الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

(علاقة عماد الدين زنكي بجنوده)

اقتباس من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 31

بقلم: د.علي محمد الصلابي

صفر 1444 ه/ سبتمبر 2022م

قامت علاقة عماد الدين زنكي بجنده على النظام والطاعة والانضباط من جهة، وعلى الود والتعاطف والرأفة من جهة أخرى، بسبب ما قدمه للجند من رواتب حسنة، وما شمل به أهليهم من رعاية واهتمام ،(1) وكان عقابه صارماً للمخالفين من جنده لا سيَّما إذا كانت مخالفتهم على حساب الرعية،(2) وقد بلغ زنكي من السطوة والنفوذ لدى جنده: أنَّه إذا ركب؛ مشى العسكر خلفه كأنهم بين خيطين، مخافة أن يدوس العسكر شيئاً من الزرع، ولا يجسر أحد من هيبته أن يدوس عرقاً منه، ولا يمشي فرسه فيه، ولا يجسر أحد من أجناده أن يأخذ من فلاحٍ حفنة من التبن إلاَّ بثمنها، أو بخط من الديوان إلى رئيس القرية.(3)

وكان زنكي يقدِّر الدور الهام الذي يؤديه الجند في خدمة الإمارة ؛ لذلك عني بتوفير الراحة والاستقرار للجندي في كل ما يتعلق به، وبخاصة عائلته وزوجته، فكان شديد الغيرة على الحريم، لا سيما نساء الجند، فإن التعرض إليهن كان من الذنوب التي لا يغفرها، وقد علل ذلك بقوله: إن جندي لا يفارقوني في أسفاري وما يقيمون عند أهليهم، فإن نحن لم نمنع من التعرض إلى حرمهم هلكن وفسدن(4)، ولذلك كان يعاقب المتعرضين للنساء أشد العقاب وقد مرَّ معنا قصة والي جزيرة ابن عمر التابع لعماد الدين زنكي (حسن البرطي) وكيف جرده من كل أمواله وعاقبه.(5)

ص ـ الاستخبارات: أقام عماد الدين زنكي جهازاً للمخابرات، وخصص له الموظفين، والرواتب، وقد ورد عنه أنَّه: كان شديد العناية بأخبار الأطراف وما يجري لأصحابها حتى في خلواتهم، وكان له في بلاد السلطان السلجوقي من يطالعه، ويكتب إليه بكل ما يفعله السلطان في ليله ونهاره، وحرب وسلم، وهزل وجد، وكان يصرف على ذلك الأموال الجليلة، وكان يصل إليه في كل يوم عدة قاصدين، أو كتب(6) كما كان له في كل بلد من يطالعه بالأخبار.(7)

وقد اتصف عماد الدين زنكي بالدراية الواسعة والحذر في هذا المجال، فكان لا يُمكِّن رسول ملك يعبر في بلاده بغير إذنه، وإذا استأذنه رسول في العبور إلى بلاده أذن له، وأرسل إليه من يسيره، ولا يتركه يجتمع بأحد من الرعية ولا غيرهم، فكان الرسول يدخل بلاده ويخرج منها، ولا يعلم من أحوالها شيئاً البتة (8)، كما كان لا يمكِّن أحد موظفيه من مغادرة بلاده، ويعلل ذلك بأن البلاد كبستان عليه سياج فمن هو خارج السياج يهاب الدخول، فإذا خرج منها من يدل على عورتها ويطمع العدو فيها؛ زالت الهيبة، وتطرق الخصوم إليها (9)وهنالك عدد من الروايات حول هروب بعض موظفيه، وفلاحيه إلى الإمارات الأخرى، وإلحاحه بإعادتهم إلى إمارته؛ حتى لو اضطره ذلك إلى استخدام القوة.(10)

وقد قدم جهاز مخابراته خدمات مهمة له في ظروف شتَّى، ولعب دوراً هاماً في حصار بعرين عام 531هـ،(11) وحصار الرُّها عام 539هـ ،(12) كما كان يستخدمه عماد الدين للتعرف على أحوال الجند لدى حصارهم بعض المواقع وملاحظة ما يصل إليهم من رواتب وسلاح ،(13) وكان عماد الدين زنكي مع اشتغاله بأمور الدولة الهامة لا يهمل الاطلاع على القضايا الثانوية، معللاً ذلك بأن الصغير إذا لم يعرف؛ ليمنع؛ صار كبيراً.(14) وكان من الطبيعي أن رجال المخابرات في الدولة الزنكية ارتبطوا بعماد الدين مباشرة نظراً لأهمية دورهم السياسي والعسكري، ولأنهم كانوا يتسلمون أوامرهم المباشرة منه.(15)

كان عماد الدين زنكي رجلاً ذا هدف واضح، وهذا أول شروط النجاح، وكان جاداً ومثابراً في تنفيذ خططه، وكان غالباً لا يهادن الصليبيين قاسياً عليهم، وكان حريصاً على نشر الخوف في حصونهم، وقلاعهم، ومدنهم، وكان يقدر الظروف الحربية، فقد هادن جوسلين عندما قدم إلى الموصل لكي يتفرغ لإصلاح البلاد، وتجنيد الأجناد، وتجنب مهاجمة مملكة بيت المقدس؛ حتى لا يثير أوروبا ضدَّه، فقد كان هدفه القضاء على الأطراف مثل الرُّها، وإضعاف أنطاكية، والقضاء على إمارة طرابلس، وله فقه كبير في السياسة الحربية =16)ستُـبَـيَّن بإذن الله تعالى عند الحديث عن جهوده الوحدوية، وأعماله الجهادية.

مراجع الحلقة الواحدة والثلاثون:

(1) عماد الدين زنكي ص 207.

(2) المصدر نفسه ص 209.

(3) كتاب الروضتين(1/110) عماد الدين زنكي ص 208.

(4) زبدة حلب(2/283 ـ 284).

(5) الباهر ص 84، عماد الدين زنكي ص 208.

(6) الباهر ص 84، عماد الدين زنكي ص 208.

(7) الباهر ص 78، كتاب الروضتين (1/111) عماد الدين زنكي ص 209.

(8) مفرج الكروب نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 209.

(9) مفرج الكروب نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 210.

(10 ) كتاب الروضتين (2/283).

(11 ) الكامل في التاريخ نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 210.

(12 ) عماد الدين زنكي ص 210.

(13 ) الباهر ص 78 نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 210.

(14 ) الباهر ص 78، عماد الدين زنكي ص 210.

(15 ) عماد الدين زنكي ص 210.

(16 ) الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 169، 171.

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

alsallabi.com/uploads/file/doc/106969.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022