الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

ظروف تولي عبد الملك بن هشام الخلافة وشيء من صفاته

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2)

الحلقة: 202

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1442 ه/ إبريل 2021

أولاً: اسمه ونسبه ونشأته:

هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو الوليد القرشي الأموي الدّمشقي، أمير المؤمنين، وأمه أمّ هشام بنت هشام بن إسماعيل المخزومي، وكان داره بدمشق عند باب الخوّاصين، ولد هشام بالمدينة، وعلى رواية أخرى أنه ولد بدمشق.
ولما كانت أمه مطلقة عند ولادته فإن الرواية الأولى عن مولده بالمدينة هي الراجحة، لوجود أمه حينذاك عند عائلتها بالمدينة.
وولد هشام على القول الراجح سنة اثنتين وسبعين، وسمّاه عبد الملك منصوراً لانتصاره على مصعب في تلك السنة، ولما بلغه أن أم هشام سمته على اسم أبيها لم ينكر عبد الملك ذلك، وقضى هشام الشطر الأخير من طفولته في منزل الخلافة الأموي بالشام في أواخر حكم أبيه وإخوته من الخلفاء، وكان هشام مغموراً في البلاط الأموي زمن أخويه الوليد وسليمان، وقد بقي هشام بعيداً عن مسرح الأحداث نسبياً حتى توليه الخلافة 105هـ.
وكان جميلاً أبيض أحول يخضب بالسواد، وهو الرابع من ولد عبد الملك لصُلبه الذين وُلُّوا الخلافة، وقد كان عبد الملك رأى في المنام كأنه بال في المحراب أربع مرّات، فأرسل إلى سعيد بن المسيب من سأله عنها، ففسّرها له بأنه يلي الخلافة من ولده أربعة، فوقع ذلك، فكان هشام آخرهم، وكان في خلافته حازم الرأي جمّاعاً للأموال، وكان ذكياً مدبّراً له بُعد بالأمور جليلها وحقيرها، وكان فيه حلم وأناة. قال فيه الذهبي: كان عاقلاً حازماً سائساً، فيه ظلم وعدل..

ثانياً: سعيه لنيل الخـلافة وتوليته للعهد:

كان هشام تواقاً لنيل الخلافة، ففي أواخر أيام سليمان بن عبد الملك، أقنع رجاء بن حيوة الخليفة أن يبايع لعمر بن عبد العزيز، وخوفاً من الفتنة وتجنباً لمعارضة بني أمية أن يبايع بعده ليزيد بن عبد الملك، ويكون ذلك في كتاب مختوم يفتح بعد موت سليمان، ولم يكن يعلم لمن عهد سليمان بالخلافة من بعده إلا رجاء، وقد حاول هشام أن يستدرج رجاء لمعرفة من استخلف سليمان من بعده، ولما رفض رجاء إخباره استغرب هشام ذلك، لاعتقاده بأنه أحق الجميع بالخلافة. فقد قال رجاء: لقيني هشام بن عبد الملك فقال: يا رجاء! إن لي بك حرمة ومودة... فأعلمني هذا الأمر، فإن كان إلي عملت، وإن كان إلى غيري تكلمت فليس مثلي قصّر به، قال رجاء: فأبيت... فانصرف هشام وقد يئس ويضرب بإحدى يديه على الأخرى، وهو يقول: فإلى من نحيت عني؟ أتخرج من ولد عبد الملك. فسيرة هشام تدل على رغبته الملحة بالخلافة.
وأما بالنسبة لبيعة هشام بولاية العهد، فقد كان للظروف السياسية دورها الفعال في ذلك، فعندما أراد يزيد بن عبد الملك أن يُرسل جيشاً لقتال يزيد بن المهلب في العراق، أشار العباس بن الوليد على يزيد أن يولي العهد لأخيه عبد العزيز بن الوليد، ومن بعده للوليد بن يزيد، وبين أن الوليد كان صغيراً، كما علل العباس طلبه بالخوف من إرجاف أهل العراق بعد أن يشيع موت الخليفة، فأجاب يزيد بالموافقة، ووعد بأن يبايع لعبد العزيز بن الوليد في اليوم التالي، ويبدو أن الخبر وصل هشاماً، فذهب وقابل أخاه مسلمة الذي قام بدوره بمقابلة يزيد وإقناعه بالبيعة لهشام بولاية العهد، ومن بعده الوليد بن يزيد، وكان ذلك عام 101 هـ على الأرجح، وكانت العلاقة بين الخليفة يزيد بن عبد الملك وأخيه هشام، ولي عهده، حسنة نسبياً، رغم ندم الخليفة يزيد على إسناد ولاية العهد لهشام، فكان يقول كلما رأى ابنه الوليد:... الله بيني وبين من جعل هشاماً بيني وبينك، فقد كبر الوليد وأدرك حياة أبيه، ولربما كان مرد ذلك لخشية يزيد على ابنه الوليد من أخيه هشام بعد موته، وإن كان قد أخذ على هشام المواثيق بأن لا يحرم الوليد من ولاية عهده.

ثالثـاً: توليـه الخلافـة:

توفي يزيد بن عبد الملك يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شعبان سنة 105 هـ، وجاء البريد لهشام بشارتي الخلافة والخاتم وهو بالزيتونة، وما لبث هشام حتى ذهب إلى الرصافة، ثم ركب هشام من الرصافة حتى أتى دمشق، فبويع بها في اليوم الأول من شهر رمضان عام 105 هـ على الأرجح. وأما الطبري وابن الأثير فيذكر أن استخلاف هشام كان لليال بقين من شعبان عام 105 هـ.
وكان هشام يعرف كيف ينجح في مشروعاته، ويعد من ساسة بني أمية المشهورين، ختمت به أبواب السياسة وحسن السيرة، وكان شديد المراقبة لعمّاله ودواوينه، وقد شهد له بجدارته أحد خصومه، فقال عبد الله بن علي بن العباس: جمعت دواوين بني مروان؛ فلم أر ديواناً أصح ولا أصلح للعامة والسلطان من ديوان هشام.

رابعاً: نبذة عن حياته الخاصة:

1 ـ بخل هشام:

وُصف هشام بالبخل وجمع المال، قال الجاحظ: كان هشام يقول: ضع الدرهم على الدرهم يكون مالاً. ويبدو أن السبب في هذا الوصف شدة مراقبته للمال العام، فقد كان شديد المحاسبة للمشرفين على الديوان، وحريصاً على مال المسلمين، ولذلك وصفه الشعراء والكتاب بالبخل، لأن الشعراء اعتادوا الهبات الكبيرة من ملوك بني أمية.

2 ـ اتهامه بشرب الخمر:

جاءت روايات لا يصح إسنادها تُشير إلى أن هشام بن عبد الملك كان يشرب الخمر كل يوم جمعة بعد الصلاة،
وكانت له مجالس يدار فيها الخمر، فإن تلك الروايات لا تصح من حيث السند، كما أن سيرة هشام منافية لهذا الاتهام الباطل، فقد زجر ولي عهده، لمعاقرته وإدمانه على الخمرة، كما زجر ابنه مسلمة المكنى أبا شاكر، وألزمه الأدب وحضور الجماعة.

3 ـ شعره:

لا تحدثنا المصادر عن قصائد أو أبيات شعرية قالها هشام، مع ما للشعر آنذاك من منزلة، ومع ذلك فإن المصادر تذكر لنا بيتاً من الشعر كان هشام يردده دائماً:
إذا أنتَ طاوعتَ الهوى قادَك الهوى إلى بعضِ ما فيهِ عليك مقالُ
ولم تذكر المصادر قائل البيت السالف، ولعله لهشام، ومع ذلك فإن هشام لم يكن شاعراً وإن كان يروي الشعر ويحب سماعه.

4 ـ تقبله للهدايا:

كان هشام يتقبل الهدايا من الولاة وغيرهم، ولم ير بذلك إضراراً بمصلحة الدولة أو إجحافاً بحقوق الناس، ولا شك أن قبول هشام للهدايا من الولاة خاصة، وعدم إمعانه في التحري عن مصادر تلك الهدايا أمر غير مقبول من حاكم مثله. وهذا مخالف للنهج الذي سار عليه عمر بن عبد العزيز.

5 ـ من صفات هشام:

كان هشام جميل الصورة ربعة سميناً، يخضب بالسواد وبعينه حول، موصوفاً بالحلم، ولا يستغضب بسهولة، إلا في مسألة حَوَلِ عينه وإن كان قد لقب بأحول بني أمية، وإذا أخطأ كان هشام سريع الندم، وطلب العفو. متقبلاً للوعظ. وقد كسا الكعبة من الديباج الثمين.



يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022