من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان:
سورة القارعة
الحلقة 137
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
16 رمضان 1442 هــ/28 أبريل 2021
* تسمية السورة:
لا يُعرف لها اسم إلا: «سورة القارعة»، وهذا ما ورد في المصاحف، وكتب التفسير، وغيرها، ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، أو الأئمة تسميتها بغير هذا الاسم.
* عدد آياتها: إحدى عشرة آية في المصحف الكوفي، وعشر آيات في مصحف مكة والمدينة، وثمان في مصحف البصرة والشام؛ وذلك بحسب تقسيم الوقفات، فـ{الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} بعضهم يعدها آيتين، وبعضهم يعدها آية واحدة... وهكذا.
* وهي مكية بإجماع العلماء، وممن حكى ذلك: ابن عطية، وابن الجوزي، والقرطبي، وغيرهم.
* وقد ورد في فضلها حديث ضعيف، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل على أبي بكر وعمر، فرَأَوْا في وجهه ولحيته الشَّيْبَ، فحزنوا وقالوا: شِبْتَ يا رسولَ الله! فقال صلى الله عليه وسلم: «شيَّبتْني هودٌ وأخواتُها، وآلُ حامِيم، والمرسلاتُ، و{الْقَارِعَة}».
وفي الحديث اضطراب، وفي معظم رواياته لم يرد ذكر «القارعة».
* {الْقَارِعَة}:
{الْقَارِعَة }: مأخوذة من القَرْع، وهو: الطَّرْق أو الضرب بشدة.
وسُمِّيت: {الْقَارِعَة}؛ لأنها تقرع الآذان بجلجلتها وزلزلتها، وتقرع القلوب بمخاوفها ووجلها وتساؤلاتها؛ وتقرع العقول بغرائبها، حتى تدع الحليم حيرانًا.
«القارعة» هي: الحادثة العظيمة الجليلة، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} [الرعد: 31]، والمقصود: ما يصيبهم في الدنيا من نكبة أو عذاب.
وجمهور المفسرين على أن {الْقَارِعَة} هي: القيامة، فتكون اسمًا من أسمائها.
ويرى بعضهم أن «القارعة» هي: النفخة الأولى.
وذهب آخرون إلى أنها: النار، والأرجح أن {الْقَارِعَة} هي: القيامة، ولها أسماء أخرى، مثل:
- «الحاقَّة»، كما في قول الله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1- 3].
- «الطَّامَّة»، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [النازعات: 34].
- «الصَّاخَّة»، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّة} [عبس: 33].
- «التغابن»، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } [التغابن: 9].
- «يوم الدين»، كما في قوله تعالى: {مَـالِكِ يَوْمِ الدِّين} [الفاتحة: 4].
- «الغاشية»، كما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} [الغاشية: 1].
- «السَّاعة»، كما في قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } [محمد: 18].
- «يوم التَّناد»، كما في قوله تعالى: {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَاد} [غافر: 32].
- «الجاثية»، كما في قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } [الجاثية: 28].
- «الواقعة»، كما في قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة} [الواقعة: 1].
- «الزَّلْزَلة»، كما في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].
* ولما ذكر {الْقَارِعَة} قال: {مَا الْقَارِعَة}، ويكثر في القرآن استخدام أسلوب الاستفهام؛ لأن كثيرًا من الحقائق والمعاني الكبيرة تمر على الناس دون أن يتفطَّنوا لها، والأسئلة في القرآن على نوعين:
الأول: أن يرد ذكر السؤال ومعه الجواب، ويكون المقصود لفت النظر للجواب.
والثاني: أن يرد ذكر السؤال وليس معه جواب، وحينئذ يكون المقصود إعمال الذهن وتحريك الفكر بحثًا عن الجواب.
فهنا ليس المقصود السؤال عن اللفظ اللُّغوي؛ لأن كل واحد يعرف أن القارعة هي الشيء الذي يقرع، بل السؤال عما جاء في السورة نفسها، فهو استفهام تعظيم وتهويل لا ينتظر له جواب.
* ثم كرر السؤال بصيغة أخرى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَة}:
قال سُفيان بن عُيينة رحمه الله: «كلُّ شيء في القرآن: {وَمَا أَدْرَاكَ} فقد أخبره به، وكلُّ شيء: {وَمَا يُدْرِيكَ} فلم يخبره به».
وقد تقدَّم الكلام حول هذا الحصر.
والمعنى: ما أعلمك؟ يشير إلى أن {الْقَارِعَة} فوق مستوى إدراك الإنسان وعقله وفهمه، فالبشر لا يستطيعون أن يستقلوا بمعرفتها، ولا أن يتصوروها، وأن المصدر الذي يمكن أن يعلِّمهم بها هو القرآن، والله تعالى وحده الذي يعلم حقيقتها ويطلع عباده منها على ما يشاء، ولهذا خوَّفنا الله تعالى من النار ورغَّبنا في الجنة، ومع ذلك أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن في الجنة: «ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذنٌ سَمِعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشَرٍ».
لو حرَّكت خيالك للتعرف على نعيم الجنة ما استطعت، ولو حرَّكت خيالك للتعرف على عذاب النار ما استطعت؛ فالعقل محدود الإدراك، ولا يعرف الكثير عن الماضي أو المستقبل، ولا عن الأشياء التي لم يسبق له أن رآها أو رأى نظائرها، وهو ينفع في مجاله وميدانه، ويتوقف حين يوضع أمام قضايا غيبية لا يعرف نواميسها.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/books/7