الثلاثاء

1446-11-15

|

2025-5-13

من كتاب الوسطية في القرآن الكريم
(الصلة بين الوسطيَّة والصراط المستقيم)
الحلقة: السادسة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ سبتمبر 2020


إن معنى الصراط المستقيم يدل على الوسطيَّة في مفهومها الشرعي الاصطلاحي الذي سبق تقريره، وبخاصة: أن ما جعلته لازماً لمفهوم الوسطيَّة وإطلاقها قد تحقق في معنى الصراط المستقيم، فالخيرية، والبينية ظاهرتان في هذا الأمر. فنجد في سورة الفاتحة لمَّا قال تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة:6] عرفه فقال: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة:7] ثم حدَّده فقال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 7] فجعل الصراط المستقيم طريق الأخيار، وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وهو بين طريقي: المغضوب عليهم، والضالين.
وكذلك في سورة البقرة قال تعالى: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] فقال بعدها مباشرة: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] وقد تحدَّث المفسرون عن الكاف في هذه الآية، وذكر غير واحد (الكاف) للربط بين جعلهم أمة وسطاً وهدايتهم للصراط المستقيم.
وهذه بعض الأحاديث التي تزيد الأمر وضوحاً:
فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كنا عند النبي (ص) فَخطَّ خطّاً، وخطَّ خطين عن يمينه، وخطَّ خطَّين عن يساره، ثم وضع يده على الخط الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية:{ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }.
وذكر القرطبي ـ رحمه الله في تفسيره ـ: أن رجلاً قال لابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: ما الصراط المستقيم؟ قال: تَرَكَنا محمد (ص) في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جَوَادُّ، وعن يساره جَوَادُّ، وثَمَّ رجال يدعون مَن مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجوادِّ؛ انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط؛ انتهى به إلى الجنة. ثم قرأ ابن مسعود: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153]
وبالتأمل فيما سبق يتَّضح لنا ما يلي:
1 ـ أنَّ الصراط المستقيم: يمثل قمة الوسطيَّة، وذروة سنامها، وأعلى درجاتها، وايتا الفاتحة، والبقرة حجة قاطعة في ذلك.
2 ـ أنَّ الوسطيَّة تعني الخيرية، سواء أكانت خير الخيرين، أو خيراً بين شرين، أو خيراً بين أمرين متفاوتين، وقد سبق تفصيل ذلك.
3 ـ أنَّ المقياس لتحديد الخيرية هو الشرع، وليس هوى الناس، أو ما تعارفوا عليه، أو ألفوه، فإن مفهوم الوسطيَّة عند كثير من الناس تعني التنازل، أو التساهل، بل والمداهنة أحياناً، حيث يختارون الأمر بين الخير، والشر، وهو إلى الشر أقرب في حقيقته وماله، وهم يحسبون: أنهم يحسنون صنعاً.
4 ـ أن هناك عوامل كثيرة، وأصولاً معتبرة تجب مراعاتها عند ضبط مفهوم الوسطيَّة، وتطبيقها على أمرٍ من الأمور؛ حيث إن قصر النظر على أمر دون اخر؛ يؤدي إلى خلاف ذلك، ومجانبته.


يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022