الوسائل الطبية التي اعتمدت عليها الثورة الجزائرية
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 299
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م
جندت جبهة التحرير الوطني عدداً هاماً من الأطباء والممرضين رجالاً ونساءً، ووزعتهم على مختلف مناطق الولاية ونواحيها وأقسامها لعلاج المرضى والمعطوبين، وإسعاف الجرحى وتدبير الأدوية، والأدوات الطبية اللازمة للعلاج، وقد تطور هذا الجهاز الصحي للثورة بمرور الزمن، عدة وعدداً ونجاعة، وأفاد الثورة والمجاهدين، وتوسع عمله وامتد إلى خارج الجزائر، تونس، والمغرب، وبلدان شرق أوروبا.(1)
وكانت مصالح الصحة تهتم بالمواطنين وتزورهم لتقديم نصائح في الوقاية والنظافة وتقديم العلاج عند الإمكان. في خارج الجزائر كان مسؤول الصحة تابعاً لمسؤولي القواعد الخلفية، ثم إلى قيادات العمليات العسكرية، وبعد يناير 1960م لقيادة أركان جيش التحرير الوطني، إن الدكتور محمد الصغير النقاشي سيّر نظام الصحة بالخارج من سنة 1956م إلى سنة 1962م باستثناء الفترة التي خلفه فيها الدكتور تيجاني هدّام أي بين مارس 1957م وأكتوبر 1958م.
الفرق بين وسائل الصحة بالخارج ووسائل الصحة بالداخل شاسع.
وبعد تجميع السكان ونظراً إلى القصف بالمدافع وبالطائرات للمناطق المحرمة كان من اللازم أن تُبنى مراكز الصحة والعلاج تحت الأرض، يشير المجاهدون الذين بقوا على قيد الحياة إلى أن عمليات البتر أو اقتلاع الرصاص كانت تجرى بدون مخدّر.
فالجريح يُقيد من طرف رفاقه حتى لا يتخبط، ثم تُخاط الجروح بخيوط عادية تُغلى في الماء، وعملت المجاهدات والمجاهدون المكلفون بالصحة في هياكل جيش التحرير الوطني في ظروف صعبة جداً، قلة الأدوات الطبية والأدوية، والعيش في مخابأئ تحت الأرض، والتنقل المستمر للنجاة من ضربات العدو، وصعوبة نقل الجرحى من جهة إلى جهة أو نقلهم إلى الخارج.
إن عدد الشهداء في مصالح الصحة بجيش التحرير مرتفع، وذكر الدكتور بوعلام بن حمودة أسماء منهم في كتابه، (2)وعملت قيادة جبهة التحرير الوطني على تنظيم المصالح الصحية للولايات، وصدرت تعليماتها للجهات المختصة، وكان لمصالح الصحة في الداخل والخارج جهد عظيم في الوقوف مع الثورة، وقدمت عملاً متميزاً وفريداً في أحداث ثورة شعب الجزائر.
واستعمل قادة جبهة التحرير كذلك مستشفيات البلدان المجاورة لعلاج المجاهدين الجرحى بمساعدة أطباء جزائريين، ثم أحدث جيش التحرير الوطني مراكز علاج تابعة له في «غاردماو» و«تاجروين» و«تالا»، وقاعدة العربي بن مهيدي في وجدة للأمراض المزمنة، وقد قنبلها العدو مرتين في سنة 1960م ويوم توقيف القتال أي 19 مارس 1962م، ومركز المعاقين في بركان بالمغرب، ومركز المعوقين بالدّار البيضاء المحدث سنة 1960م، ومركز إعادة تمرين المرضى المحدث سنة 1960م بالقرب من تونس من طرف الأستاذ زهير يعقوبي، وأنشئت بالخارج مراكز التكوين الطبي مثل سنغنغن بمنطقة الريف بالمغرب، وقد سيّره الدكتور محمد بن عيسى أمير، ونُظم التكوين في مراكز تابعة للمستشفيات أو لمدارس التدريب العسكري.
ـ الهلال الأحمر الجزائري:
أحدث يوم 7 يناير 1957م في طنجة بعد أن نال مشروع القانون الأساسي الذي حضّره فوج من المناضلين الجبهويين المقيمين في تيطوان بالمغرب، قبول لجنة التنسيق والتنفيذ « CCE » بواسطة سي علال «الطيب الثعالبي»، الذي كان يشرف على اتحادية الجزائريين بالمغرب، فتكونت قيادة الهلال الأحمر الجزائري من حسن بوعلي «رئيس»، والدكتور مصطفى مكاسي أمين عام، وقد كان بن إسماعيل بومدين مذكوراً في القانون الأساسي كأمين عام، والدكتور جيلاني بن تامي مندوب لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف في سويسرا.
ثم حوّل مقر الهلال الأحمر الجزائري من المغرب إلى تونس يوم 25 ديسمبر 1957م، وأصبحت اللجنة المديرة ابتداءً من يوم 21 أكتوبر 1958م متألفة من مصطفى بن باحمد «رئيس»، وأحمد بودربة «أمين عام»، وجيلاني بن تامي «مندوب الهلال لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف».
كانت للهلال علاقة نظامية بمسؤول الشؤون الاجتماعية في لجنة التنسيق والتنفيذ « CCE »، ثم بوزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة « GPRA ». في النشاط اليومي كان الهلال الأحمر الجزائري ينسق مع مصلحة الصحة في الجيش والمصلحة الاجتماعية التابعة لنظام جبهة التحرير الوطني.
تميز الهلال الأحمر بنشاط كثيف أهمه: إعلام المحافل الدولية بجرائم القوات الفرنسية وبحالة اللاجئين، وتوجيه نداء لاحترام اتفاقيات جنيف «حول أسرى الحرب» من طرف فرنسا، وإجراء مساع لإطلاق سراح الأسرى، وتكوين الممرضين والممرضات، وتجنيد الأطباء الجزائريين، وجمع الأدوية لصالح المجاهدين واللاجئين، وإعانة مادية للاجئين، وإرسال فرق طبية لعلاجهم، ومرافقة فرق الصليب الأحمر الدولية عند زياراتها التفقدية.
وساهم الجزائريون العائشون في تونس والمغرب في إيواء المجاهدين وفي تمويلهم، وقد انخرط أولادهم في كل هياكل الثورة فتنظموا في تونس داخل 7 نواح، حيث عُينت لجنة للمتابعة ولتشجيع جمعيات مختلفة لها صلة بالثورة، أما الجزائريون العائشون بليبيا فقد أدمج نظامهم في اتحادية الجزائريين بتونس لأن عددهم كان قليلاً.
في المغرب تكفلت اتحادية الجزائريين بتنظيم الجزائريين القاطنين هناك.
قيادة الولاية الخامسة اهتمت أيضاً بالجزائريين العائشين قرب الحدود المغربية الجزائرية، فكونت لجنة للمتابعة ابتداء من سنة 1955م، تكونت اللجنة من رئيس ومسؤول على الحالة الاجتماعية والسكن ومسؤول على التموين نظراً إلى تزايد عدد اللاجئين ومسؤول على الأمن واليقظة، في ماي 1956م أحدثت قيادة الولاية الخامسة فرعاً للتنظيم والسكن، ومصلحة لاستقبال اللاجئين، ولجنة لاستقبال الجرحى والتكفل بهم. وعند تكوين الحكومة المؤقتة تكفلت هذه الأخيرة بالجانب المدني للجزائريين، في حين تكفلت قيادة الولاية الخامسة بالجانب العسكري.(3)
مراجع الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائتين:
)) يحيى بوعزيز، الثورة في الولاية الثالثة ص 206.
(2) بوعلام بن حمودة الثورة الجزائرية، ص 302.
(3) المصدر نفسه، ص304
ـ يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: