(جمعية العلماء المسلمين تتولى مهمة الاتصالات بين قادة الثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 261
بقلم: د. علي محمد الصلابي
شعبان 1443 ه/ مارس 2022م
قامت الخلية بمهمة تجديد وإحياء قنوات الاتصال المنقطعة بين مسؤولي الجبهة في العاصمة وقادة الثورة في المناطق بالداخل وفي الخارج عبر تونس، وذلك في ظروف صعبة تميزت بازدياد حجم الضغط العسكري الفرنسي، واستشهاد أو اعتقال بعض قادة المناطق، فكان على عبان أن يتواصل مع القيادة التي خلفت ابن بولعيد في الأوراس وديدوش في الشمال القسنطيني، وأن يربط الاتصال بتونس، واهتدى إلى شبكة الدعم بمعهد ابن باديس، حيث تكفل الشيخ التبسي وإبراهيم مزهودي بأداء المهمة وتجنيد أساتذة المعهد وطلابه لإنجاحها.
وبذلك أعادت الخلية ربط الاتصالات المقطوعة ومدّ قنوات جديدة، وأسهمت في ربط الاتصالات وبعث الحيوية المطلوبة لتواصل قيادات الثورة، فبخصوص منطقة الأوراس كلفت الخلية الشيخ الطاهر حراث الاستاذ بالمعهد محاولة ربط الاتصال في منطقة تبسة بواسطة الأستاذين العيد مطروح ومحمد الشبوكي. وكلفت الخلية تلميذي المعهد عالية بلقاسم والهاشمي حمادي إيجاد اتصال مع قيادة الأوراس عن طريق خنشلة. وكلفت أستاذي المعهد أحمد السرحاني وإبراهيم مازوزي، والشيخ محمود الواعي الذي كان يتردد على قسنطينة، ومدير مدرسة عين التوتة محمد درنوني بالسعي لربط الاتصال بقيادة الثورة في باتنة، وبواسطة هذه القنوات استطاع قادة الثورة في العاصمة من الاطلاع على أوضاع منطقة الأوراس التي كانت متردية عقب استشهاد ابن بولعيد وتصدوا لمعالجة مشاكلها وأزمتها الحادة.(1)
وبخصوص ربط الاتصال بقيادة الخارج عبر تونس، فقد كانت المهمة دقيقة وحيوية، وخاصة في ظل عسر الاتصالات وأهمية تونس كقاعدة دعم استراتيجية.
وكانت المهمة الأساسية حسب توجيهات عبان تتمثل في تبليغ أو تلقي بعض الرسائل المكتوبة أو الشفهية بواسطة المسافرين خصوصاً. وتؤكد شهادة مصطفى بوغابة أن جوهر المهمة كان ينحصر في أمرين: طلب تزويد الثورة بما تحتاجه من سلاح وعتاد، وإبلاغ قيادة الخارج دعوة المشاركة في مؤتمر الصومام، وقد أخذ الأمر الثاني المشار إليه طابع السرية التامة، حيث يذكر بوغابة أن: اخر مبعوث لنا في هذه المهمة إلى تونس في ربيع سنة 1956م أثناء التحضير لمؤتمر الصومام ـ الأخ الشاب عبد الحميد الإبراهيمي حفظه الله.(2)
وسجل هذا الأخير فعلاً في شهادة حديثه أنه كُلف بمهمة إلى تونس في هذا الوقت من قبل مصطفى بوغابة، حيث قال: كنت مسؤولاً عن الطلبة الداخلين في المدرسة الفرنسية للمسلمين بقسنطينة، وفي عام 1955م التحقت عن عمر يناهز 19 عاماً بجبهة التحرير الوطني في ظل قيادة الأخ مصطفى بوغابة الذي لا يزال حياً، وفي عام 1956م انضممت إلى الولاية الثانية لجيش التحرير الوطني.(3)
لقد أدى معهد ابن باديس واجبه الوطني على أكمل وجه وجند أستاذته وطلابه في خدمة الثورة، وفي هذا الشأن يقول بوغابة: ولقد واصل المعهد بأساتذته وطلابه المتواجدين بالمعهد ودار الطلبة ـ أثناء الدراسة ـ والموزعين على مدنهم ومداشرهم وقراهم أثناء مواسم الراحة الصيفية والأعياد الدينية والعطل الأسبوعية، لقد واصل هؤلاء جميعاً مهمتهم في خدمة الثورة بكل الإمكانيات والوسائل عبر مختلف أماكن تواجدهم، إلى أن ألقي القبض على مدير المعهد بالنيابة وعضو الخلية الأم الشيخ أحمد حماني بتاريخ 11 أوت 1957م.
وإثر إغلاق المعهد بسبب الحادثة السابقة، وما تبعه من مضايقة نشاط المدارس الحرة في مختلف الجهات ؛ كان مصير المعلمين والطلاب الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني أو التجنيد في خدمة الثورة.
ولقد انخرط أساتذة وإطارات المعهد في خدمة ثورة التحرير الكبرى، وذلك منذ الأشهر الأولى لاندلاعها، حيث أسهموا بكل إخلاص وتفان في توفير ما تحتاجه الثورة من دعم وإسناد، وانخرطوا في خلية المعهد التي أنشئت عام 1955م بأمر من الشيخ التبسي والتحقوا بصفوف جيش التحرير.(4)
وقد تحدث الدكتور عبد الله مقلاتي عن إسهام شيوخ معهد عبد الحميد بن باديس في كتابه «إسهام شيوخ معهد عبد الحميد بن باديس وطلابه في الثورة التحريرية» فأفاد وأجاد وذكر قائمة من الشهداء وترجم لهم، منهم:
ـ الشيخ العربي التبسي.
ـ وحوحو أحمد رضا.
ـ وجعفر محمد العدوي.
ـ وبوشمال أحمد.
ـ محمد الزاهي.
ـ وبوشاشية بلقاسم.
ـ محمد الطاهر مزيان.
ـ إبراهيم مازوزي.(5)
وذكر الأساتذة المجاهدين والمناضلين وترجم لهم شيئاً من حياتهم:
ـ الشيخ محمد خير الدين.
ـ مزهودي إبراهيم.
ـ بوغابة مصطفى.
ـ أحمد حماني.
ـ العباسي ابن الشيخ الحسين.
ـ محمد الميلي براهيني.
ـ الطاهر سعدي «حرات».
ـ عبد الرحمن شيبان.
ـ نعيم النعيمي.
ـ الصادق مخلوف، ومحمد كحلوش، وعبد المجيد حيرش، وعلي مرحوم، وأحمد حسين، ومحمد الحفناوي، وعبد الرحمن بلغمراني، وعمر جفري، والسعيد الزموشي، وعبد اللطيف السلطاني، ورمضان محمد الصالح، وعبد القادر الباجوري، وأحمد السرحاني، والمولود النجار.(6)
وارتبط طلبة جمعية العلماء وخصوصاً معهد ابن باديس بالثورة التحريرية في ظروف خاصة، وذلك قبل اندلاعها وفي مرحلتها الأولى 1954م ـ 1957م، حيث كانوا بفعل تكوينهم العربي والديني، ووطنيتهم وحماستهم الجهادية المرشحين الأوائل للالتحاق بصفوف الثورة.(7)
إن طلاب جمعية العلماء ومدارسها ومعاهدها انخرط الكثير منهم في صفوف الثورة وقاموا بأعمال مختلفة، وإنهم كانوا أوفياء لرسالة جمعية العلماء، فقدموا خدمات هامة للثورة في الميدان السياسي والعسكري والدعوي والتعبوي ساهم في تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي.
إن معهد ابن باديس نجح في أداء دوره العلمي والحضاري والسياسي، حيث كون أساتذته نخبة من الطلاب عربية اللسان إسلامية التوجه وطنية المشاعر، وكانت سباقة للتضحية من أجل تجسيد ثوابت الشخصية الوطنية والتحرر الوطني.
إن معهد ابن باديس يعتبر مقياساً لدرجة النضج الذي وصل إليه الجزائريون، في إطار الثقافة العربية الإسلامية، مقابل الثقافة الفرنسية الدخيلة التي عمرت طويلاً، وإن هذه المؤسسة التعليمية تعتبر خطوة هامة لإعادة بناء الشخصية الوطنية الجزائرية.
لقد عمّر معهد ابن باديس نحو عشر سنوات، خرّج خلالها الاف الطلاب من مختلف مناطق الوطن، بعضهم انخرطوا في صفوف الثورة ولقوا الشهادة، وبعضهم الاخر واصلوا أداء الرسالة على أحسن وجه وأسهموا في بناء الدولة والمدرسة الجزائرية الحديثة.(
إن جهود شيوخ وأبناء معهد ابن باديس الذين ساهموا في الثورة ولعبوا دوراً أساسياً في المرحلة الأولى منها، حيث تكفلوا بربط الاتصالات بين قيادات الثورة، وجعلوا من المعهد ودار الطلبة مركزاً للثورة في مجال التوجيه والدعم وجمع الاشتراكات، وانخرط أساتذة وطلاب من المعهد في جيش وجبهة التحرير.
لقد كانت أفواج جموع طلاب معهد ابن باديس دعماً أساسياً للثورة وخاصة في مرحلتها الأولى، ففي ظروف مختلفة وعبر مراحل متعددة أسهم هؤلاء الطلاب بدور هام في صفوف جيش التحرير، أو في مهمات سياسية وإعلامية وإدارية لجبهة التحرير الوطني.(9)
وقد نقل الدكتور عبد الله مقلاتي في كتابه عن إسهام شيوخ معهد عبد الحميد ابن باديس وطلابه في الثورة التحريرية كل من:مصطفى بوغابة مكتوبة بخط يده بعنوان مدى مساهمة معهد ابن باديس في الثورة 1954م ـ 1962م، وتكلم فيها عن الشبكة السرية المحكمة من الخلايا والمناضلين، التي عمل على وضع دعائمها الاستاذ إبراهيم مزهودي ورفاقه في الخلية الأم، والتي اتخذت من معهد ابن باديس ودار الطلبة مقرها الرئيسي أثناء وجوده على رأسها، أو بعد التحاقه بقيادة الولاية الثانية الشمال القسنطيني واستخلافه بزميله مصطفى بوغابة، بهذه الشبكة استطاع أساتذة المعهد وطلابه أن يكونوا في طليعة من لبوا نداء الواجب الوطني، بتجاوبهم مع الثورة تلقائياً واحتضانهم لها ومناصرتها بدون تحفظ أو تردد، وفيها تفاصيل كثيرة تدحض الافتراءات والأكاذيب التي حاولت تشويهها وإنكار دور جمعية العلماء وطلابها وشيوخها في الثورة.
وجاء في شهادة محمد كشود: .. فمن باب الوفاء والنزاهة فإن طلبة معهد عبد الحميد بن باديس ولا أقول جميعهم، فمعظمهم كان قد التحق بالثورة التحريرية في بدايتها ثم على مختلف مراحلها بطبيعة الحال، وكان ذلك حسب ظروف وإمكانيات كل طالب.
لقد ساهم بعض من طلاب معهد ابن باديس في انطلاقة نوفمبر 1954م، وأذكر ذلك كأمثلة لا على سبيل الحصر اسم شخصين أحدهما مازال على قيد الحياة أطال الله في عمره، وهو المجاهد قتال الوردي من الولاية الأولى التاريخية، وثانيهما رحمه الله المجاهد محمد رويبح المدعو «بالمرخي» من الولاية الثانية، كما أن المدارس التابعة للفرنسيين أو المدارس الحرة وعلى رأسها مدارس جمعية العلماء المسلمين، ومعهد ابن باديس على الخصوص ؛ قد مدت الثورة بشباب يافع من ذكور وإناث، وذلك من أجل تأطير الثورة في مختلف مهامها في الداخل والخارج، فبالنسبة للبنات مثلاً، لقد أصبحن يتولين مهام مختلفة ففيهن من أصبحن جنديات أو فدائيات أو مرشدات أو ممرضات أو تتكفلن بالاتصال والمواصلات أو عاملات تلازمن جيش التحرير الوطني إلى غير ذلك من احتياجات الثورة.
مراجع الحلقة الواحدة والستون بعد المائتين
)) عبد الله مقلاتي، إسهام شيوخ معهد عبد الحميد بن باديس ص 57.
2)) المصدر نفسه.
3)) المصدر نفسه ص 59.
4)) المصدر نفسه ص 63.
5)) المصدر نفسه ص 64 ـ 71.
6)) المصدر نفسه ص 72 ـ 91.
7)) المصدر نفسه ص 104 ـ 163.
8)) المصدر فسه ص 167.
9)) المصدر نفسه ص 168.
10)) المصدر نفسه ص 172.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: