الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

(جوانب من حياة هشام بن عبد الملك)

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 204

بقلم: د. علي محمد الصلابي

شعبان 1442 ه/ إبريل 2021

1 ـ محاربة المذاهب الضالة في عهده:

ظهر في العراق في فترة مبكرة معبد الجهني الذي كان من أوائل القدرية في الإسلام وهم منكرو القدر، وقد جاء بهذه الأفكار ـ فيما يبدو من مصادر نصرانية ـ، ثم ما لبث أن ثار على الأمويين مع ابن الأشعث، فلما فشلت هذه الثورة ألقى الحجاج القبض عليه وقتله، وقد أخذ الأفكار القدرية لمعبد رجل من الشام واسمه غيلان الدمشقي، وكان مولى لآل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد أدخل على هذه الأفكار مزيداً من التأصيل الجدلي، وكان فيما يبدو مطعوناً في دينه قبل ذلك، فقد قال مكحول الفقيه: ويلك يا غيلان! ألم أجدك ترامي النساء بالتفاح في رمضان؟ ثم صرت حارثياً تخدم امرأة الحارث الكذّاب ـ مدعي النبوة الذي قتله عبد الملك كما سبق بيانه ـ وتزعم أنها أم المؤمنين، ثم تحولت بعد ذلك قدرياً زنديقاً؟!
وقد ناظره عمر بن عبد العزيز لما علم ببدعته، وأبان له ضلاله، فأظهر التراجع عن فكره أكثر من مرة، وأمر عمر بالكتاب إلى سائر الأعمال بخلاف ما يقول هؤلاء القدرية، وقد أمسك غيلان عن الكلام حتى مات عمر فسال منه بعد ذلك السيل، فاستدعاه هشام بن عبد الملك بعد توليه الخلافة وقال له: ويحك قل ما عندك، إن كان حقاً اتبعناه، وإن كان باطلاً رجعت عنه، فناظره ميمون بن مهران، والأوزاعي، فلما استبان خطؤه ومكره وإصراره على ضلالته، أمر هشام بقتله وأمر بنفي أتباعه.
ويبدو أن بعض الناس أرجف بالخليفة بعد صنيعه ذاك حتى أشفق أن يكون أخطأ بقتله غيلان، فكتب إليه رجاء بن حيوة فقيه أهل الشام يقول: بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخلك شيء من قتل غيلان وصالح ـ أحد أصحاب غيلان ـ وأقسم لك يا أمير المؤمنين إن قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم أو الترك.
ثم ظهر في الشام الجعد بن درهم مولى بني الحكم، وكان معلماً لمروان بن محمد اخر خلفاء بني أمية، وهو أول من تكلم بخلق القرآن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إنه أخذ ذلك من أصول يهودية، فلما أظهر ذلك القول طُلب بالشام، فهرب إلى الكوفة، حيث حبسه عاملها خالد القسري، وأمره هشام بن عبد الملك بقتله، فأخرجه في وثاقه يوم عيد الأضحى، وخطب الناس فقال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا تقبل الله منكم، فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم فإنه يقول: ما كلم الله موسى، ولا اتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل وذبحه.
ومن العقائد الباطلة التي ظهرت في ذلك الوقت ما كان من المغيرة بن سعيد وبنان بن سمعان النهدي، وكانا من غلاة الشيعة، فكان المغيرة يقول بألوهية علي بن أبي طالب، وتكفير الشيخين أبي بكر وعمر، وسائر الصحابة إلا من ثبت مع علي رضي الله عنه، وزعم أن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع، وكان ساحراً يقول: لو أردت أن أحيي عاداً وثمود وقروناً بين ذلك كثيراً لفعلت، ويرى مذهب التجسيم لله عز وجل... وكان بنان بن سمعان يشاركه في هذه المعتقدات، ويرى أن علياً حل فيه جزء إلهي، وأنه كان يعلم الغيب ويخبر به، وأنه سوف يأتي بعد ذلك من جديد، ثم ادعى أن ذلك الجزء الإلهي قد انتقل إليه هو بالتناسخ، ولذلك استحق أن يكون إماماً وخليفة، وزعم أنه المراد بقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}[آل عمران: 138]، إلى غير ذلك من أضاليل عجيبة، ثم إنهما خرجا في سبعة نفر على خالد القسري فقتلهما حرقاً على نحو بشع سنة 111 هـ، ثم قتل أحد المتنبئين بالكوفة.
وفي ولاية خالد القسري ظهرت دعوة باطنية في الإسلام على يد عمّار بن يزيد بخراسان، وقد تسمّى بخِداش، فدعا الناس إلى خلافة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فاستجاب له خلق كثير، فلمَّا التفوا عليه دعاهم إلى مذهب الخُرَّمِيَّة الزَّنادقة، وأباح لهم نساء بعضهم بعضاً، وزعم لهم أن محمد بن علي بن عبد الله يقول ذلك، وقد كذب عليه، فأظهر الله عليه الدّولة، فأخذ فجيء به أمير خراسان، فأمر به فقطعت يده، وسُلَّ لسانه ثم صُلب بعد ذلك.
وفي ولاية يوسف بن عمر على العراق (120 ـ 126 هـ) قتل أبو منصور العجلي أحد الشيعة الغلاة الذي زعم أن علياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمداً الباقر كلهم أنبياء ومرسلون، وأنه هو أيضاً نبي مرسل عرج به إلى السماء، وأن الله تعالى مسح على رأسه بيده، وقال: يا بني بلغ عني، ثم أنزله إلى الأرض، وكفر أصحابه بالجنة والنار، وتأولوا الجنة على أنها نعيم الدنيا، والنار على أنها محق الناس في الدنيا، واستحلوا خنق مخالفيهم، فلما اكتشف يوسف بن عمر خبر ذلك الدجال أخذه وصلبه.

2 ـ يوميات هشام ومجلسه:

كان هشام إذا صلى الغداة كان أول من يدخل عليه صاحب حرسه، فيخبره بما حدث في الليل، ثم يدخل عليه موليان له مع كل واحد منهما مصحف، فيقعد أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، حتى يقرأ عليهما جزأه، ويدخل الحاجب فيقول: فلان بالباب، وفلان، وفلان، فيقول: ائذن، فلا يزال الناس يدخلون عليه، فإذا انتصف النهار وضع طعامه ورفعت الستور، ودخل الناس وأصحاب الحوائج، وكاتبه قاعد خلف ظهره، فيقول أصحاب الحوائج، فيسألون حوائجهم، فيقول: لا، ونعم، والكاتب خلفه يوقع بما يقول، حتى إذا فرغ من طعامه وانصرف الناس صار إلى قائلته، فإذا صلى الظهر دعا بكتابه فناظرهم فيما ورد من أمور الناس حتى يصلي العصر، فإذا صلى العشاء حضر سماره، الزهري وغيره.

3 ـ اهتمامه بحلبات السباق:

كان هشام بن عبد الملك بن مروان يستجيد الخيل، وأقام الحلبة فاجتمع له من خيله فيها وخيل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يكن ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس، وكان هشام يقبل الهدايا من الخيل، ويقيم حلبات السباق لها، ويصلح الطرق ويوسعها لأجل ذلك، وكان يفرح كثيراً إذا فازت خيله في السباق، ويطلب من الشعراء وصف الفرس أو الحصان الفائز.

4 ـ اهتمامه بالآثار الأدبية الخاصة بالأمم الأخرى:

كان الخليفة هشام بن عبد الملك مشغوفاً بالاطلاع على الآثار الأدبية الخاصة بالأمم الأخرى، فقد أمر بترجمة كتاب عن تاريخ فارس، وتسرب هذا الشغف إلى المحيطين به، فترجم سالم مولاه بعض كتب أرسطو إلى العربية، كما ورث ابنه جبلة بن سالم عن أبيه كثيراً من معارفه وعلومه، فترجم بعض الآثار التاريخية إلى العربية.
5 ـ معاملته لأهل الكتاب:
سمح هشام للنصارى الملكانيين أن يعيدوا شغل كرسي إنطاكية، وعين صديقه اصطفان بطريقاً عليهم، وكان رفيقاً بجميع النصارى، ففي عهده دخل البطرك ميخائيل مدينة الإسكندرية في احتفال ـ مشهور ـ بين يديه الشموع والصلبان والأناجيل، والكهنة يصيحون: لقد أرسل الرب إلينا الداعي المأمون الذي هو مرقس الجديد.




يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022