الثلاثاء

1446-11-15

|

2025-5-13

من كتاب الوسطية في القرآن الكريم

(وسطية القرآن في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته)

الحلقة: الرابعة والعشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1442 ه/ أكتوبر 2020


إنَّ المتأمل في كتاب الله ـ تبارك وتعالى ـ وما جاء فيه عن دعوات الرسل، وما أنزل عليهم من الكتب ليخرج بحقيقةٍ واحدة، أطبق عليها جميع الرسل، وأنزلت بها جميع الكتب السماوية، هذه الحقيقة هي: الدعوة إلى توحيد الله، وعبادته دون سواه، فهي أساس الرسالات وعمودها الفقري، وهي القاسم المشترك بينها؛ وإن اختلفت بعد ذلك الشرائع والمناهج، فما من نبيٍّ أرسل، ولا كتاب أنزل إلا وكان أول ما يدعو إليه هو توحيد الله، تبارك وتعالى.
يقول الله عز وجل في تقرير هذه الحقيقة:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [النحل: 36] وفي آية أخرى يقول سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *}[الأنبياء:25].
وإذا استعرضنا القرآن الكريم في حديثه عن رسل الله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ نجد: أنَّ كل رسول قال لقومه: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[المؤمنون: 23، والأعراف: 65، 73، 85]. ابتداءً من أولهم نوح، عليه السلام، وانتهاءً بخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ دينهم واحد، وهو الإسلام، وشرائعهم مختلفة، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والاخرة، والأنبياء إخوةٌ لِعِّلات، أمهاتهم شتَّى، ودينهم واحد».
قال الحافظ ابن حجر: (ومعنى الحديث: أنَّ أصل دينهم واحد، وهو التوحيد؛ وإن اختلفت فروع الشرائع.. وقيل: المراد: أن أزمنتهم مختلفة).
وقال الحافظ ابن كثير في معنى الحديث: (أي: القدر المشترك بينهم، هو: عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم، ومنهاجهم).
لقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
وكل الأنبياء أخبروا بأنهم مسلمون، ودعوا قومهم للإسلام؛ لأنه الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره:
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ *}[ آل عمران: 19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران: 85].
وهذا يدلُّ على أن دين جميع الأنبياء واحدٌ، وهو الإسلام، ودعوتهم واحدة، وهي الدعوة لتوحيد الله ـ عز وجل ـ وإفراده بالعبادة، على هذا مضى رسل الله، والمسلمون من أممهم، ولكن قومهم غيَّروا، وبدلوا بعدهم، وحرفوا، وأدخلوا في دين الله ما لم يأذن به الله، وشمل التحريف، والتبديل أساس دعوة الرسل، وهو التوحيد. وما يتعلق بذات الله ـ عز وجل ـ من الأسماء، والصفات، فتفرقت الأمم في ذلك ما بين مُفْرِط، ومُفَرِّط، وغالٍ، ومقصر لإعراضهم عن هدي المرسلين، واتِّباعهم غير سبيل المؤمنين.
ومن أعظم الأمم اختلافاً وضلالاً في هذا الباب أمتا اليهود، والنصارى، فاليهود غلب عليهم التقصير، والتفريط، والجفاء؛ وإن كان لديهم غلوٌّ، وإفراط، والنصارى غلب عليهم الغلوُّ، والإفراط؛ وإن كان وقع منهم تفريط، وتقصير في جوانب. والمسلمون اتبعوا الرسل، فهدوا لأقْوَم السبل، فكان قولهم هدىً بين ضلالتين، وحقّاً بين باطلين، فهو كلبن سائغ يخرج من بين فرث ودم. وإليك البيان في ما ذهبت إليه كلٌّ من هذه الأمم الثلاث في هذا الباب.
1 موقف أمَّة اليهود
عرفنا ممَّا تقدَّم: أن أمة يهود أمةٌ غلب عليها طابع التفريط، والتقصير في هذا الباب، بل هو الغالب عليهم في أكثر الأبواب:
ولعلَّ من أبرز مظاهر تفريطهم، وتقصيرهم في هذا الباب أمرين:
الأول: اتخاذهم الأنداد لله عز وجل، وعبادة الأصنام.
والثاني: إغراقهم في تشبيه الخالق بالمخلوق، ووصف الله ـ عز وجل ـ بالنقائص التي لا تليق إلا بالمخلوق.
فأما الأمر الأول: وهو اتخاذهم الأنداد، وعبادة الأصنام، فإنَّ القوم لما أنقذهم الله من عدوهم فرعون وجنوده، وجاوز بهم البحر مع موسى، عليه السلام، وأغرق عدوهم على مشهدٍ منهم، ومروا على قوم يعكفون على أصنام لهم؛ مالت نفوسهم إلى الوثنية، وطالبوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم مثلها: يقول الله ـ جل وعلا ـ في ذلك: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف: 138] ثم بَيَّن لهم موسى عليه السلام ـ ضلال أولئك، وبطلان عملهم، وأنَّ الإله الحق هو الله الذي فضَّلهم على العالمين، فقال: {إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ *}[الأعراف: 139 ـ 140].
اتخاذهم العجل في زمن موسى:
لم يلق نصح موسى ـ عليه السلام ـ وتذكيره، ووعظه من القوم قلباً واعياً، أو أذناً صاغيةً، فما أن تركهم عليه السلام، وذهب إلى ربه يناجيه، حتَّى اتخذوا العجل من بعده إلهاً من دون الله، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ }، [الأعراف: 148] { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ *}[البقرة: 51] ثم بين تعالى من تولى كبر إضلالهم وصناعة العجل لهم، فقال: { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي* قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ *فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ *} [طه: 85 ـ 88].
فبيَّن الله تعالى: أن الذي صنع لهم العجل هو السامريُّ، ومن العجيب: أن كتاب العهد القديم ينسب هذا العمل الشنيع إلى هارون عليه السلام، كما جاء في (سفر الخروج).
ولقد تكرَّر من القوم اتخاذ الأصنام، وعبادتها بعد موسى، عليه السلام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ: (وأهل الكتاب معترفون بأن اليهود عبدوا الأصنام مرَّات...).
وفي كتاب العهد القديم إشارات كثيرة لعبادتهم الأوثان، والأصنام، من ذلك:
1 ـ ما جاء في (سفر الملوك الثاني) عن عودتهم لعبادة العجل في عهد رحبعام يقول السفر: (..وعمل عِجْلَيْ ذهب، وقال لهم: كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم هو ذا الهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر، ووضع واحداً في بيت إيل، وجعل الآخر في دان).
2 ـ عبادتهم الأفعى وبعض التماثيل: يذكر (سفر الملوك الثاني) عن الملك حزقيال: أنه: (أزال المرتفعات، وكسر التماثيل، وقطع السواري، وسحق حية النحاس التي عملها موسى؛ لأنَّ بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها...).
على أنَّ موسى عليه السلام لم يصنع تمثالاً نحاسيّاً لحيَّةٍ، وإنما كانت عصاه تنقلب إلى حية تسعى معجزة له، ثم تعود سيرتها الأولى بعد ذلك عصاً يتوكأ عليها، ويهُشُّ بها على غنمه، لكن لعلَّ بني إسرائيل صنعوا ذلك، ونسبوه إلى موسى، عليه السلام؛ لتروج عند الناس، ويعظموها، ويعبدوها.
وأما الأمر الثاني: وهو قولهم بالتشبيه، ووصف الخالق بصفات المخلوق: لذلك بارك الرب اليوم السابع، وقدَّسه). وفي سفر (التكوين): (فأُكمِلت السموات، والأرض، وكل جندها، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، واستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل).
5 ـ وقالوا: (بأنَّه إنسان، وصارع يعقوب ـ عليه السلام ـ إلى الفجر).
ففي (سفر التكوين): (فبقي يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى: أنه لا يقدر عليه؛ ضرب حُقَّ فخذه، فانخلع حُقُّ فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال: أطلقني ؛ لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك؛ إن لم تباركني، فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل؛ لأنك جاهدت مع الله، والناس، وقدرت.. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه، ونجيت نفسي).
6 ـ وصفوه بما يفيد: أنه (لا يعلم الغيب، ويحتاج علامات يميز بها بني إسرائيل من غيرهم، فوضع الدم علامة على بيوت بني إسرائيل؛ ليميزها عن بيوت المصريين، حتى لا يهلكهم).
ففي (سفر الخروج): (أنَّ الرب كلَّم موسى ـ عليه السلام ـ وقال له فيما قال: فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة، وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس، والبهائم، وأصنع أحكاماً بكل الهة المصريين، أنا الربُّ، ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدم، وأعبر عنكم، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر).
7 ـ أنهم: جعلوا له أبناء كما أنَّ للمخلوق أبناء.
جاء في (سفر التكوين): (وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض، وولد لهم بنات: أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا). وحكى الله عز وجل عنهم: أنهم جعلوا له ابناً، فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة: 30].
2 موقف النصارى
لقد ضلَّت أمة النصارى في هذا الباب ضلالاً بعيداً، ولعلَّ أمةً من الأمم لم تضل في دينها، وربها، وإلهها كما ضل الذين قالوا: إنا نصارى! ولا عجب فالضلالة صفتهم المميزة لهم، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضلال». قال ذلك في تفسير قول الله ـ عز وجل ـ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *}[الفاتحة: 7] ولعل من أعظم ضلالهم في باب توحيد الله وصفاته: أنهم:
1 ـ شبهوا المخلوق بالخالق:
وأضفوا عليه من الصفات، والخصائص ما لا يليق إلا بالله عز وجل، ولا يصلح إلا له سبحانه، فوصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصَّة به، فقالوا: (إنه يخلق، ويرزق، ويغفر، ويرحم، ويتوب على الخالق، ويثيب، ويعاقب) وهذه الصفات من خصائص الربوبية، وصفات الألوهية التي لا تكون إلا لله سبحانه.
وذلك: أن هذه الأمة الضالَّة، جعلت المسيح ـ عليه السلام ـ هو الله، كما ذكر الله عز وجل قولهم هذا، وكفَّرهم به، فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] وتارة جعلوه ابناً له الله، سبحانه وتعالى عما يقول المبطلون! وعن قولهم هذا يقول الحق تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ *}[التوبة:30].
وقالوا تارة أخرى: إنه شريك لله، وجزء من ثلاث يتكوَّن منها الإله، كما ذكر الله قولهم هذا، وكفَّرهم به أيضاً، فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}[المائدة: 73] فألَّهوا المسيح عليه السلام، وجعلوه شريكاً لله، وعبدوه من دونه، بل وصفوه بأخص صفات الألوهية، والربوبية من الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة؛ وبذلك فاقوا عبَّاد الأصنام، والأوثان الذين قالوا في معبوداتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3] ولم يضيفوا إليها شيئاً من خصائص الربوبية كالخلق والرزق ونحو ذلك ، بل أقرُّوا بكل ذلك لله وحده، كما قال عز وجل: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس: 31] { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ *} [العنكبوت: 61] { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ *} [العنكبوت: 63] { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *}[لقمان: 25] .
أما هؤلاء فلئن سألتهم عن شيء من ذلك؛ ليقولن المسيح، فهو عندهم الإله الخالق، المحيي، المميت، باعث الرسل، ومنزل الكتب. حكى الإمام ابن القيم عنهم: أنهم قالوا (وليس المسيح عند طوائفنا الثلاثة هكذا بنبيٍّ، ولا عبد صالح، بل هو رب الأنبياء، وخالقهم، وباعثهم، ومرسلهم، وناصرهم، ومؤيدهم، ورب الملائكة).
وفي قرارهم الذي قرروه في (مجمع نيقية) الذي عقدوه سنة 325 م وسمَّوه بـ (الأمانة) ونصُّوا فيه على ألوهية المسيح عليه السلام، وصرَّحوا بأنه هو الذي سينزل للقضاء بين الناس يوم القيامة، ومحاسبتهم، ومجازاتهم، فقالوا: (وهو مستعدٌّ للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الناس يوم القيامة، ومحاسبتهم، ومجازاتهم) وقالوا: (وهو مستعدٌّ للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات، والأحياء).
يقول أحد قساوستهم في رسالة إلى أبي عبيدة الخزرجي مصرِّحاً بألوهية المسيح، وأنه خالق السموات والأرض: (أما بعد حمد الله الذي هدانا لدينه، وأيدنا بيمينه، وخصَّنا بابنه، ومحبوبه، ومدَّ علينا رحمته بصلبه المسيح إلهنا، الذي خلق السموات، والأرض، وما بينهن، والذي أمدَّنا بدمه المقدس، ومن عذاب جهنم وقانا..).
وقال مخاطباً أبا عبيدة داعياً إياه للإيمان بألوهية المسيح الخالق: (وما عقائدكم كلها إلا حسنة، وكان عندكم عدل كثير في أصل دينكم، وخير شامل، فلو امنتم بالمسيح وقلتم: إنه هو الله خالق السموات والأرض؛ لكمل إيمانكم).
وهكذا نرى النصارى يصفون المسيح ـ عليه السلام ـ بصفات الربوبية المختصة برب العالمين، عز وجل، وهذا أمرٌ انفردوا به من بين العالمين، ولم يقتصر الأمر على المسيح عليه السلام، بل جعلوا لغيره من الخلق بعض صفات الله تبارك وتعالى، فجعلوا مريم ـ عليها السلام ـ إلـهةً؛ لأنها أم الله بزعمهم، ووصفوها بالجلوس على العرش مع الله، عز وجل، وسألوها ما لا يُسأل إلا من الله، عز وجل.
يقول الإمام ابن القيم: (وأما قولهم في مريم: فإنهم يقولون: إنها أم المسيح ابن الله ووالدته في الحقيقة.. وأنها على العرش جالسة عن يسار الرب تبارك وتعالى والد ابنها، وابنها عن يمينه، قال: والنصارى يدعونها، ويسألونها سعة الرزق، وصحة البدن، وطول العمر، ومغفرة الذنوب).
وهذه الأمور لا يملكها إلا الله، عز وجل، ولا يُسْأَلها إلا هو سبحانه، ولقد أشار القرآن الكريم إلى قول النصارى بألوهية مريم في قوله تبارك وتعالى مخاطباً عيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ *}[المائدة : 116].
بل خصُّوا كنائسهم وبابواتهم ومطارنتهم ببعض خصائص الله عز وجل كمغفرة الذنوب ودخول الجنة، والحرمان منها، ففي المجمع الثاني عشر من مجامعهم المعقود في سنة 1215 م قرَّروا: (أن الكنيسة البابوية تملك الغفران، وتمنحه لمن تشاء)وبناء على هذا القرار قامت الكنيسة بإصدار ما يسمى بـ (صكوك الغفران).
يقول أحد قساوستهم في هذا: (وقد جعل الله في أيدي المطارنة ما لم يجعله في يد أحد، وذلك: أن َّكل ما يفعلون في الأرض يفعله الله في السماء، فإذا أذنبنا فهم الذين يقبلون التوبات، ويعفون عن السيئات، وبأيديهم صلاح الأحياء، والأموات) ماذا أبقوا لله عز وجل؟!!
2 ـ ومن ضلالهم في هذا الباب أيضاً: أنهم سبُّوا الخالق، عز وجل، وتنقَّصوه، وذلك من وجهين:
الأول: قولهم: إنه اتخذ ولداً؛ حيث قالوا: إن المسيح ابن الله، كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] وقد نزه الله عز وجل نفسه عن اتخاذ الصاحبة والولد، فقال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } [البقرة: 116] وقال سبحانه: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا *تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا *أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا *وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا *إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا *}[مريم: 88 ـ 93]، فأنكر قولهم، ونزَّه نفسه عن أن يكون له ولد.
وَبَيَّن سبحانه في آية أخرى: أن الولد لا يكون إلا من صاحبة، وهو سبحانه لا صاحبة له، فقال عز وجل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *}[الأنعام:101].
قال ابن كثير في تفسيره هذه الآية: (أي: كيف يكون له ولد، ولم تكن له صاحبة؟ أي: الولد إنما يكون متولداً عن شيئين متناسبين، والله لا يناسبه، ولا يشابهه شيء من خلقه ؛ لأنه خالق كل شيء، فلا صاحبة له، ولا ولد..).
وقد بين سبحانه في الحديث القدسي: أن من نسب إليه اتخاذ الولد؛ فقد شتمه، وسبَّه بقوله ذلك، ففي الصحيح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: كذبني ابن ادم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي؛ فزعم: أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي؛ فقوله: لي ولد. فسبحاني أن أتخذ صاحبة ولا ولداً!».
الثاني: زعمهم: أن الله ـ تعالى عن قولهم علواً كبيراً ـ (نزل من السماء، وتجسَّد من روح القدس، وصار إنساناً، وحبل به، وولد من مريم البتول، وقتل، وصلب).
وقال القسُّ القوطيُّ في رسالته إلى أبي عبيدة الخزرجي يشرح فيها مذهبه: (..فهبط بذاته من السماء، والتحم في بطن مريم العذراء البتول أم النور، فاتخذ لنفسه منها حجاباً كما سبق في حكمته...).
يقول الإمام ابن القيِّم: (...إنَّ هذه الأمة ـ أي: النصارى ـ ارتكبت محذورين عظيمين، لا يرضى بهما ذو عقل، ولا معرفة.
أحدهما: الغلوُّ في المخلوق، حتى جعلوه شريك الخالق، وجزءاً منه، وإلهاً آخر معه، ونفوا أن يكون عبداً له.
والثاني: تنقُّص الخالق، وسبه، ورميه بالعظائم، حيث زعموا: أنه ـ تعالى عن قولهم علوّاً كبيراً ـ نزل من العرش عن كرسي عظمته، ودخل في فرج امرأة، وأقام تسعة أشهر يتخبط بين البول، والدم، والنجو، وقد علته أطباق المشيمة، والرحم، والبطن، ثم خرج من حيث دخل، رضيعاً صغيراً يمصُّ الثدي.. ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه، وربطوا يديه، وبصقوا في وجهه، وصفعوا قفاه، وصلبوه جهراً بين لصين، وألبسوه إكليلاً من الشوك، وسمروا يديه، ورجليه، وجرَّعوه أعظم الالام، هذا هو الإله الحق الذي بيده أتقنت العوالم، وهو المعبود المسجود له. ولعمر الله إنَّ هذه مسبَّـةٌ لله سبحانه ما سبَّه بها أحد من البشر قبلهم، ولا بعدهم!!).
وذكر عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: أنه قال فيهم: (أهينوهم، ولا تظلموهم، فلقد سبُّوا الله ـ عز وجل ـ مسبةً ما سبَّه إياها أحدٌ من البشر!).
وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من قول معاذ بن جبل، رضي الله عنه.
3 موقف المسلمين
أمَّا هذه الأمة المسلمة؛ فقولها في هذا الباب هو ما جاء به المرسلون من توحيد الله، وإفراده بالعبادة، فامنت بأنه لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، ولا إله غيره، ولا ربَّ سواه، هو رب العالمين، وخالق الكون، ومدبره: {لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [الأعراف: 54] ونزهوه سبحانه عن الأنداد، واتخاذ الصاحبة والأولاد، تصديقاً لقوله تعالى عن نفسه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *}[المؤمنون: 91]، وقالوا كما قال مؤمنو الجنِّ: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا } [الجن: 3] وقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص:1 ـ 4].
ووصفوه سبحانه بصفات الكمال، والجلال، ونزَّهوه عن جميع صفات النقص، كما نزهوه عن أن يماثله شيءٌ من المخلوقات في شيءٍ من الصفات... ولم يصفوه إلا بما وصف به نفسه سبحانه، أو وصفته به رسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ من غير تعطيل، ولا تمثيـل لـه، فلم يشبهوه بشيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ـ كما فعل اليهود ـ بل قالوا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى: 11]. ولم يشبهوا شيئاً من خلقه به ، لا في ذاته، ولا في شيء من صفاته، ولم يجعلوا له نظيراً، أو ندّاً، أو مثيلاً، أو شريكاً في شيء من خصائص ألوهيته، وربوبيته ـ كما صنع النصارى ـ بل نزهوه سبحانه عن الشبيه، والنظير، والكفء، والندِّ، والمثيل.
وإذا تأملت سورة الإخلاص؛ وجدت بها صفات الكمال لله، سبحانه وتعالى، وهو أنه المنفرد بها وحده دون سواه. قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص:1 ـ 4]
ففي هذه السورة وصف الله سبحانه نفسه بأنه أحدٌ صمد، فهذان الوصفان يدّلان على اتصاف الله بغاية الكمال المطلق.
وذكر أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ في معنى الصمد: (أنه المستغني عن كلِّ أحدٍ، والمحتاج إليه كلُّ أحد).
ومن خلال قول أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في معنى الصمد يدلُّ على الإثبات، والتنزيه، فالإثبات بوصفه سبحانه بأنه هو الذي يُصْمَد إليه، أي: يرجع إليه في كل أمر ؛ لأنه هو المتصف بجميع صفات الكمال، فهو القادر على كل شيء، والفعَّال لما يريد، والذي بيده الخلق، والأمر، والجزاء، وما من قوة لغيره تعالى إلا بهيمنة منه، إذا شاء؛ أبقاها، ومتى شاء؛ سلبها، فالمرجع، والمراد إليه سبحانه !
وأما التنزيه؛ فبوصفه تعالى بأنه غني عن كل شيء، فلا افتقار فيه بوجه من الوجوه، لا في وجوده، فإنه الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الذي لم يلد ولم يولد، ولا في بقائه، فإنه الذي يُطعِم، ولا في أفعاله فلا شريك له، ولا ظهير.
كما أن وصفه سبحانه بأنه أحد صمد يدل على اتصافه بالكمال المطلق، وكذلك يدلان على معنى آخر، وهو نفي الولادة، والتولد عن الله سبحانه، فإن الصمد جاء في بعض الأقوال بأنه لا جوف، ولا أحشاء، فلا يدخل فيه شيء، فلا يأكل، ولا يشرب سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أْسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 14] وقال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ *إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *}[الذاريات: 56 ـ 58] فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له، ولا نظير، فيمتنع أن تكون له صاحبة.
والتولد إنما يكون من شيئين. قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * [الأنعام: 101] وفي قوله تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص: 4] سلب عن المخلوق مكافأته، ومماثلته للخالق. ومثل ذلك قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ *}[الأنعام: 1] أي: يعدلون به غيره، فيجعلون له من خلقه عدلاً.
ومثال هذا قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [مريم: 65] أي: لاشيءَ يساميه، ولا ندَّ، ولا عدلَ، ولا نظيرَ له يساويه، فأنكر التشبيه، والتمثيل، وبهذا يتبين لنا: أن تنزيهه سبحانه عن العيوب، والنقائص واجب لذاته، كما دلت على ذلك سورة الإخلاص.


يمكنكم يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022