في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
جهود السَّلاجقة في حماية العراق من التشيُّع الرافضي الباطني
الحلقة: العشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ يونيو 2020
كانت الدولة الفاطمية تسعى للسيطرة على العراق ، والمشرق ، ولذلك قامت بإرسال الدُّعاة إليها ، فقد واصل الخلفاء الفاطميُّون جهودهم في نشر دعوتهم مستغلِّين الاضطراب الذي ساد بلاد العراق ، فأرسل الخليفة الفاطمي الظَّاهر لإعزاز دين الله الفاطمي الدُّعاة إلى بغداد سنة 425هـ ، فاستجاب لهم كثيرٌ من الناس ، وازداد نشاط الدُّعاة في بلاد المشرق الإسلامي على عهد المستنصر بالله الفاطمي ، فعهد إلى دعاته بالرَّحيل إلى فارس ، وخراسان ، وما وراء النهر ، ومن أشهر دعاة ، وفلاسفة المذهب الشيعي الإسماعيلي الفاطمي: المؤيَّد في الدين هبة الله الشيرازي ، وعرف أحياناً بالمؤيَّد فقط ، وقد نجح هذا الداعية في التأثير على البساسيري أحد القادة العسكريين في الدولة العباسية ، وقد استطاع البساسيري أن يستولي على بغداد ، ويزيح الخليفة القائم بأمر الله ، وإقامة الخطبة فيها للفاطميين ، وانقطعت دولة بني العباس من بغداد ، وأخرج الخليفة ، وحُمل إلى الأنبار ، وحبس بالحديثة عند صاحبها مهارش بن مجلي العقيلي ، فتولى خدمة الخليفة بنفسه ، وكان أحد وجوه بني عقيل ، وخطب لبني عبيد الفاطميين في بغداد أربعين جمعه في ولاية المستنصر.
وحاول البساسيري نقض الاتفاق الذي عقده مع قريش بن بدران ، وعزم على أخذ الخليفة العباسي ، وترحيله إلى مصر ، إلا أن قريشاً تصدَّى لهذه المحاولة ، وعهد إلى ابن عمِّه الأمير محيي الدين بن مخارش العقيلي ـ صاحب حديثة بالتحفُّظ على الخليفة ، وتأمين حياته ، وعلى الرغم من ذلك فلم يسمح البساسيري للخليفة القائم بأمر الله بالرَّحيل إلى حديثه إلا بعد أن أرغمه على كتابة اعترافه بعدم أحقيِّة بني العباس في الخلافة الإسلاميَّة مع وجود بني فاطمة الزهراء ، عليها السلام. ولم يكتف البساسيري بذلك بل استولى على ثوب الخليفة ، وعمامته ، وشباكه ، وأنفذها إلى الخليفة المستنصر بالله الفاطمي ، وكان البساسيري قد شرع في استخدام طائفةٍ من العوام، ودفع إليهم السِّلاح من دار الخلافة ، وجمع العيّارين ، وأطمعهم في نهب دار الخلافة ، ونهب أهل الكرخ ـ الشيعة ـ دور أهل السنة بباب البصرة ، ونهبت دار قاضي القضاة الدَّمغاني ، وهلك أكثر السِّجلات ، والكتب الحكيمة ، وبيعت للعطارين ، ونهبت دور المتعلقين بالخليفة.
وأعادت الروافض الأذان بـ : (حيَّ على خير العمل) وأُذِّن به في سائر جوامع بغداد في الجُمعُات ، والجماعات ، وخطب ببغداد للخليفة الفاطمي ، وضربت له السَّكة على الذهب ، والفضَّة ، وحوصرت دار الخلافة ، واعتقل رئيس الرؤساء أبو القاسم بن المُسلمة ، ووبَّخه البساسيري ، ولامه لوماً شديداً ، ثم ضربه ضرباً مبرحاً ، واعتقله مهاناً عنده ، ونهبت العامة دار الخلافة ، فلا يُحصى ما أخذوا منها من الجواهر ، والنَّفائس ، والدِّيباج ، والأثاث، والثياب ، وغير ذلك ممَّا لا يُحَدُّ ، ولا يُوصف.
وفي يوم عيد الأضحى في سنة 450هـ ألبس البساسيري الخطباء والمؤذنِّين البياض ، وعليه هو وأصحابه كذلك ، وعلى رأسه الألوية المستنصرية ، والمطارد المصرية ، وخطب للمستنصر صاحب مصر ، والشيعة الرَّافضة في غاية السرور ، والأذان في سائر العراق بحيِّ على خير العمل ، وانتقم البساسيريُّ من أعيان أهل بغداد انتقاماً عظيماً ، وغرَّق خلقاً ممَّن كان يعاديه ، وبسط على اخرين الأرزاق ، والعطايا ، ولمَّا كان يوم الإثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة أحضر إلى بين يديه الوزير أبو القاسم بن المسلمة الملقَّبُ برئيس الوزراء ، وعليه جُبَّةُ صوفٍ ، وطرطورٍ من لبد أحمر ، وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ ، فأركب جملاً ، وطيف به في البلد ، وخلفه من يصفعه بقطعةٍ من جلد ، وحين اجتاز بالكرخ؛ نثروا عليه خُلْقان المداسات ، وبصقوا في وجهه ، ولعنوه ، وسبُّوه ، وهذه عي عادتهم عندما يتمكنون من مخالفيهم في كلِّ زمانٍ ، ومكان ، وأوقف بإزاء دار الخلافة وهو في ذلك يتلو: {قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٦} [آل عمران: 26] ، فألبس جلد ثور بقرنيه وعُلِّقَ بكلُّوب في شدقيه ، ورفع إلى الخشبة حيَّاً ، فجعل يضطرب إلى اخر النهار ، فمات ، رحمه الله ، وكان آخر كلامه: الحمد لله الذي أحياني سعيداً ، وأماتني شهيداً!
من خصائص النفسية الشيعية الرافضية الباطنية الثابتة عبر التاريخ اتباع أسلوب التذلُّل ، والتَّمسكن ، والتودُّد عند الضعف ، ولكن متى استشعروا القوَّة ، فإنَّها تمارس أشدَّ أنواع الطغيان ، والنهب ، والبطش ، والانتقام.
وكان طغرل بك السلطان السلجوقي الذي أزاح البويهيين كان خارج العراق بجيوشه يحارب المنشقِّين عنه ، ويمكِّن لدولته ، ولما قضى على الفتن كَرَّ بجيوشه على بغداد ، وأعاد الخليفة العباسي إلى الخلافة بعد فكاكه من أسره ، واستطاع ملاحقة البساسيري ، وقتله ، وعادت العراق إلى الخلافة العباسية السنية من جديد. وقد فصَّلت هذه الأحداث التاريخية في كتابي: دولة السلاجقة ، والمشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني ، والغزو الصليبي. وقد أدرك السلاجقة الخطر الذي يتهددهم من وراء الدَّعوة الفاطمية في بلدان الخلافة العباسية ، لذلك اتبعوا سياسة حكيمة بعد أن قبضوا على زمام الأمور في بغداد ، تتمثَّل في مناهضة الدَّعوة الفاطمية ، ودعاتهم بالحزم والشدَّة ، فتعقَّبوا دعاة الفاطمية الذين قاموا بنشر الدَّعوة الفاطمية في بلاد فارس ـ كما قاموا بإقصاء الموظفين المتشيعين للمذهب الإسماعيلي عن دواوين الحكومة ، والوظائف الدينية ، وعينوا من أهل السنة بدلاً منهم.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/66.pdf