الإثنين

1446-12-20

|

2025-6-16

من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان:
سورة العصر
الحلقة 145
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
شوال 1442 هــ / يونيو 2021
* {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}:
لم يذكر تعالى سبب الخسار، وذكر سبب الربح، مع أن السورة بدأت الكلام عن الخُسر؟
الجواب: لأن طريق الربح واحد، لكن طرق الخسار كثيرة لا تنتهي، منها: الفعل، ومنها: الترك، بخلاف الربح: فالمنهج فيه واضح منضبط محصور، وهو المذكور في هذه الآية.
يقول ابن القيم: «جعل الله تعالى في هذه الآية نهاية الكمال العلمي والعملي، والكمال اللازم والمتعدِّي».
فالكمال العلمي للإنسان بالإيمان: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا}، والمقصود صدق تصورات الإنسان، فيؤمن بالله تعالى وملائكته والقدر والآخرة.
والكمال العملي: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: من الصلاة والزكاة والصوم والحج وصلة الأرحام والأخلاق الفاضلة وغيرها.
والكمال اللازم، أي: الكمال الشخصي في الإنسان، والكمال المتعدِّي هو ما يفيض من الإنسان إلى الآخرين بالنفع أو التواصي أو التعليم أو الأمر أو النهي.
وفي هذه السورة الكريمة أربع دوائر متداخلة:
1- دائرة {الَّذِينَ آمَنُوا}، وهي الدائرة الأوسع، ولو اقتصرنا على لفظ الإيمان لدخل فيه العمل الصالح وما بعده، كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فأداء الزكاة من الإيمان، وأداء الصلوات وبر الوالدين والحج والصوم من الإيمان.
ولهذا إذا ذكر الإيمان مجرَّدًا، ولم يذكر معه غيره يدخل في الإسلام.
2- دائرة أضيق، وهي: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، ولو لم يذكر إلا العمل الصالح لدخل فيه الإيمان، ولكن من باب التخصيص والتنصيص، ولهذا رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلامُ علانيةٌ، والإيمانُ في القلبِ»، ولا يصح.
3- دائرة {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}، والتواصي بالحق من الإيمان ومن الأعمال الصالحة، لكن ذكَرَه إشادةً بأهله وبيانًا لمزيتهم عن غيرهم.
4- دائرة {ﭝ ﭠ}، والصبر من الإيمان، ومن العمل الصالح، ومن الحق الذي يُتواصى به، وقد ذكره على سبيل التخصيص، فكأنه ذكره أربع مرات.
ولم يذكر بماذا آمنوا وبمَن آمنوا، وقد صرَّح بذلك في «سورة النساء»:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}.
الواو هنا واو الجماعة، فالله تكلم عن جماعة، وهذا غالب ما تجده في القرآن الكريم، وهو يدل على أهمية الاجتماع والتآلف، وأن الله تعالى يحب اجتماع المؤمنين ويكره فرقتهم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوص} [الصف: 4]، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 103].
فأين هدي القرآن؟ وأين هي تعاليمه من واقع الناس اليوم؟!
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: «تطاوَعا ولا تختَلِفا». وهو دليل على وجود اختلاف بينهما في الرأي؛ لكنه أرشدهما إلى الحلول العملية، وهي أن يكونوا ميسِّرين سهلين لينين بأيدي إخوانهم، وأَلَّا تكون سهامُ بعضهم مصوَّبة إلى بعض، أو جهود بعضهم تجهض بعضًا، وأن يتوجهوا إلى الهم الواحد، ويجتهدوا في التعليم والدعوة والإصلاح دون أن يفترضوا أنه لا يمكن أن يقوموا بعمل ناجح إلا أن يكون عملهم متقاطعًا مع جهود الآخرين.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022