الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان
(مبايعة خير الدين باشا)
الحلقة: الحادية عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
 
اجتمع وجوه مدينة الجزائر وأبناء الفقيدين عروج وأخيه إسحاق، وبايعوا خير الدين خليفة لشقيقه عروج، مع قرارهم بضم الإمارة إلى الخلافة العثمانية، وكانت الدولة العثمانية هي أقوى القوى المرشحة لحماية المسلمين في ساحة البحر المتوسط، وكانت الشعوب الإسلامية في شمال إفريقيا متعاطفة معها وتتابع انتصاراتها على الساحة الأوربية منذ فتح القسطنطينية، وإن الاتجاه للانضواء تحتها سيكسب خير الدين مزيداً من التأييد من قبل هؤلاء الأهالي، وإلى جانب ذلك فإن الدولة العثمانية قد أبدت استجابة للمساعدة حين طلب منها الأخوان ذلك، كما أبدت رغبتها في مزيد من المساعدة لدوره، وكذلك لبقايا المسلمين في الأندلس، ومن منظور ديني أسهم في إكساب دورها تأييداً جماهيرياً، وجعل محاولة التقرب منهما أو التحالف معهما عملاً مرغوباً.
وقد اختلف علماء التاريخ حول بداية التحالف بين العثمانيين والأخوين عروج وخير الدين. فتذكر بعض المراجع أن السلطان سليماً الأول كان وراء إرسالهم إلى الساحل الإفريقي تلبية لطلب المساعدة من سكان الشمال الإفريقي، وعمل على تعطيل أهداف البرتغاليين والإسبان في منطقة البحر المتوسط، وعلى الرغم من عدم تداول هذه الزاوية بين المؤرخين إلا أنها توضح أن العثمانيين لم يكونوا بمعزل عن الأحداث التي تدور على ساحة المتوسط.
ويرجع بعض المؤرخين التحالف بين الجانبين إلى سنة (1514م) في أعقاب فتح عروج وخير الدين لميناء «جيجل»، حيث أرسل الأخوان إلى السلطان سليم الأول مجموعة من النفىء س التي استوليا عليها بعد فتح المدينة، فقبلها السلطان وردَّ لهما الهدية بإرسال أربع عشرة سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود، وكان هذا الرد من السلطان العثماني يعكس رغبته في استمرار نشاط ودور الأخوين ودعمه. على أن بعض المؤرخين يذكرون أن الدعم العثماني لهذه الحركة كان في أعقاب وفاة «عروج» سنة (1518م)، وبعد عودة السلطان العثماني من مصر إلى إسطنبول سنة (1519م).
على أن الرأي الأكثر ترجيحاً أن الاتصالات بين العثمانيين وهذه الحركة كان سابقاً لوفاة عروج وقبل فتح العثمانيين للشام ومصر، وذلك يرجع إلى أن الأخوين كانا في أمس الحاجة لدعم أي تحالف مع العثمانيين بعد فشلهما في فتح «بجاية»، كما أنهما حوصرا في «جيجل» بين الحفصيين الذين أصبحوا من أتباع الإسبان وبين «سالم التومي» حاكم الجزائر الذي ارتكز حكمه على دعم الإسبان له هو الاخر، فضلاً عن قوة الإسبان وفرسان القديس يوحنا التي تحاصرهم في البحر، فكان لوصول الدعم العثماني أثره على دعم دورهما وشروعهما في دخول الجزائر برغم هذه العوامل، حيث اتفق العثمانيون مع الأخوين على ضرورة الإسراع بدخولهما قبل القوات الإسبانية لموقعها الممتاز من ناحية، ولكي يسبقوا الإسبان إليها، لاتخاذها قاعدة لتخريب الموانىء الإسلامية الواقعة تحت الاحتلال الإسباني، كبجاية وغيرها من ناحية أخرى.
وقد تمكن عروج من دخول مدينة الجزائر بفضل هذا الدعم، وقتل حاكمها بعد أن تأكد من مساعيه للاستعانة بالقوات الإسبانية، كما تمكن من دخول ميناء شرشال، واجتمع له الأمر في الجزائر، وبويع في نفس السنة التي هزمت فيها القوات المملوكية أمام القوات العثمانية في الشام سنة (1516م) في معركة مرج دابق.
ولم يكن من الممكن للأخوين أن يقوما بهذه الفتوحات لولا تشجيع السلطان العثماني ودعمه إلى جانب دعم شعوب المنطقة، وقد سبق أن فشلا في دخول بجاية أمام نفس القوات المعادية.
بعد أن بويع خير الدين في الجزائر في أعقاب ما حققه من انتصارات على الإسبان والزعماء المحليين المتحالفين معهم ؛ أصبح محط امال كثير من الولايات والموانىء التي كانت وما زالت خاضعة سواء للإسبان أو لعملىء هم، وكان أول الذين طلبوا نصرته أهل تلمسان، ومع أن استنجاد الأهالي كان من الممكن أن يكون كافيا لتدخل «خير الدين»، إلا أن موقع تلمسان الاستراتيجي الذي كان يجعل وجود «خير الدين» في الجزائر غير مستتب، قد جعله يفكر في التدخل قبل أن يطلب الأهالي نجدته، وأن مطالبهم قد دعته للتعجيل بذلك.
وأعد خير الدين جيشاً كبيراً زحف به إلى تلمسان سنة (1517م)، وأمَّن الطريق إليها، وبعد أن نجح في السيطرة عليها تمكن الإسبان وعملاؤهم من بني حمو من استعادتها، ولقي أحد إخوة خير الدين حتفه وهو «إسحاق»، كما قتل عروج ـ كما مرّ معنا ـ وقد تركت هذه الأحداث أثراً بالغاً في نفس خير الدين مما دفعه إلى التفكير في ترك الجزائر، لولا أن أهلها ألحوا عليه بالبقاء. وكانت موافقته على البقاء تفرض عليه ضرورة بذل المزيد من الارتباط بالدولة العثمانية، وخاصة بعد أن دانت لها مصر والشام، فكان ذلك يؤكد احتياج الجانبين إلى مزيد من الارتباط بالآخر.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022