من كتاب الوسطية في القرآن الكريم
(طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم)
الحلقة: التاسعة والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ نوفمبر 2020
تكلَّم القرآن الكريم عن طعام أهل النار، وبيَّن: أنه الضريع، والزقوم، وأنَّ شرابهم الحميم والغِسْلين، والغسَّاق. قال تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ *لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ *}[الغاشية: 6 ـ 7] والضريع شوك بأرض الحجاز يقال له: الشبرق.
وعن ابن عباس: الشبرق (نبت ذو شوك لاطأىٌ بالأرض، فإذا هاج سمي ضريعاً). وقال قتادة: (من أضرع الطعام وأبشعه).
وهذا الطعام أكلهم له نوعٌ من أنواع العذاب، لا يتلذذون به، ولا تنتفع به أجسادهم.
أما الزقوم؛ فقال تعالى فيه: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ *طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ *كَغَلْيِ الْحَمِيمِ *}[الدخان: 42 ـ 46]، وقد وصف الله شجرة الزقوم في آية أخرى، فقال: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ *إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ *إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ *طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ *فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ *ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإَلَى الْجَحِيمِ *}[الصافات: 62 ـ 68].
وقال في موضع آخر: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ *لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ *فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ *}[الواقعة: 51 ـ 55].
ويؤخذ من هذه الايات: أنَّ هذه الشجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتدُّ في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ؛ لذلك شبهت برؤوس الشياطين، وقد استقرَّ في النفوس قبح رؤوسهم؛ وإن كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفرّاً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم؛ أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دُرْدِيُّ الزيت، فيجدون لذلك الاماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ؛ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حرُّه، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب، وتشرب، ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15] هذه هي ضيافتهم في ذلك اليوم العظيم.
وإذا أكل أهل النار هذا الطعام الخبيث من الضريع، والزقوم؛ غصوا به لقبحه، وخبثه، وفساده: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا *وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا *}[المزمل: 12ـ 13].
ومن طعام أهل النار الغسلين. قال تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ *وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ *لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ *}[الحاقة: 35 ـ 37]. وقال تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ *وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ *}[ص: 57 ـ 58].
والغسلين، والغساق بمعنىً واحد، وهو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد، وقيل: ما يسيل من فروج النساء الزواني، ومن نتن لحوم الكفرة، وجلودهم. وقال القرطبي: (هو عصارة أهل النار).
أما شرابهم فهو الحميم، قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد: 15] وقال: { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا *} [الكهف: 29] وقال: { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ *يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ *}[إبراهيم: 16 ـ 17] وقال: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ *} [ص: 57] وقد ذكرت هذه الآيات أربعة أنواع من شراب أهل النار.
الأول: الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حرُّه.
الثاني: الغسَّاق، وقد مضى الحديث عنه، فإنه يذكر في مأكول أهل النار ومشروبهم.
الثالث: الصَّديد، وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده.
الرابع: المُهْل، وهو كعكر الزيت، فإذا قرَّب وجهه؛ سقطت فروة وجهه فيه.
أكلهم النار:
ومن أصحاب الذنوب من يطعمه الله جمر جهنم جزاء وفاقاً.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا *}[النساء:10].
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}[البقرة:174].
لباس أهل النار:
أما لباس أهل النار؛ فقد أخبرنا تبارك وتعالى: أنه يفصَّل لأهل النار حلل من النار، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } [الحج: 19] وكان إبراهيم التيمي إذا تلا هذه الآيةيقول: (سبحان من خلق من النار ثياباً!)
وقال تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ *}[إبراهيم: 49 ـ 50] والقطران: هو النحاس المذاب.
يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com