الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

من كتاب كفاح الشعب الجزائري
(التحديات التي واجهت خير الدين باشا)
الحلقة: الثالثة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
 
كان أمام خير الدين بربروسة في وضعه السياسي والعسكري الجديد أن يحارب على جبهتين:
1 ـ الجبهة الإسبانية لطرد الإسبانية من الجيوب التي أقاموها فضم إليه عنابة وقالة في شرقي الجزائر، وحقق انتصاراً باهراً على الإسبانية حين استولى عام (1529م) على حصن بينون الإسباني على الجزيرة المواجهة لبلدة الجزائر، وقد استمر يقصف الحصن بقذىء ف مدافعه طوال عشرين يوماً حتى تداعت جوانبه، ثم اقتحم الحصن مع قوات كثيفة العدد كانت تحملها خمس وأربعون سفينة جاءت من الساحل، وأسر قىء د الحصن مع كبار ضباطه.
إن استيلاء خير الدين على البينون سنة (1529م) يعد بداية تأسيس ما عرف باسم نيابة الجزائر، ومنذ ذلك التاريخ أصبح ميناء الجزائر عاصمة كبرى للمغرب الأوسط، بل ولكلِّ شمال إفريقيا العثمانية فيما بعد، وبدأ استخدام مصطلح الجزائر للدلالة على إقليم الجزائر حتى نهاية القرن الثامن عشر.
2 ـ الجبهة الداخلية وكانت تتمثل في محاولة توحيد المغرب الأوسط التي لم تخل من مؤامرات بني زيان والحفصيين ومن بعض القبىء ل الصغيرة، ولكنه استطاع مد منطقة نفوذه باسم الدولة العثمانية، ودخلت الإمارات الصغيرة تحت السيادة العثمانية لكي تحتمي بهذه القوة من الأطماع الصليبية الإسبانية ومن قهرها على اعتناق النصرانية، وما لبث أن مد خير الدين النفوذ العثماني إلى بعض المدن الداخلية الهامة مثل قسنطينة.
لقد نجح خير الدين في وضع دعامات قوية لدولة فتية في الجزائر، وكانت المساعدات العثمانية تصله باستمرار من السلطان سليمان القانوني، واستطاع خير الدين أن يدخل إسبانيا ؛ فقد قام عام (936هـ 1529م) بتوجيه ست وثلاثين سفينة للدولة العثمانية خلال سبع رحلات إلى السواحل الإسبانية في الحوض الغربي للبحر المتوسط، وبفضل الله ثم مساعدات الدولة العثمانية وموارد خزينة الجزائر المتنوعة من ضرىء ب وسبي وغنىء م وزكاة والعشر والجزية والفيء والخراج، وما يقوم به الحكام ورؤساء القبىء ل والعشىء ر من دفع العوىء د وغيرها ؛ أصبحت دولة الجزائر لها قاعدة اقتصادية قوية.
لقد تضررت إسبانيا من نجاح خير الدين في الشمال الإفريقي، وكانت إسبانيا يتزعمها شارل الخامس إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، والتي كانت تضم وقتذاك إسبانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والنمسا وإيطاليا، وكانت الدولة الرومانية المقدسة تدفع عن أوروبا المسيحية الخطر العثماني نحو شرق ووسط أوروبا، لذا يمكن القول بأن الصراع بين شارل الخامس وبين ببليربكية الجزائر ؛ كان بمثابة فتح جبهة حربية جديدة ضد الدولة العثمانية في الشمال الإفريقي، لذلك لم يكتف شارل بالهجوم المفاجىء على سواحل الجزائر، بل أرسل مبعوثاً للتجسس في شمال إفريقيا سنة (640هـ 1533م) وهو الضابط «أوشوا دوسلا» الذي طاف بأنحاء تونس، وهناك وجد استعداد الحفصيين للتعاون مع شارل الخامس، وحذر من امتداد النفوذ العثماني على تونس، وذكر أن هذا الاستيلاء سيسهل على العثمانيين السيطرة على إفريقيا، ثم يتجهون بعد ذلك لاسترداد الأندلس، وهذا ما يخشاه العالم المسيحي.
كانت سياسة المملكة الحفصية في تونس تسير نحو انحطاط مستمر، وكان السلطان الحفصي الحسن بن محمد قد أساء السيرة في البلاد وقتل عدداً من إخوته، فاضطربت الأحوال في تونس وخرج البعض عن طاعة السلطان الحفصي، وكان أخو الحسن المسمى بالأمير الرشيد قد هرب من أخيه خوفاً من القتل ولجأ عند العرب في البادية، ثم ذهب إلى خير الدين في الجزائر، وطلب منه الحماية والعون ضد أخيه.
فمنحه ذلك خير الدين، الذي كان مركّزاً اهتمامه على تونس بسبب ضعف الحفصيين والخلافات الداخلية التي مزقت الأسرة الحفصية، كما كان لتونس في نظره أهمية استراتيجية كبيرة لإشرافها على المضيق الصقلي ؛ بحيث تسمح له السيطرة عليها في تحديد وقطع المواصلات بين حوضي المتوسط الشرقي والغربي، بالإضافة إلى رغبة خير الدين في توحيد بلاد المغرب تحت حكم الدولة العثمانية ؛ ليتمكنوا من استرداد الأندلس.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022