(دور الاتحاد العام للطلاب في الثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 267
بقلم: د. علي محمد الصلابي
شعبان 1443 ه/ مارس 2022م
لقد أولت جبهة التحرير الوطني الشباب المثقف عناية خاصة منذ بداية الثورة، وذلك بهدف استيعاب العديد من الطاقات الفكرية والعلمية بين صفوف الطلبة، للعمل معها في صفوف الجيش كمجندين، أو للاشتغال في ميادين أخرى كالدعاية والإعلام والتموين وتعليم الجنود والمناضلين، وغيرها من الميادين الحيوية التي تعتبر أساسية لدفع عجلة الثورة قدماً.
وكانت جبهة التحرير الوطني قد أولت القطاع الطلابي اهتماماً خاصاً واعتبرته سنداً قوياً للثورة، نظراً لما يتمتع به الطالب من إمكانيات سياسية وفكرية تدفعه للقيام بمهام ثورية ضد سيطرة الاحتلال الفرنسي. فدور الطالب في الحركة الثورية ـ كما أكده مؤتمر الصومام ـ يرتبط بوضوح بكل من الثورة وأهدافها النضالية بالتعبئة الجماهيرية، ومقاومة الاحتلال بالنضال الفكري والمسلح، بل إن مؤتمر الصومام قد حيا الشباب الجزائري الذي يمتاز بالنضج المبكر والذي ـ نظراً لعامل البؤس والشقاء والاضطهاد الفرنسي ـ ينتقل من طور الطفولة إلى طور الرجولة بسرعة، مختصراً مرحلة المراهقة إلى الحرية التي يصبو بسيره وراء منظمته الثورية بولع وشغف مع ازدراء للخوف واستهانة بالموت، كما أن مؤتمر الصومام قد رأى بأن الشباب يمثل الجانب الأعظم من قوة جبهة التحرير الوطني وركناً جميعاً من أركان مقاومتها الجبارة.
ولم يخيب الطلبة الجزائريون أمل جبهة التحرير الوطني، فبمجرد أن اندلعت الثورة المسلحة في أول نوفمبر 1954م لم يتردد الطلبة في الالتحاق بها، وكانت في بداية الثورة الجمعيات الطلابية هي الإطار الوحيد الذي انصبت فيه الحياة الطلابية اجتماعياً وسياسياً.(1)
أ ـ المؤتمر التأسيسي:
وبوحي من جبهة التحرير الوطني، عقد اجتماع تحضيري في باريس بين الرابع والسابع من شهر أفريل 1955م للنظر في كيفية إنشاء منظمة طلابية جزائرية، وقد ضم هذا الاجتماع ممثلين جزائريين عن كل الجامعات في فرنسا.
وفي جويلية 1955م عقد الطلبة مؤتمرهم التأسيسي في باريس، وقد ضم هذا المؤتمر الطلبة الجامعيين من مختلف دول العالم، وكذلك تلاميذ المدارس الثانوية، وكان المؤتمر يهدف إلى تحديد موقف هذه الفئة من الشعب من الكفاح المسلح الذي تخوضه جبهة التحرير الوطني ضد الاحتلال الفرنسي، وكذلك وضع برنامج عمل يحدد طرق ووسائل النضال التي ينبغي استعمالها في هذا الكفاح.
وانتهى المجتمعون بالإعلان عن تأسيس منظمتهم، التي أطلقوا عليها اسم الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين « U.G.E.M.A »، وذلك بالرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها الطلبة الشيوعيون، حيث رفضوا أن يشمل الاسم كلمة مسلمين،(2) ولعل الشيء الذي يكون قد أقلقهم كثيراً إدراج كلمة مسلمين في تسمية الاتحاد، وليس تأسيس الاتحاد في حد ذاته. غير أن المنظمة الطلابية الجزائرية الجديدة أصرت على إدخال كلمة «مسلمين» في تسميتها، وذلك بهدف التمييز بينها وبين المنظمات الطلابية الأخرى التي كانت تنشط في الجزائر وفرنسا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا النعت مسلمين يحمل أكثر من معنى بالنسبة لها: فهو يرمز إلى انتماء الطلبة الجزائريين إلى الحضارة العربية الإسلامية التي يستمدون منها مبادأئ فلسفتهم وثقافتهم وسياستهم.
وهكذا فقد أعلن الطلبة في مؤتمرهم التأسيسي هذا أنهم مجندون وراء جبهة التحرير الوطني، وأنهم مستعدون للتضحية بكل ما لديهم من أجل تحقيق الاستقلال، والتحق الكثير منهم بالثورة عاملين على الخصوص في الميدان الصحي والإداري، كما قام الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين على الصعيد الدولي بحملة إعلامية واسعة النطاق، للتعريف بالقضية الجزائرية لدى مختلف التجمعات الطلابية وحركات الشباب في أنحاء العالم ولدى المنظمات الدولية، وبعد تسعة أشهر من إنشاء الاتحاد العام للطبة المسلمين الجزائريين، عقد الطلبة الجزائريون مؤتمرهم الثاني خلال شهر مارس من عام 1956م في مدينة باريس، أعلنوا فيه: أن كفاح الشعب الجزائري هو كفاح عادل وشرعي ويساير تيار تاريخ الثورة.(3)
ب ـ نتائج المؤتمر الطلابي وإضرابهم عن الدراسة:
كان الطلبة خلال المؤتمر قد اتخذوا موقفاً ثورياً حازماً وواضحاً تجاه الثورة التحريرية الجزائرية وكفاح الشعب الجزائري، وطالبوا باستقلال الجزائر ودعوا الحكومة الفرنسية إلى التفاوض مع جبهة التحرير الوطني، بالرغم من معارضتها لذلك.(4)
لكن إعلان الاتحاد لنتائج المؤتمر التي تضمنت الدعوة الصريحة إلى استقلال الجزائر، قد دفعت بالسلطات الفرنسية إلى شن حملة اعتقالات واسعة النطاق في صفوف الطلبة المناضلين المنتمين إلى الاتحاد ومنع كل نشاطاتهم.
غير أن ذلك لم يزد الطلبة إلا صموداً وتصدياً لقرارات السلطات الفرنسية الجائرة، بل إن تلك القرارات قد دفعتهم إلى التفكير في اتخاذ إجراء اخر أكثر جرأة وتحدياً بالنسبة للكفاح المسلح، إنهم رأوا وتأكدوا أن مكانهم ليس في مقاعد الثانويات والجامعات الفرنسية ومدرجاتها، ولكن في الجبال إلى جانب جنود ومناضلي جيش وجبهة التحرير الوطني.
وهكذا وجدت المنظمة الطلابية ـ المتمثلة في اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين ـ نفسها أمام الأمر الواقع، فقررت بالاتفاق مع جبهة التحرير الوطني وثانوياتها وفي الجامعات الفرنسية أيضاً إعلان الإضراب عن الدروس والامتحانات بتاريخ 19 ماي 1956م، وفي نفس الوقت وجهت نداء للطلبة تحذرهم فيه من خطورة الوضع وتدعوهم إلى الالتحاق بصفوف المجاهدين.(5)
وقد بدأت المنظمة الطلابية بيانها بالتطرق إلى ذكر أسماء الطلبة الذين تمّ اغتيالهم من طرف الشرطة الفرنسية أمثال: زرود بلقاسم، والطبيب ابن زرجب، والتلميذ الإبراهيمي الذي أكلته النار حياً في قريته التي احرقها الجيش الفرنسي، وكذلك اختطاف الطالب فرحات حجاج وذبحه بعد حبسه وتعذيبه لمدة عشرة أيام من طرف شرطة مدينة جيجل، وبمساعدة الحراسة المحلية المسلحة، وأيضاً تنفيذ حكم الإعدام بدون تحقيق ولا استنطاق ولا محاكمة على الأديب «رضا حوحو» الكاتب بمعهد ابن باديس بقسنطينة، وقد كان ضمن جماعة ممن أخذتهم الشرطة الفرنسية كرهائن، بالإضافة إلى شن حملات دامية من الاعتقالات والتعذيب لكثير من الطلبة، بهدف إدخال الرعب في قلوب أعضاء اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، ثم ختمته بتوجيه النداء التالي للطلبة والتلاميذ: وعليه فإننا نقوم من الان بالإضراب عن الدروس والامتحانات لأجل غير محدود، فلنهجر مقاعد الجامعات ولنتوجه إلى الجبال والأوعار، ولنلتحق كافة بجيش التحرير الوطني وبمنظمته السياسية جبهة التحرير الوطني.
أيها الطلبة والمثقفون الجزائريون!. أنرتد على أعقابنا والحال أن العالم ينظر إلينا والوطن ينادينا والبلاد تدعونا إلى حياة العز والبطولة والمجد.(6)
وقد استجاب الطلبة والتلاميذ للنداء، فقاطعوا الدروس والامتحانات، والتحقوا بصفوف الجيش وجبهة التحرير الوطني، وأدوا دورهم النضالي على أكمل وجه على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وكان تنفيذ الطلبة والتلاميذ لنداء اتحادهم على المستوى الداخلي يتمثل خاصة في الالتحاق بالجبال وحمل السلاح مع المجاهدين، فبرهنوا بذلك للسلطات الفرنسية على مدى الالتحام القوي بين كل فئات الشعب الجزائري، من أجل الدفاع عن قضيتهم العادلة وتحقيق الاستقلال التام.
أما على الصعيد الخارجي فقد تمثل دورهم في تكثيف جهودهم لدى الاتحادات الطلابية في كل دول العالم، والعمل على تحقيق جبهة طلابية عالمية قوية تقف إلى جانب الثورة الجزائرية. ولتحقيق ذلك توزع عدد كبير من الطلبة على معظم دول العالم، وقاموا بدور فعال في مشاركتهم في عدة ندوات عالمية للطلبة، حيث تمكنوا من التعريف بالثورة الجزائرية وشرح قضيتها العادلة، وذلك بإعطاء صورة واضحة لكل طلبة العالم على وحدة الشعب الجزائري، ووقوفه صفاً واحداً وراء قادة جيش وجبهة التحرير الوطني، الذين يعود إليهم الفضل في تفجير الثورة وتنظيمها وتسييرها، كما قام الطلبة من جهة أخرى بشرح مأساتهم كطلبة يعانون تمييزاً عنصرياً فظيعاً منذ عدة أجيال، وكذلك شرح أسباب اللجوء إلى الإضراب العام غير المحدود عن الدروس والامتحانات وتحديد الأهداف المرجوة منه.(7)
وهكذا استطاع الطلبة بنشاطاتهم المكثفة عبر دول العالم تفويت الفرصة على السلطات الفرنسية، التي أصيبت بصدمة عنيفة من جراء قرار الإضراب الطلابي، والتي شرعت فوراً في السعي إلى تشويهه لدى الرأي العام العالمي، لكنها فوجئت باستنكار الرأي العام العالمي للسياسة الفرنسية في الجزائر، وإدانة عملية الاعتقالات الدامية والاغتيالات، وكذلك أعمال القمع والتعذيب التي تمارسها السلطات الفرنسية في صفوف الطلبة والتلاميذ بسبب قرار الإضراب العام عن الدروس والامتحانات.(8
مراجع الحلقة السابعة والستون بعد المائتين:
)) عقيلة ضيف الله، التنظيم السياسي والإداري للثورة، ص 333.
2)) المصدر نفسه ص 334.
3)) المصدر نفسه ص 335.
4)) مصطفى طلاس، الثورة الجزائرية، ص 191.
5)) يحيى بوعزيز مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنية والدولية، ص 352 ـ 353.
6)) مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنية والدولية ص 353 ـ 355.
(7) التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 337.
(8 المصدر نفسه ص 338.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: