(مساهمة هيئات سياسية عديدة في التجنيد الشامل للثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 266
بقلم: د.علي محمد الصلابي
شعبان 1443 ه/ مارس 2022م
1ـ قيادة جماعية للثوار:
تدعّمت هذه النواة الجديدة للثورة بعناصر موالية لعبان رمضان، أمثال يوسف بن خدة الذي تربطه علاقات وثيقة بعبان رمضان منذ لقائهما في ثانوية البليدة، وخاصة أن عبان رمضان كان عضواً باللجنة المركزية لحزب الشعب عند إلقاء القبض عليه سنة 1950م، وبتعبير اخر فإن المركزيين الذين رفضوا الانضمام إلى بوضياف، وبقية أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل والمشاركة في انطلاقة ثورة أول نوفمبر 1954م ؛ قد بدؤوا يتزعمون ثورة التحرير بعد تعيين عبان رمضان في جبهة التحرير في جانفي 1955م، أي يوم خروج بن يوسف بن خدة وأعضاء اللجنة المركزية لحزب الشعب من السجن، بعد أن تأكد وثبت للسلطات الفرنسية أنه لا ضلع لهم في إعلان الكفاح المسلح مثلما قال بن خدة نفسه.(1)
وحسب الوثائق الفرنسية، فقد تم إطلاق سراح بن خدة وزملائه بفضل مساعدة الرائد «فينسان مونتاي»، الذي اعتمد عليه الحاكم العام للجزائر جاك سوستيل، لكي يقيم علاقات وجسور تعاون بين الإدارة الفرنسية في الجزائر والوطنيين الجزائريين.
وبمرور الوقت استطاع عبان رمضان في شهر أفريل 1956م توسيع الجبهة ودعمها بقادة حزب البيان أمثال فرحات عباس وأحمد فرنسيس، وقادة جمعية العلماء أمثال إبراهيم مزهودي، أحمد توفيق المدني، والعربي التبسي.
وحسب تصوره فإن توسيع الجبهة يعتبر عنصراً هاماً لتوحيد جميع الجزائريين وتحقيق الانتصار على العدو، وبفضل الله ثم هذه النواة الجديدة استطاع عبان رمضان وجماعته تكثيف الاتصالات بين الولايات، والعمل وفق استراتيجية مشتركة لجميع الولايات، والدعوة لعقد مؤتمر وطني للثورة الجزائرية، وبعبارة أخرى فإن النواة الجديدة للثورة الجزائرية قد نجحت في خلق قيادة جماعية للثورة في داخل الجزائر.(2)
ظهرت براعة الثلاثي عبان رمضان، كريم بلقاسم، عمر أوعمران بوضوح في سبتمبر 1955م، حيث تقرر إرسال الدكتور الأمين دباغين إلى القاهرة بصفته رئيساً للوفد الخارجي لجبهة التحرير، مع أنه ليس أحد القادة الستة الذين أنشؤوا جبهة التحرير الوطني الجزائري في عام 1954م، وكان معنى ذلك التخلص من زعامة بن بلة وبوضياف وخيضر وايت أحمد، وإجبارهم على العمل في إطار القيادة الجماعية الجديدة التي يتزعمها كريم بلقاسم وعبان رمضان وعمر أوعمران. لكن مشكل عبان رمضان أن تأييد جمال عبد الناصر للثورة الجزائرية مرتبط بقيادة بن بلة، الذي تثق فيه القيادة المصرية وتعتبره أحد القادة الرئيسيين للثورة الجزائرية.
وامتد نفوذ كريم بلقاسم وعبان رمضان إلى فدرالية فرنسا، حيث تم تعيين صالح الونشي كمستشار سياسي لعبان رمضان ويتعاون معه في المجال السياسي. وبذلك تحولت فدرالية فرنسا إلى خلية ثورية تعمل بانسجام مع القيادة الجديدة لجبهة التحرير الوطني التي يتزعمها بلقاسم وعبان رمضان. ونفس الأسلوب استعمل
مع اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، واتحاد العمال الجزائريين، حيث انضمت قيادة هذه المنظمات المهنية والجماهيرية إلى جبهة التحرير الوطني الجزائري.(3)
2 ـ الاتحاد العام للعمال:
انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للعمال الجزائريين يوم 24 فبراير 1956م في مقر الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بالقرب من جامع كتشاوة بالعاصمة، وقد وضع القانون الأساسي لدى محافظة الجزائر، والهدف الرسمي المذكور في القانون الأساسي هو الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للعمال الجزائريين، لكن المقصود ضمنياً في المرحلة الحالية هو تجنيد العمال حول الثورة التحريرية.
وبعد بضعة أشهر من المؤتمر التأسيسي أي يوم 24 ماي 1956م، اعتُقل كل فريق الأمانة العامة، منهم الأمين العام إيدير عيسات الذي اغتيل في أثناء اعتقاله يوم 26 جويلية 1959م فمات شهيداً.
وفرضتْ الحرب على الاتحاد العام للعمال الجزائريين أن يواصل عمله من تونس، وذلك تحت قيادة مولود قايد ثم مبارك جيلاني.
وحظي مولود قايد بمساعدة الاتحاد العام للعمال المغاربة والاتحاد العام للعمال التونسيين، فحصل على انخراط الاتحاد العام للعمال الجزائريين في الكنفدرالية الدولية للنقابات الحرة، التي لها مقرّها في بروكسل «بلجيكا» تمّ ذلك يوم 7 جويلية 1956م.
والجدير بالذكر أن النقابيين الفرنسيين ذات النزعة الاشتراكية وذات النزعة الشيوعية عارضتا انضمام الاتحاد العام للعمال الجزائريين، كما عارضه الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين «ذو النزعة المصالية»، وظهرت فوائد الانخراط في الكنفدرالية بسرعة إذ أنها نادت ابتداء من سنة 1957م لحل مسألة الجزائر عن طريق المفاوضات، وعلى أساس الاعتراف بالأمة الجزائرية، وبحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، وساهم الاتحاد العام للعمال الجزائريين في إضراب 5 جويلية 1956م وإضراب أول نوفمبر 1956م، اللذين أيّدا كفاح جبهة التحرير الوطني، كما ساهم في إضراب الثمانية أيام 28 يناير 1957م إلى 4 فبراير 1957م.(4)
والمعلوم أن القوات الاستعمارية اعتقلت 5 أمانات عامة للاتحاد العام للعمال الجزائريين بين ماي 1956م وجويلية 1957م، وقد قادها على التوالي إيدير عيسات ثم محمد فليسي فرحمون دكار مرتين ومحمد شناف، نظراً لتتابع اعتقالات المسؤولين النقابيين، وتوقف النشاط النقابي للاتحاد العام للعمال الجزائريين بالجزائر في جوان 1957م.
وفي 12 أكتوبر 1958م جمع بن يوسف بن خدة بتونس إطارات الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لأنه كان وزيراً للشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة في هذا عُيّنت لجنة تنفيذية متكونة من 12 عضواً، وعيّن من بينهم 5 مناضلين لتشكيل الأمانة: عبد القادر معاشو شغل منصب منسق في هذه الأمانة، ثم خلفه علي يحيى عبد النور سنة 1961م.
فصدرت من جديد جريدة «العامل الجزائري» وبقيت حتى فبراير 1961م مدافعة عن الثورة التحريرية، وداعية إلى تجنّد العمال في صفوفها. في المجال الخارجي تدخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين بنجاح في الملتقيات الدولية، لشرح القضية الجزائرية وكشف جرائم القوات الاستعمارية الفرنسية، وقد ساهم الاتحاد في نجاح الاستفتاء من أجل تقرير المصير يوم 3 جويلية 1962م، فدعا العمال الجزائريين إلى بعث الاقتصاد الجزائري المتأثر بالاحتلال الاستعماري وبسبع سنين من حرب مدمرة.
والجدير بالتنبيه أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين كان له امتداد في فرنسا بواسطة الودادية العامة للعمال الجزائريين المحدثة يوم 16 فبراير 1957م، وهذه الودادية دافعت عن حقوق العمال الجزائريين وأيّدت الثورة الجزائرية، فلذلك حلّتها السلطات الاستعمارية في أوت 1958م، واعتقلت العديد من مسؤوليها.
بالرغم من هذا القمع واصلت الودادية عملها سرياً، وواصلت كفاحها الإعلامي، وربطت اتصالات ببعض النقابات الفرنسية والأوساط الدينية، من أجل إقناعها بتأييد مفاوضات الحكومة الفرنسية مع حكومة جبهة التحرير الوطني.(5)
النشيد الرسمي للاتحاد العام للشغالين الجزائريين نظم بسجن بربروس في 12 جويلية سنة 1956م بزنزانة رقم 69.
مراجع الحلقة السادسة والستون بعد المائتين:
)) عمار أبو حوش، التاريخ السياسي للجزائر ص 387.
(2) المصدر نفسه ص 387.
(3) المصدر نفسه ص 390.
(4) بوعلام حمودة، الثورة الجزائرية، ص 195.
(5) المصدر نفسه ص 195.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: