الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان: 

سورة الهمزة

الحلقة 147

بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

شوال 1442 هــ / يونيو 2021

 * تسمية السورة:
أشهر أسمائها: «سورة الهمزة».
وسماها البخاري، وغيره: «سورة {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ}»، بأول آياتها.
وذكر الفيروز آبادي في «بصائر ذوي التمييز» أن من أسمائها: «الحُطَمة»؛ لورود اسم الحُطَمة فيها.
 * عدد آياتها: تسع آيات بالاتفاق.
 * وهي مكية باتفاق العلماء.
وذكر بعض المفسرين أنها نزلت في جماعة من صناديد كفار مكة، الذين كانوا ينالون من المسلمين ويهمزونهم ويلمزونهم، ويسبونهم ويعيبونهم، وينسبون إليهم الأباطيل، يحاولون بها تشويه صورتهم.
وممن قيل إن السورة نزلت فيه: الوليد بن المغيرة، والأَخْنس بن شَرِيق، وأُمَيَّة بن خلف، وأُبيّ بن خلف، وجَـمِيل بن مَعْمر الجُمَحي، والعاص بن وائل السَّهْمي، والأسود بن عبد يَغُوث، وغيرهم.
ومن المفسرين مَن قال: إنها لم تنزل في أحد بعينه.
والملاحظ أن القرآن لا يذكر أسماء الذين نزلت فيهم الآيات، وهذا فيه دروس وفوائد، منها:
1- أن المقصود الفعل، وليس الشخص؛ فالأشخاص يذهبون ويُنْسَوْنَ، لكن العبرة بالأفعال الطيبة التي يُراد من الناس أن ينتهجوها، والأفعال السيئة التي يُراد أن يجتنبوها.
2- في الإبهام فسح مجال للتوبة، بخلاف ما لو ذُكر اسمه مذمومًا في آية تُتلى، فربما عزَّ عليه الرجوع، وقد تأخذه العزة بالإثم.
ومن هؤلاء الذين قيل إن السورة نزلت فيهم: جَـمِيل بن مَعْمر، وقد أسلم وحسن إسلامه، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حُنين.
وفي المثل: «للعدو الهارب ابنِ جسرًا». والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبني لهم جسورًا، وقد علَّمه ربُّه هذا، والشرع لا يأمر بتعيير الناس بأخطائهم ولا تيئيسهم من التوبة، والمؤمن المشفق على العصاة حريص على أن ينهضوا من عثرتهم، وعلى أن يستقيموا، ولذا فهو يجتهد في هدايتهم، لا يضع شروطًا تعجيزية أمام توبة التائبين، ولا يطلب من التائب أن يقوم على الملأ ويعدِّد أخطاءه السابقة، ويعلن الرجوع عنها، وفي هذا إطاحة بإنسانيته وتعويق له، وقد لا يجد شجاعة ليخطِّئ نفسه، وربما لا يرى ذلك من المصلحة، أو كان تدرَّج في طريق الهداية شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى ما وصل إليه.
ومن علامات التوفيق للداعية أن يفرح بما يراه من الناس من بوادر الخير، وكل خطوة يتقدَّم بها هؤلاء إلى الصراط المستقيم يبش لها ويتفاءل ويفرح، ولعل الخطوة تمهِّد لما بعدها، وليس الدين ملكية لأشخاص، وإنما هو دين الله، والناس فيه سواسية، لا فضل بينهم إلا بالتقوى.
3- أن في ذكرهم بأسمائهم تعييرًا لذريتهم من بعدهم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن أبي جهل: «لا تسبُّوا الأمواتَ؛ فتؤذوا الأحياءَ».
وقد يكون في هؤلاء المؤمن والتقي والصالح والعالم، فيكون في ذكر اسم أبيه مذمومًا في القرآن تعييرٌ له وسبٌّ وإيذاء، وهذا أمر مشاهد؛ فالإنسان لا يستطيع أن يتخلَّى عن قراباته، وقد ورد في السيرة أن عبدَ الله بنَ عبد الله بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلُولَ لما بلغه في غزوة الُمرَيْسِيع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يقتل أباه، قال: يا رسولَ الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبَيٍّ فيما بلغك عنه، فإن كنتَ لا بد فاعلًا، فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبَيٍّ يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر، وأدخل النارَ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بل نترفَّقُ بهِ ونحسِنُ صحبَتَهُ ما بَقِي معنَا».
ففي عدم ذكر أسماء مَن نزلت فيهم الآيات حفاظ على مشاعر أقاربهم وأسرهم ومَن له بهم علاقة.
وعند عامة الأصوليين: «العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب»، والمدار على هذه الأوصاف المرذولة والتحذير منها ووعيد أهلها.


سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي: 
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022