من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان:
سورة الفيل
الحلقة 154
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
ذو القعدة 1442 هــ / يونيو 2021
وقد ذُكرت قصة الفيل في القرآن مرة واحدة، وفي القصة فوائد عظيمة، منها:
إقامة الحجة على العرب، متقدِّميهم ومتأخِّريهم؛ وحماية النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيت قلوب المؤمنين.
وذُكرت حادثة الفيل في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم في الحُدَيْبِيَة، لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، حتى إذا كان بالثَّنِيَّة التي يُهبطُ عليهم منها بَرَكَتْ به راحلتُه، فقال الناسُ: خَلَأَتِ القَصْواءُ، خَلَأَتِ القَصْواءُ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما خَلَأَتِ القَصْواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبسَها حابِسُ الفِيل».
وتأمَّل هنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عبَّر عن حبس الفيل، وليس عن الكعبة فقط، فالله حمى الكعبة وحمى مكة المكرمة.
وفي هذا يظهر تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم للكعبة ولمكة، حتى وهو يقدمها لحج بيت الله الحرام وللعمرة، ومعه المؤمنون، ومع ذلك لما خَلَأَت تراجع وقال: «والذي نفسي بيده، لا يسألوني خُطَّةً يعظِّمونَ فيها حُرمات الله، إلا أعطيتُهم إيَّاها».
وانظر إلى هذا الموقف النبوي، وإلى مواقف بعض المسلمين عبر التاريخ الذين انتهكوا حرمة البيت، فالباطنية القرامطة الملحدون انتهكوا حرمة البيت، وقتلوا الحُجَّاج، وألقوهم في بئر زمزم، وأخذوا الحجر الأسود، وهربوا به إلى مقر مملكتهم وحكومتهم في الأَحْساء، ومكث عندهم اثنتين وعشرين سنة!!
وأعجب من هذا، الحادثة الشهيرة التي انتهك فيها حرمة البيت الحرام عام (1400هـ).
إن المؤمن بحاجة إلى مراقبة النفس بشكل دائم، وأَلَّا يسمح لنفسه أن تصول وتندفع؛ تأسِّيًا بموقف النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف جاء بأصحابه ورُدَّ عن البيت، ولم يعط لنفسه أي تأويل، ولما عرضوا عليه الصلح- مع ما فيه من مذلة في ظاهر الأمر- قبله النبي صلى الله عليه وسلم وأمضاه، هذا موقف.
والموقف الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة خطب الناس، وقال: «إن الله حبسَ عن مكَّةَ الفيلَ، وسلَّطَ عليها رسولَه والمؤمنين، وإنها لم تحِلَّ لأحدٍ كان قبلي، وإنها أُحلَّت لي ساعةً من نهارٍ، وإنها لن تحلَّ لأحدٍ بعدي، فلا يُنفَّر صيدُها، ولا يُختلَى شوكُها، ولا تَحِلُّ ساقطتُها إلا لمُنشدٍ».
وحادثة الفيل وقعت في العام الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع المؤرِّخين وعلماء السير، كما ذكره خليفة بن خَيَّاط، وأبو الخطاب بن دِحية، وذكره ابن كثير وابن القيم وابن حجر وغيرهم، ونقل غير واحد الإجماع عليه، سواءً من المفسرين أو من أهل السيرة.
ولكن كانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بعد حادثة الفيل بخمسين يومًا، وحادثة الفيل كانت في شهر الله المحرم، وهو يوافق شهر شباط أو فبراير من الشهور الأعجمية، وذلك سنة (570) من ميلاد المسيح عليه السلام، وبعد ذلك اليوم بخمسين يومًا وُلِد النبي صلى الله عليه وسلم.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/books/7