(الوسائل العسكرية التي اعتمدت عليها الثورة الجزائرية لمواجهة السياسة الإستعمارية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 290
بقلم: د.علي محمد الصلابي
شوال 1443 ه/ ماي 2022م
اعتمد جيش التحرير الوطني أسلوب حرب العصابات والكر والفر والغارات الخاطفة المدروسة في مجموعات صغيرة وخفيفة وسريعة، وحسب الظروف والمواقع والأزمنة والأمكنة والمستجدات التي تضمن له في أغلب الأحيان التفوق والانتصار، وتجنبه كثرة الضحايا والخسائر، ومن أهم الميزات التي كانت تضمن له دوماً الانتصارات معرفته الجيدة للأرض والطبيعة وتلاحمه مع الشعب الذي يدعمه ويمده بكل الامكانيات المطلوبة مادياً وأدبياً وإعلامياً، وتواصل هذا الدعم إلى أن تحقق الانتصار الأكبر في صيف عام 1962م.(1)
إن العمليات التي قامت بها جبهة التحرير الوطني في المدن وجيش التحرير الوطني في الجبال والأرياف أخذت عدّة أشكال، ولكن لها هدفاً واحداً وهو مناوشة مراكز العدو والهجوم على مواقعه وتخريب منشاته الاقتصادية، في الوقت نفسه كانت العمليات تطهر المحيط من المعذبين ومن الخونة، وقد سبقتها حملة خاصة سماهاالنظام الجبهوي التوغل، والقصد منها شرح أهداف الثورة واختيار أهل الثقة واكتشاف جيوب المعارضة، ولضمان أمن أفواج المجاهدين فرض تقتيل الكلاب حتى لا تنبه بنباحها على الزائرين، واقترنت حملة التوغل بالاستيلاء على بنادق الصيد من أجل هدفين: كسب سلاح «ولو بسيط»، وحرمان القوات الفرنسية من الحجز عليه.(2)
أ ـ استغلال فرار الجزائريين من الجيش الفرنسي:
سعت جبهة التحرير الوطني لإقناع الجزائريين المجندين طوعاً أو كرهاً في الجيش الفرنسي بالالتحاق بجيش التحرير الوطني، إن العملية ليست سهلة لأنها محفوفة بخطر توغل العدو في صفوف الثورة، فإليكم أمثلة من هذه العمليات التي وفرت عدداً معتبراً من الأسلحة الالية لصالح جيش التحرير الوطني.
ـ في أكتوبر 1955م التحق الرقيب مصطفى خوجة بجيش التحرير الوطني بصحبة رفيقين، وهم حاملون عشر رشاشات من نوع 49 أ Mat وكمية من الذخيرة مع مصطفى خوجة، بمؤهلاته الحربية وشجاعته وإيمانه في صفوف جيش الولاية الرابعة، ثم استشهد يوم 11 أكتوبر 1956م ببرج الكيفان قرب العاصمة، وذلك في أثناء زيارته للجنود المجروحين المعالجين في منزل عائلة بن مرابط، واستشهد مصطفى خوجة و17 مجاهد من رفاقه، وسمي كوماندو الولاية الرابعة باسمه، وأصبح يلقن دروساً عسكرية للعدو في مستوى وسط الجزائر.
ـ إن طاهر زبيري، يذكر في كتابه فرار كتيبة من الجنود من سوق أهراس وعلى رأسها عبد الرحمن بن سالم «مارس 1956م» وجلبت معها أسلحة وذخيرة، إلا أن العدو تتبعها وقتل عشرات من أعضائها، وأما الناجون منها فقد واصلوا الكفاح في صفوف جيش التحرير الوطني، وعاش بعضهم حتى الاستقلال ومنهم عبد الرحمن بن سالم.
ـ على حسب محمد لمقامي: إن فرار الجزائريين من الجيش الفرنسي، بدأ في 1956م بالغرب الجزائري، ويذكر حالات مماثلة حتى في الغرب «في القنيطرة مثلاً»، ويذكر أيضاً فرار عدد من جنود اللفيف الأجنبي الذين رفضوا أن يكافحوا من أجل قضية ليست قضيتهم، وقد وصل عدد الفارين من اللفيف الأجنبي نحو ألف بين سنة 1956م وسنة 1958م في الغرب الجزائري، في حين يقدم فاروق بن عطية عدد 281،3 جندياً من اللفيف الأجنبي الذين استقبلتهم بلدانهم بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.(3)
ب ـ عملية خاصة قامت بها الولاية الثالثة:
حاول الجيش الفرنسي أن يجند ويسلح شباناً جزائريين ينتظمون على شكل وحدات صغيرة مثل المجاهدين، ويتتبعون وحدات جيش التحرير الوطني، وكانت هذه العملية خاضعة للمصالحة الأمنية الفرنسية، وجرت هذه العملية من نوفمبر 1955م إلى سبتمبر 1956م ببلاد القبائل، وكُلف أحد الضباط الفرنسيين بتجنيد الشبان الجزائريين بموافقة الحاكم العام، وكان الحاكم العام ينسق مع القيادة الوطنية والقيادة المحلية للجيش الفرنسي.
فاتصل الضابط الفرنسي « Ousmer » بشخص كان يعرفه وهو الطاهر حشيش، وهذا الأخير اتصل بصاحب مطعم في عزازفة اسمه أحمد أوزايد، ولكن كان هذا الأخير مناضلاً في حزب الشعب الجزائري وصديقاً لبلقاسم كريم وعمر أوعمران، فاتصل أحمد أوزايد بهما بواسطة سعيد بريروش «يا زوران» الذي عُيّن فيما بعد عقيداً وقائداً للولاية الثالثة، فكلف أحمد أوزايد بالإشراف على العملية، ولكن بتجنيد مناضلين جبهويين لهذه القوة بدلاً من أعداء الثورة، فقد وصل عدد المجندين 500،1 شخص تحركوا على شكل وحدات أوهمت القوات الفرنسية بأنها تقوم بتصفية «المجاهدين»، بينما هي كانت تصفي أعداء الثورة. ونظراً إلى مخاطر العملية تقرر في مؤتمر الصومام إصدار الأوامر لكي تلتحق هذه القوة بجيش التحرير الوطني، هرب هؤلاء بسلاحهم إلى جيش التحرير الوطني يوم 30 سبتمبر 1956م، غداة هذا الالتحاق نظمت القوات الفرنسية حملة واسعة للتفتيش، فاستشهد 300 مجاهد وأسر 600 والتحق 600 بجيش التحرير الوطني فامتزجوا بوحدات المجاهدين.
إن هذه العملية الكبيرة والجريئة والذكية قد رفعت معنويات الشعب كما أشارت إلى ذلك جريدة المجاهد رقم «3».(4)
مراجع الحلقة التسعون بعد المائتين:
(1) يحيى بوعزيز، لثورة في الولاية الثالثة التاريخية ص 205.
(2) الثورة الجزائرية ثورة أول نوفمبر 1954م، بوعلام بن حمودة ص 227.
(3) المصدر نفسه ص 228.
(4) المصدر نفسه ص 229.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: