تأملات في الآية الكريمة:
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 216
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1444ه/ فبراير 2023م
هنا نوع جديد في شأن قصة من أشهر قصص إبراهيم الخليل - عليه السّلام - والسؤال تبجيل وتفخيم؛ لأنّه عبرة وعظة، وهو أسلوب مألوف في القرآن كله كقوله: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} ]النازعات:15[، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} ]البروج:17[، وقوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} ]ص:21[، ومقصده حشد الاهتمام وتوجيه النظر إلى القصة(1).
أ- { هَلْ أَتَاكَ }:
تلازم دائماً الشيء العجيب الذي يستحق أن تلتفت إليه، ويشوّقنا الحق سبحانه إلى معرفته كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ]الصف:10[، يشوقنا لنقول: نعم يا ربّ دلّنا(2).
وقوله: {هَلْ أَتَاكَ}: بمعنى: قد أتاك فهو سؤال للتقرير، وفيه تذكير بالقصة وسمَّاه الله تعالى حديثاً، إشارة إلى أنه خبر حقيقي(3).
ب- {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}:
جاءت كلمة ضيف مفردة مع أنهم كانوا جمعاً من الملائكة، فلم يقل ضيوف ولا أضياف، إنما اختار اللفظ المفرد فقال: {ضَيْفِ}، قالوا: لأنَّ {ضَيْفِ} تُطلق على المفرد والمثنى والجمع ممّن استدعيته إلى بيتك، أو جاءك فصار ضيفاً عليك، والمستضيف ينبغي أن يعامل الأضياف معاملة واحدة، ويستقبلهم بوجه واحد لا يفضل أحداً على أحد، ولا يحتفي بأحد دون أحد، فكأنهم عنده شخص واحد لا يميز أحداً لا في مجلسه، ولا في نظره إليهم، لذلك عبّر القرآن الكريم عنهم بصيغة المفرد فهم في حكم الرجل الواحد.
وقد علمنا سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الدرس، فقد رُوي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يُسوي بين جُلسائه حتى في نظره إليهم، حتى ليظنَّ كل منهم أنه لا يوجد في المجلس غيره(4).
وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة تستخدم المفرد وتريد به الجماعة، ذلك حينما يكون توجههم واحداً وهدفهم واحداً، وحينما يجتمعون على أمر الله، وأمر الله دائماً واحد لا اختلاف فيه، والجماعة حينئذ في حكم الواحد، اقرأ هذا مثلاً في قوله تعالى في قصة سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السّلام: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ]الشعراء:16[، إذن: ضيف يعني أضياف من الملائكة(5).
ج- {الْمُكْرَمِينَ}:
وصفهم بالمكرمين، أي: جمع مكرم، وهو الذي يقع عليه الكرم من غيره، والفاعل مُكرم، والمفعول به مُكرم، فوصف الملائكة بأنهم مكرمون، فمن أكرمهم؟ قالوا: لها معنيان: أكرمهم الله تعالى كما قال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} ]الأنبياء:2-27[، أو مكرمون، قد أكرمهم سيدنا إبراهيم - عليه السّلام - حينما أعد لهم طعاماً، وباشر خدمتهم بنفسه لا بعبيده، وجعل امرأته تشاركه في خدمتهم، وأكرمهم بأن ردّ عليهم التحية بأحسن منها، ثم إنه لم يقدم لهم الطعام الحاضر فقط، وإنما أكرمهم وذبح لهم عجلاً؛ مرة وصفه بأنه سمين ومرة وصفه بأنه حنيذ(6).
وهذا كمال في الوصف، فهو سمين في ذاته أي ليس هزيلاً في تكوينه وهو حنيذ، والحنيذ هو أفضل أنواع الشواء عندهم، فهو من حيث طريقه طعمه حنيذ مشوي وهذا منتهى الإكرام(7).
مراجع الحلقة السادسة عشر بعد المائتين:
(1) إشراقات قرآنية، سلمان العودة، (1/129).
(2) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14581).
(3)إشراقات قرآنية، سلمان العودة، (1/129).
(4) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14584).
(5) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14584).
(6) حنذ اللحم: شواه على الحجارة، فهو حنيذ أي مشوي، ولحمه يكون أطيب من المسلوق والمطبوخ في الماء.
(7) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14585).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي