الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

من سلسلة كفاح الشعب الجزائري:
(انضمام الجزائر إلى الدولة العثمانية عام 1519م)
الحلقة: الثانية عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
 
 
أدرك خير الدين حراجة موقفه بعد استشهاد أخيه، فقد كان مدركاً لمدى الخطر الذي يواجهه، سواء من الإسبان الذين لن يكتفوا بقتل عروج، بل سوف يعاودون احتلال كامل سواحل الجزائر من جديد، كما كان على علم أيضاً بمدى هشاشة البناء الذي أقامه بسبب اضطراب ولاءات الزعماء والأهالي على حد سواء، كما أن اتساع رقعة الصراع مع الإسبان ومدى القدرة على بسط النفوذ على بلاد واسعة كالجزائر ؛ جعله يفكر في إلحاق الجزائر بالدولة العثمانية قبل الشروع في أي خطوة أخرى.
وهكذا فإنه عندما فرغ من تحصين المدينة ؛ دعا علماء الجزائر وأعيانها إلى اجتماع عام، وذكرهم فيه أنه قد تمكن من حمايتهم من الإسبان، وأنه قد حصن المدينة بشكل يمكنهم من الدفاع عنها دون الحاجة إليه، ولذلك فإن مهمته في الجزائر تكون قد انتهت، وعليهم أن يختاروا واحداً منهم يجعلوه أميراً عليهم، أما هو فقد قرر أن يمضي للجهاد في مكان اخر. فناشده العلماء قىء لين بأنه يتعين عليه البقاء في المدينة للدفاع عنها، وأنه لا رخصة له في ترك الأهالي عرضة للعدو الكافر، وإذا كان يريد الأجر بالجهاد في بلاد الروم، فإن هناك الكثير ممن يقوم به غيره، والمصلحة التامة تقضي ببقىء ه في مدينة الجزائر لحمايتها.
فلما أكثروا عليه ذكّرهم بموقف سلطان تلمسان منه ومن أخيه، وموقف سلطان تونس الذي خذلهم في بجاية، حيث منع عنهم البارود في أشد ساعات الحرب حرجاً، وأعلمهم أنه لم يبق له من يستند إليه بعد الله، ولذلك فإنهم إذا أرادوا حماية بلدهم فعليهم أن يعلنوا تبعيتهم للسلطان العثماني، فهو الوحيد القادر على مساندتهم بالمال والرجال وجميع ما يحتاجونه من عتاد، ولا يكون ذلك إلا بالدعاء له في الخطبة، وضرب السكة باسمه. وأشار عليهم أن يكتبوا للسلطان بذلك، فاستحسن أعيان الجزائر ذلك، وكتبوا رسالة باسمهم إلى السلطان، كما كتب خير الدين كتاباً مماثلاً، ثم جهز أربعة سفن وجعل على رأسها الشيخ الفقيه أحمد ابن القاضي.
وعندما وصلت السفارة إلى إسطنبول في (1518م) استقبلهم السلطان واحتفى بهم وقبل عرض أهالي الجزائر، ثم أرسل (2000) من قوات سلاح المدفعية «طوبجولر» و(4000) من المتطوعين والإنكشارية وجاء معهم كثير من المهاجرين الأتراك ، كما أعطى السلطان للجنود الذين يذهبون إلى الجزائر نفس امتيازات الإنكشارية تشجيعاً لهم على التطوع للجهاد فيها، أما بالنسبة لخير الدين فقد أرسل السلطان إليه السيف، والخلعة السلطانية، والسنجق، وفرماناً يقضي فيه بتعيينه بيلرباي على الجزائر.
في الحقيقة كان إعلان خير الدين ومعه أهالي الجزائر تبعيتهم الطوعية للدولة العثمانية مبعث سرور كبير للسلطان سليم، الذي كان يطمح إلى أن يمد نفوذ الدولة العثمانية إلى المحيط الأطلسي، فقد نقل أحمد جودت باشا عن بعض كتمة سر السلطان قوله:.. إن البحر المتوسط هو عبارة عن خليج واحد يمتد إلى بوغاز سبتة، فكيف يليق أن تجتمع فيه مدن مختلفة، ثم إنهم لا يكونون تحت حكم الدولة العلية، فعدم الاجتهاد في بلوغ هذه الغاية هو من قصور الهمة المزري بشأن الدولة. إني اليت على نفسي وعاهدتها ـ إن مد الله في عمري ـ أن أحرمها الراحة والسكون ؛ ما لم أنشىء الأساطيل الكافية لنيل المرغوب، وأستولي على ثغور البحر المتوسط.
بل تذكر بعض المصادر أن السلطان كان يعتزم السير بنفسه إلى المغرب، ولكن الأجل لم يمهله.
وهكذا أثبت خير الدين بقرار ضم الجزائر إلى ممتلكات الدولة العثمانية عبقريته السياسية، بعدما أثبت عبقريته العسكرية في معاركه التي خاضها ضد الممالك الأوربية عامة وإسبانيا خاصة، وبهذا القرار الحكيم لم يحظ بتأييد الأهالي فحسب، بل حاز على تأييد السلطان نفسه، حيث لم يتردد في تقديم دعمه غير المشروط لخير الدين فور وصول الوفد إلى إسطنبول.
وقد ترتب على القرارات التي أصدرها السلطان سليم الأول عدة نتىء ج هامة كان من بينها:
ـ دخول الجزائر رسميّاً تحت السيطرة العثمانية اعتباراً من عام (1519م) ودعي للسلطان سليم على المنابر في المساجد وضربت العملة باسمه.
ـ إن إرسال القوات العثمانية جاء نتيجة استغاثة أهل بلدة الجزائر بالدولة العثمانية واستجابة لرغبتهم، فلم يكن دخول القوات العثمانية غزواً أو فتحاً عسكرياً ضد رغبة أهل البلد.
ـ إن إقليم الجزائر كان أول أقليم من أقاليم شمال إفريقيا يدخل تحت سيادة الدولة العثمانية، وأصبحت الجزائر ركيزة لحركة جهاد الدولة العثمانية في البحر المتوسط، وكانت حريصة على امتداد نفوذها بعد ذلك إلى كل أقاليم الشمال الإفريقي لتوحيده تحت راية الإسلام، والعمل على تخليص مسلمي الأندلس من الأعمال الوحشية التي كان يقوم بها الإسبان النصارى. لقد كان زمن السلطان سليم الأول البداية لمد النفوذ العثماني إلى أقاليم شمال إفريقية من أجل حماية الإسلام والمسلمين، وواصل ابنه سليمان ذلك المشروع الجهادي، لقد استجاب السلطان العثماني سليم لنداء الجهاد من أخوة الدين، وشرعت الدولة العثمانية في إنشاء أسطول ثابت لهم في شواطئ شمال إفريقيا والذي ارتبط منذ البداية باسم الأخوين عروج وخير الدين بربروسة.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022