عليَّ، فلا تغزُ بالمسلمين، فحسبهم الذي فتح الله عليهم.
وكان مبعث هذه السياسة هو الخشية على المسلمين من راعٍ يرى مسؤوليته عن رعيته إلى جانب تغليب طريق نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة على الجهاد الحربي، وذلك عن طريق دعوة ملوك ما وراء النهر إلى الإسلام، والصبر على أهل الفتن، ومعالجة الأمور بالعدل، ثقة في ظاهر إسلامهم، وتألفاً لهم، وهذا ما دفعه إلى عزل الجراح الحكمي عامله على خراسان، وتولية عبد الرحمن بن نعيم لما عرف عنه من لين وإيثار للعافية.
ومع ما لهذه السياسة من إيجابيات كإسلام بعض ملوك واهلي هذه المناطق، إلا أنها أطمعت آخرين في المسلمين، وحفزتهم إلى التمرد وشق عصا الطاعة، فقد تمرّد الصّغد على سلطان المسلمين، وهاجم الترك البلاد وعاونوا الصّغد مُنذ أيام عمر بن عبد العزيز خلال ولاية عبد الرحمن بن نعيم الغامدي (100 ـ 101 هـ)، وظلت مستعرة الأوار حتى ولاية سعيد بن عبد العزيز (102 ـ 103 هـ) الذي تولى خراسان بعده من قبل الخليفة يزيد بن عبد الملك الذي كان عليه إخماد ذلك التمرد، وظل الصّغد بالتعاون مع الترك على تمردهم ومخالفة المسلمين، رغم ما بذله الوالي الجديد من جهد في استمالة دهاقنتها وتسكين أهلها واتباع سياسة المسالمة تجاههم، لدرجة وسم معها بالضعف وثقل على الناس.
لقد تمسك أهل المدن الكبرى في ما وراء النهر بموقفهم؛ وهو عدم دفع الضرائب، والامتناع عن تنفيذ أوامر الحكومة الإسلامية ومقاومة جيوشها، ويبدو أن من هذه الضرائب الجزية التي أعاد الخليفة يزيد فرضها على من أسلم بعد أن أسقطها عنهم عمر بن عبد العزيز، وعمل عماله على جبايتها بالعنف والقوة، فأدى ذلك إلى نقض أغلب ممالك ما وراء النهر كالصّغد وفرغانة وكش ونسف عهدها مع المسلمين، بل وارتد كثير من الأهالي عن الإسلام.
وبدأ سعيد بن عبد العزيز حملاته وغزواته للصّغد والترك، واستطاع أن يحقق انتصارات عليهم، واستطاع القضاء على متمردي الصّغد في حصن أبغر، وصالح أهالي كش، وغزا طخارستان، وصالح خزار، واستطاع أن يقضي على حركات التمرد، ورجع سعيد بن عبد العزيز الحرشي إلى مرو وقد افتتح عامة حصون الصّغد، وأعادهم إلى الطاعة صلحاً أو عنوة بعد سلسلة من المعارك خاضها إبان حملته على ما وراء النهر ما بين عامي (103 ـ 104هـ).

2 ـ الفتوح في أرمينية:

استأنفت الحملات العسكرية المنظمة إلى الثغور في عهد يزيد، وقد أشار الطبري وغيره إلى إغارة قام بها الترك سنة 103 هـ على اللان، ومنها يتبين عودة الخزر إلى التحرش بالمسلمين ومهاجمة ممالكهم في أرمينية، وهذا ما دفع أمير أرمينية آنذاك معلق بن صفار البهراني، إلى القيام بحملة على الخزر، فلقيهم بمرج الحجارة في شهر رمضان في نفس العام، وقد كلب الشتاء، فدارت المعركة، وهُزم المسلمون وقتل جماعة منهم، واستولى الخزر على عسكرهم وغنموا ما فيه.
وقد أطمعت الهزيمة التي تلقاها المسلمون سنة 103 هـ على يد الخزر في أرمينية الأقوم القوقازية والتركية في المسلمين، فاندفعوا نحو الحدود الأرمينية، وشنوا غاراتهم وتوغلوا في البلاد، مما دعا الخليفة يزيد بن عبد الملك إلى استعمال الجراح بن عبد الله الحكمي على أرمينية وأذربيجان سنة 104 هـ، وأسند إليه مهمة صد الخزر، وأمر حربهم، وأمده بجيش كبير وأمره بحرب الأعداء وقصد بلادهم.
وبعد أن أخذ الجراح وجنده قسطاً من الراحة توجه نحو الخزر في عامه ذاك (104 هـ)، فعبر نهر الكر واجتاز إقليم شروان، حتى قطع نهر السمور متجهاً صوب مدينة باب الأبواب، وأخذ الجراح الاحتياطات اللازمة في خط سيره، وبث السرايا والطلائع أمامه، ولما وصل مدينة باب الأبواب وجدها خالية، وبث سراياه على ما يجاوره من البلاد، فنصروا وغنموا وكان الجراح قد ارتحل في عشرين ألفاً من جنده بعد أن بعث سراياه، فنزل على نهر الران على ستة فراسخ من مدينة باب الأبواب، واجتمع إليه جند السرايا بعد أن أدوا الهدف الذي وجهوا من أجله، فأصبح في خمسة وعشرين ألفاً من المسلمين.
ويظهر أن تلك الإغارات الإسلامية وما حققته من نصر ومغانم قد أثارت الخزر، فتوجهوا إليه في أربعين ألفاً بقيادة ابن ملكهم ويدعى نارستيك بن خاقان، ونزلوا معه على نهر الران، فدارت بين الفريقين سنة 104 هـ معركة عظيمة نصر الله فيها المسلمين وهزم الخزر، وقتل الكثير منهم وأسر، وغنم المسلمون جميع ما معهم.

3 ـ الفتـوح فـي أرض الـروم:

تمثلت الجهود العسكرية التي تمت في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك ضد الروم، في تحصين الثغور وشحنها وصيانة الحدود والدفاع عنها، والفتح براً عن طريق الصوائف والشواتي، وما تم خلال ذلك من فتوحات في آسيا الصغرى، والغزو بحراً لجزر الحوض الأوسط والغربي من البحر المتوسط عن طريق إفريقيـة، وقد كان عهد يزيد بن عبد الملك خالياً من الحملات العسكرية الكبرى ضد البيزنطيين، وفي معاودة التفكير في فتح القسطنطينية، عاصمتهم العتيقة، وإن كانت الصوائف والشواتي التي وجهت لآسيا الصغرى، قد حفلت بكثير من الانتصارات، وفتح كثير من المدن والمواقع الرومانية.

4 ـ الجهاد في البحر الأبيض المتوسط:

تابع ولاة إفريقية من قبل الخليفة يزيد بن عبد الملك جهود من سبقهم من أمراء الشمال الإفريقي، فقد قام يزيد بن أبي مسلم أمير إفريقية (101 ـ 102 هـ) بغزو جزيرة صقلية سنة 101 هـ، كما وجه من قبله سنة 102 هـ محمد بن أوس الأنصاري في غزوة بحرية إلى صقلية، فعادت الحملة سالمة غانمة، وكان سبب تركيز أمير إفريقية على صقلية لأهميتها بالنسبة للروم، وهي محاولة لضرب تلك القاعدة البيزنطية الهامة، وتهديداً للأعداء وإشغالهم عن مهاجمة الساحل الإفريقي.
وأما ولاية بشير بن صفوان على إفريقية (102 ـ 109 هـ) فقد كانت حافلة بالغزوات البحرية، على جزر سردينية وكورسيكا وصقلية، وولايته هذه تعتبر علامة مميزة في تاريخ البحرية الإسلامية الناشئة في إفريقية، إذ وصلت تحت إمرته لها مطلع القرن الثاني الهجري إلى مرحلة الفتوة، وذلك بعد استيلاء المسلمين على السواحل البحرية الشرقية في إسبانية، وكان غزواته سنوية تقريباً ألح بها على قواعد الروم القريبة، لإرهابهم وإشغالهم عن محاربة سواحل المغرب. ومن غزواته في خلافة يزيد بن عبد الملك الحملة التي وجهها بقيادة يزيد بن مسروق اليحصبي إلى جزيرة سردينية، وذلك في المحرم (سنة 103 هـ)، فكان نصيبها النجاح، حيث غنم المسلمون وسلموا.



يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022