(الأزمة الداخلية للحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 247
بقلم: د. علي محمد الصلابي
رجب ١٤٤٣ه/ فبراير ٢٠٢٢م
كان هناك إجماع داخل حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية» فيما يخص هدف الاستقلال، لكن الخلافات تطفو عندما يتعلق الأمر بالطريقة وبالوقت المناسب للشروع في الكفاح من أجل بلوغ الهدف المذكور والمتفق عليه، هل يواصل الحزب مشاركته في الانتخابات بالرغم من ظلمها للأغلبية المسلمة ومن تزويرها الواضح؟ وإذا أضفنا التنظيمية فهمنا لماذا وصل الحزب إلى الجمود ثم إلى مؤتمرين منفصلين، وفي النهاية إلى حركة من مناضلين فضلوا الثورة على النقاشات السياسية العقيمة، وفضلوا وضع الثقة في الشعب الذي كان يريد الدخول حيناً في معركة التحرير النهائي من الاستعمار.
ـ بدأ مصالي الحاج يطلب رئاسة الحزب مدى الحياة في مارس 1950م، كما طلب التمتع بحق النقض في اجتماع اللجنة المركزية بالأربعاء، وهي مدينة قريبة من العاصمة، فاستطاعت هذه القيادة أن تناور من أجل رفض هذا الطلب.
ـ وقد ساعد تفكيك المنظمة الخاصة من طرف السلطات الاستعمارية على إحداث جو من الشكوك داخل صفوف المناضلين، فاستقال الأمين العام حسين لَحَول من منصبه في مارس 1951م، خوفاً من أن يصبح كبش الفداء كلما يتلقى الحزب ضربات.
ـ ثم تطرقت اللجنة المركزية إلى مجموعة تنسيق العمل مع الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وجمعية العلماء «ماي 1951م»، لكن حزب فرحات الشعب الجزائري المحظور كان اشترط الالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، فاقترح شوقي مصطفاي الجملة الاتية: سنعمل في إطار الشرعية. وأضاف أنه لا يرى مانعاً من إمضاء الاتفاق بذكر الحركة فقط، عند ذلك تفجر مصالي الحاج وقال غاضباً: يُراد قتل الحزب. ولم توافق اللجنة المركزية على اقتراح شوقي مصطفاي، ولكن تأثر بعض أعضائها من سلوك مصالي الحاج تجاه شوقي مصطفاي، الذي لم يقدم إلا اقتراح صيغة لحل المشكل.
وإثر هذه الحادثة استقال من اللجنة المركزية شوقي مصطفاي وسعيد عمراني وعبد الرزاق شنتوف، واجتمعت اللجنة المركزية من جديد بحضور مصالي الحاج في مدينة الأربعاء (تقع جنوب غرب العاصمة بحوالي 30 كلم) في مارس 1952م، فرفضت رسمياً توحيد العمل مع الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء، وقررت عقد مؤتمر في جويلية 1952م.
وفي أفريل 1952م طلب مصالي الحاج من الحزب تنظيم جولة له عبر الوطن، وحاولت قيادة الحزب أن تقنعه بالعدول عن هذا المشروع، تجنباً لاستفزازات المصالح الأمنية ضده وضد المناضلين المنظمين للمهرجانات، لكنه أصر على قيامه بالجولة، فعند زيارته للشلف قُتل مناضلان وجُرح الكثير من المناضلين، فألقي القبض على مصالي الحاج يوم 14 ماي 1952م ثم نُفي إلى نيور، وهي مدينة توجد في الجنوب الغربي من باريس على بعد 340 كيلو متراً، وبعد استقالة لَحَول حسين من منصبه عين بن يوسف بن خدّة كأمين عام في أوت 1951م، يروي بن خدة أنه عرض على مصالي الحاج مخططاً لفراره، فقبله، إلا أنه تراجع عن ذلك، وذلك في فبراير 1953م، حيث كان من المفروض أن يفرّ إلى سويسرا حيث يسترجع حريته في التحرك والنشاط.
وأما المؤتمر المقرر لجويلية 1952م، فلم يتمكن من الانعقاد إلا في سنة 1953م «أيام 3،4،5، من أفريل»، حضر المؤتمر الثاني للحزب في مقر هذا الأخير حوالي مائة من المناضلين، ولقد شارك في المناقشات بالقاعدة عدد من أعضاء المنظمة الخاصة، وقد تكلم باسمهم رمضان بن عبد الملك في المؤتمر، والشيء الجديد في المؤتمر هو توضيح التوجهات المستقبلية للجزائر المستقلة، ستكون الجزائر جمهورية مستقلة، وسيدة ومحايدة تجاه الكتلتين «كتلة الشرق وكتلة الغرب»، ومؤسسة لمجموعة مغاربية، ومؤيدة لحركات التحرير، ومؤسسة لاقتصاد وطني يقوم بإصلاح زراعي وبتأميم وسائل الإنتاج، ومصممة لثقافة عربية إسلامية، ومانحة الأقلية الفرنسية حق الاختيار بين الجنسية الجزائرية والجنسية الفرنسية. وقرر المؤتمر الثاني للحزب تقوية المنظمة الخاصة، وعيّن لجنة مكونة من خمسة أعضاء لاختيار تشكيلة اللجنة المركزية بالتراضي.
وتكونت اللجنة المركزية في الجزائر العاصمة يومي 4 و5 جويلية 1953م، وانتخب بالاقتراع السري بن يوسف بن خدّة كأمين عام، فعينت في هذا الاجتماع لجنة لإعادة تنشيط المنظمة الخاصة، وهي متألفة من: مصالي الحاج، وحسين لَحَول، ومصطفى بن بولعيد، وبن يوسف بن خدّة، ومحمد دخلي.
وحضر بن يوسف بن خدّة اجتماع اللجنة المركزية المقبل، فذهب بالمشاريع إلى نيور لمقابلة مصالي الحاج، وتلقي ارائه بالنسبة إلى القضايا المطروحة، لكن مصالي الحاج فضل أن يرسل مذكرة إلى اللجنة المركزية عند اجتماعها من 12 إلى 16 سبتمبر 1953م.
وفي مذكرته، عرض مصالي الحاج كل انتقاداته تجاه قيادة الحزب، إنه يلومها على تنظيمها للتنسيق بين منتخبي الهيئة الأولى الفرنسية والهيئة الثانية الخاصة بالمسلمين، وعلى اقتراحها لمؤتمر وطني يضم أهم الأحزاب السياسية والجمعيات للمطالبة بانتخاب مجلس سيد بالاقتراع العام.
وفي الحقيقة كان مصالي الحاج يلوم قيادة الحزب على شيء واحد، وهو رفضها لمنحه السلطات المطلقة. انتهت المذكرة بسحب الثقة من بن يوسف بن خدّة كأمين عام بهذه العبارات: أسحب الثقة من الأمين العام، وأطلب السلطات المطلقة لتقويم الحزب.
وقبل بن يوسف بن خدّة سحب الثقة منه، ولو أنه انتخب بالاقتراع السري من طرف اللجنة المركزية، لكنه طلب إلغاء فكرة السلطات المطلقة.
وذهب مصالي الحاج إلى أبعد من ذلك، إذ أرسل تعليمات إلى القاعدة لتؤسس لجاناً للخلاص العمومي، ولتقطع علاقتها مع القيادة الحزبية الحالية، وتعترف بمرباح مولاي وبأحمد مزغنا كممثلين له حصرياً لتجنب انفجار الحزب.
قبلت اللجنة المركزية في اجتماعها المنعقد يوم 28 مارس 1954م أن تمنح مصالي الحاج السلطات المطلقة لتحضير مؤتمر استثنائي تعرض فيه الأفكار لنقاش ديمقراطي، وسلطات تسيير الحزب بغرض تحضير المؤتمر، فهكذا أصبح مصالي الحاج مكلفاً يتحضير المؤتمر، لكنه فهم أنه سيحضره، كما يشاع، وبالفعل لم يستدع للمؤتمر الذي عقده هورنو إلا أوفياؤه.
نظراً إلى هذه الظروف التي يمر بها حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية» ، اجتمع عدد من المناضلين الإطارات في الجزائر العاصمة، وأسسوا اللجنة الثورية للوحدة والعمل.
نعود الان إلى المؤتمرين اللذين جسّدا الانفصال داخل حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية».
وانعقد مؤتمر «هورنو» ببلجيكا من 13 إلى 15 جويلية 1954م بحضور الأوفياء لمصالي الحاج. في التقرير الذي أرسله مصالي الحاج إلى المؤتمر، يركز انتقاداته على قيادة الحزب ويوجه إليها التهم التالية: لم تقم قيادة الحزب بتحضير تقرير موضوعي عن أحداث 1945م، وتركت الكُتل تتكون وتهاونت بالنسبة إلى فرض الانضباط، وتميزت بالجمود والبيروقراطية، وأساءت تسيير المؤامرة ضد المنظمة الخاصة، وابتعدت عن تجديد صفوف الحزب، وعن التنسيق مع الأحزاب السياسية الأجنبية، واتهمها أيضاً بإبعاده عن كل ما يهم الحزب، وبعدم تقديم حساب عن نشاطها أمامه.
وقد عمق مؤتمر «هورنو» الأزمة، إذ وافق على منح مصالي الحاج رئاسة الحزب مدى الحياة، وعلى حل اللجنة المركزية القائمة، وعلى إقصاء حسين لَحَول وبن يوسف بن خدّة وسيد علي عبد الحميد وأحمد بودة ومصطفى فروخي ومحمد يزيد ومحمد الصالح لوانشي من الحزب.
وأتى جواب اللجنة المركزية القائمة شهراً من بعد، فاجتمع مؤتمر الأوفياء للجنة المركزية بالجزائر العاصمة سراً من 13 إلى أوت 1954م، فأدانوا عمل التفرقة الذي قام به مصالي الحاج في بلجيكا، وقرروا إسقاط عضويته وعضوية أحمد مزغنا ومرباح مولاي في اللجنة المركزية، وإلغاء منصب رئيس الحزب، وعينوا لجنة مركزية فيها 28 عضواً: هذه اللجنة عينت بدورها هيئة مديرة انبثق منها أمانة عامة فيها ثلاثة أو خمسة أعضاء من بينهم أمين عام.
إن المادة الأولى من القانون الأساسي تحدد أهداف الحزب وهي: إنهاء النظام الاستعماري، وانتخاب مجلس تأسيس من طرف هيئة ناخبة واحدة، وتأسيس دولة مستقلة على شكل جمهورية ديمقراطية اجتماعية.
إن الذين يسميهم المؤرخون «مركزيين» هم مناضلون مؤيدون لمواقف اللجنة المركزية، فلا ينبغي الخلط مع أعضاء من اللجنة المركزية القديمة الذين قد انضموا إلى مصالي الحاج أو إلى اللجنة الثورية للوحدة والعمل.
في الحقيقة لم تعش نزعة المركزيين طويلاً: إنها أنشأت جريدة جديدة عنوانها «الأمة»، ثم عقدت دورة واحدة في أكتوبر 1954م، فقررت إرسال أمينها العام حسين لحول ومحمد يزيد إلى القاهرة، بحثاً عن المساعدة التي قد تدفعها مصر للكفاح التحرري الجزائري.
إن اندلاع ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954م سيحث المناضلين على الاختيار الحاسم مع الثورة أو ضد الثورة، فهكذا التحق أغلبية أعضاء اللجنة المركزية بالثورة بصفة فردية، وعلى حسب ظروف وكيفيات كل شخص.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: