الإثنين

1446-12-20

|

2025-6-16

من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان: 

سورة التكاثر

الحلقة 139

بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

شوال 1442 هــ/مايو 2021
 
* تسمية السورة:
اسمها المشهور: «سورة {التَّكَاثُر}»، وهذا المُثْبت في معظم المصاحف، وكتب التفسير، والحديث.
وتسمَّى: «سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر}». أو «سورة {أَلْهَاكُمُ}»، وهذا ذكره البخاري في «صحيحه» في كتاب التفسير، وساق فيه حديثًا سيأتي قريبًا.
وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يسمونها: «سورة المَقْبَرة».
 * عدد آياتها: ثمان آيات بلا خلاف.
 * وهي مكية، على قول جمهور المفسرين، وحكى ابن عطية الإجماع على ذلك، والصحيح أن في ذلك خلافًا، وإنما هو قول الجمهور.
والقول الآخر: أنها مدنية، وقد يعزِّز هذا ما في «الصحيحين» من حديث أنس رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن لابن آدمَ واديًا من ذهبٍ، أَحبَّ أن يكونَ له واديان، ولن يملأَ فاهُ إلَّا الترابُ».
وقال البخاري: «وقال لنا أبو الوليد- أي: الطيالسي-: حدَّثنا حماد بنُ سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أُبَيٍّ قال: كنا نَرَى هذا من القرآن، حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر}».
وهذا يدل بظاهره على أن السورة مدنية؛ لأن أبي بن كعب وأنس بن مالك رضي الله عنهما من الأنصار.
لكن في الاستدلال بالحديث نظر؛ لأمور:
1- سنده ليس على شرط الصحيح؛ لأن البخاري لم يقل: «حدَّثنا أبو الوليد». بل قال: «وقال لنا أبو الوليد». وفي الغالب أنه لا يقول هذا إلا لشيء في الإسناد.
2- أن قول أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه: «كنا نرى»، لا يلزم أنه يتكلم عن نفسه، بل يحتمل أنه يتكلم عن جماعة الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا الاحتمال فلا يكون الكلام خاصًّا بأُبَيٍّ، وإنما بالمسلمين، ولا يلزم أن يكون بالمدينة.
3- قوله: «كنا نرى هذا من القرآن». الغالب أن المقصود أنهم كانوا يظنونه من القرآن، والذي يغلب على ظني- والله أعلم-: أنه لا يعني أنهم كانوا يحسبونه من المصحف؛ لأن بلاغة القرآن وتميزه عن سائر الكلام لا يخفى، وحديث: «لو أن لابن آدمَ واديًا من ذهب، أحبَّ أن يكون له واديان» ليس له إعجاز الأسلوب القرآني، وإن كان كلامًا فصيحًا، فلعلهم كانوا يظنونه من الأحاديث القدسية؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ربما يقول لهم في أوله أحيانًا: «قال الله تعالى». والحديث القدسي يشترك مع القرآن الكريم في كونه منسوبًا إلى الله تعالى، لكن القرآن مُعْجِز متعبَّد بتلاوته متحدًّى به، بخلاف الحديث القدسي، مثل قول الله تعالى: «إني حَرمتُ الظلمَ على نفسِي، وجعلتُه بينَكُم محرَّمًا، فلا تَظَالموا». ومثل قوله تعالى: «إنَّا أنزلنا المالَ لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة». فهذه أحاديث قدسية ألهمها أو ألقاها جبريل عليه السلام إليه، لكن ليس في لفظها إعجاز ولا تحدٍّ.
وقد يكون حصل ذلك لبعض المؤمنين في أول عهدهم بالإسلام قبل أن يتمكَّنوا من إدراك جوانب البلاغة والعظمة في القرآن الكريم، فوقع عندهم شيء من عدم التمييز بينه وبين سائر الكلام.
كما استدل القائلون بأنها مدنية بما ورد أنها نزلت في مفاخرةٍ بين بعض قبائل المدينة أو اليهود، فهذه القبيلة فاخرت تلك القبيلة، وقالوا: نحن أكثر منكم، ومنا السادة، ومنا، ومنا، ومنا... فلما انتهوا من الأحياء، قالت إحدى القبائل: هلم نذهب إلى القبور حتى نتفاخر بالأموات؛ فسيدنا فلان الذي مات منذ كذا وكذا، فصاروا يتفاخرون بهم، فذهبوا إلى المقابر يتفاخرون بالموتى.
ولو صح هذا الوجه في سبب النزول لكان دليلًا على أن السورة مدنية.
لكن ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أن قبائل من العرب من بني عبد مناف وبني سَهْم وغيرهما من القبائل المكية، تفاخروا حتى وصلوا إلى القبور فتفاخروا بها.
والأقرب أن السورة خطاب مَكِّيٌّ؛ لأنه وعيد للكافرين الذين لا يؤمنون بالآخرة، والذين لَهَوْا بأموالهم وبأولادهم، مثل قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد} [المدثر: 11- 16].
في حين أن خطاب الله تعالى للمؤمنين في الغالب خطاب عطف ولُطف وحماية، وتناسب بين الخوف والرجاء، وغالبًا يُذكر الوعد والوعيد، ولم يكن المسلمون في مطلع العهد المدني أهل مال وثراء وجاه، ومَن كان كذلك لم يكن هذا يلهيه عن آخرته.
فالراجح أن السورة نزلت بمكة قبل الهجرة.


سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي: 
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022