الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان: 

سورة الهمزة

الحلقة 152

بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

شوال 1442 هــ / يونيو 2021

* {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَة }:
فنسبها تعالى إليه، فهي ليست نار شيخ من شيوخ العرب، أو نار قبيلة من قبائلهم توقدها تفاخرًا أو تعاظمًا أو تهديدًا، وهي ليست كنار الدنيا التي تُوقَدُ ثم مآلها إلى أن تخبو وتنطفئ، وهذا الوقد وصف يصح أن يطلق عليها مطلقًا، فكل وقت هي موقدة؛ فالنار كانت موقدة، وهي الآن موقدة، وهي يوم القيامة موقدة.
 * {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَة }:
{ﮃ}: القلوب، والمقصود أن النار تصل إلى قلوبهم، فهذا القلب الرَّقيق الذي يتألم لأي شيء؛ تصل بحرِّها وسمومها إليه، فتؤلمه أشد الإيلام؛ وذلك لأن القلوب هي محل الكفر، ومحل الكبر، ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبْر». قال رجلٌ: إن الرجلَ يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ؛ الكبرُ بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس». 
ومن ذلك الهمز واللَّمز، وازدراء الناس، وبَطْر الحق.
 * {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَة }:
أي: مغلقة، كما قال تعالى: {وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } [الكهف: 18]، والوَصِيد هو: الباب، والنار لها سبعة أبواب، كما قال الله: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُوم } [الحجر: 44]، كما أن الجنة لها أبواب ثمانية، كما في الحديث: «أدخله اللهُ من أيِّ أبواب الجنة الثمانية شاءَ».
وقرأ عاصم وجماعة: {مُّؤْصَدَة } بالهمز، والجمهور يقرؤونها بالواو، والمعنى واحد.
وهذا دليل على أنهم يدخلون النار، كما ورد في مواضع كثيرة في القرآن، ويخرج الله منها مَن شاء، كما في حديث الـجَهَنَّميين وغيرهم، ممن يأذن الله تعالى في خروجهم منها من أهل الإسلام، ولكن بالنسبة للكافرين الذين هم أهل النار، فإن وجود الأبواب يزيد في تعذيبهم؛ لأنه كلما رأى الباب همَّ بالخروج وتمنَّاه وتطلَّع إليه، وكان حاله حال السَّجِين الذي كلما سمع قعقعة الباب عاودته الآمال، وظن هذا إيذانًا بفرجه، فهم في نار جهنم ينظرون إلى الأبواب، ويتطلعون إلى خروجهم منها، ولكن هيهات!
 * {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَة }:
قراءة الجمهور بفتحتين {عَمَدٍ }، وقرأ حمزة والكِسائي: {عُمُدٍ} بضم العين والميم. وكلاهما جمع، وقد يكون جمعًا لعمود.
و{مُّمَدَّدَة } صفة لـ{عَمَدٍ }، وليست صفة لـ{الْحُطَمَة }، خلافًا لما يظنه بعضهم من أن النار ممدَّدة في أعمدة، وقد تكون هذه العمد من نار، وقد تكون مما شاء الله تعالى، وهذا غيب لا يستطيع أحد أن يتكلم فيه، والكلام فيه رجم بالغيب، وإن ذكره بعض المفسرين.
هذه العمد الطويلة قد تكون عمدًا في النار يوثقون بها كما يوثق السِّجين في الغُلِّ، ويقيدون بها، وقد تكون عمدًا ممددة على الأبواب مبالغة في إحكامها، وعدم خروجهم منها.


سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي: 
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022