الأحد

1446-12-19

|

2025-6-15

(دور السلاح التركي في إعانة الجزائر)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 315

بقلم: د. علي محمد الصلابي

كانت سياسة تركيا ـ الرسمية ـ سياسة منكرة بالنسبة للثورة الجزائرية، بينما كان الشعب التركي المجاهد العملاق يقف موقف المؤيد الصلب للثورة الجزائرية، يؤازرها في صحفه وفي منتدياته، وكانت حكومة عدنان مندريس تصادم الثورة الجزائرية وتدلي بصوتها في هيئة الأمم المتحدة إلى جانب فرنسا أو تحاول أن تقف موقفاً حيادياً، هو لفائدة فرنسا أولاً وأخيراً.

وجاء اليوم المحدد وحل ركب عدنان فرأوا المطار خالياً من الناس تماماً، وركبوا السيارات فلم يكن في الطرقات أحد، أي أحد، كانت المدينة خالية بصفة مطلقة لا ترى فيها رجلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا صبياً، هكذا دفعت النخوة والشهامة في الليبيين في طرابلس لإعلان غضبهم على تركيا، واستنكاراً لسياستهم تجاه الجزائر المجاهدة، فأغلقوا قاطبة أبواب ديارهم وحوانيت تجارتهم وأضربوا عن العمل الإداري في دواوين الحكومة.

فكاد عدنان مندريس ومن معه يصعقون، وقال لمن حوله من الرسميين: أهكذا يقابل الليبيون وفد الحكومة التركية، ونحن أصدقاؤكم وإخوانكم منذ قرون، وسالت دماؤنا معاً في شتى المعارك الإسلامية، ونصرناكم في كل أزمة حلت بكم، فما هي هذه المقاطعة الشعبية، وما هي أسبابها العميقة؟

قال له رئيس الحكومة: نحن أيضاً لا علم لنا بهذا، ولم نشعر بوجود هذا الإضراب الشعبي إلا هذه الساعة، أما الأسباب فهي بلا شك ولا ريب، موقفكم من الثورة الجزائرية وانتصاركم لفرنسا على الجزائريين، وهم يخوضون معركة الحياة والموت ويقومون بجهاد قاس مرير من أجل استرجاع حريتهم السليبة، واستقلالهم الضائع، وكرامتهم التي امتهنت شر امتهان.

قال مصطفى بن حليم للأستاذ أحمد توفيق المدني: ما كدت أقول له هذا حتى غصّ بريقه، واختلجت عضلات وجهه، وقال بصوت متهدج: إنكم لا تفهمون ولا يفهم إخواننا الجزائريون حقيقة موقفنا اليوم، نحن عاطفياً وقلبياً مع الجزائر في نضالها الحر الشريف، لكننا من جهة أخرى لنا ارتباطات مع فرنسا، ولنا في الوقت الحاضر مصالح اقتصادية كثيرة معها، وهي تعيننا فلا نستطيع أن نتنكر لها جهاراً.

قال مصطفى بن حليم: فأجبته: إذن تستطيعون أن تتنكروا لمبادئكم ولضمائركم ولعواطف شعبكم ولا تستطيعون أن تتنكروا لمصالحكم الاقتصادية؟

قال لي: إن كل شيء يمكن تقويمه وإصلاحه في عالم السياسة، فما هو ـ برأيكم ـ العمل الذي يرضي إخواننا الجزائريين والليبيين ويصلح الموقف معهم؟

قلت: ومع كل العرب كافة، لأن العرب كافة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب قد أعلنوا تضامنهم الفعال مع الثورة الجزائرية، فكل عمل ضد الجزائر إنما هو في الحقيقة ضد العرب عموماً، وأما ما يجب عمله فسأخبرك به غداً، بعد استشارة جبهة التحرير وهم الان هنا.

وكان الأستاذ أحمد توفيق المدني متواجداً في ليبيا فقال لمصطفى بن حليم: لا نريد من تركيا إلا أمرين لا ثالث لهما: أن تقلع عن إعانة فرنسا ضد الجزائر، وأن تنصر كغيرها مبادأئ العدل والإنصاف، وأن ترسل للجزائر مدداً من الأسلحة الحديثة الموجودة لديها، وبذلك نطوي صفحة الحاضر ونفتح صفحة جديدة تصل المستقبل بالماضي.

قال له مصطفى بن حليم هذا، فأجابه: أما تغيير مسلكنا السياسي فسنقوم به تدريجياً حتى نلتقي بعد حين مع إخواننا الجزائريين والعرب في موقف واحد، وأما السلاح فنحن مستعدون لإمداد إخواننا الجزائريين بنصيب وافر منه، وإنما كيف السبيل لايصاله؟

قال له ابن حليم: أرسلوه هدية من الشعب التركي إلى الشعب الليبي ونحن نسلمه للجزائريين.

قال عدنان: اتفقنا، إنما الأمر موكول بمصادقة رئيس الجمهورية جلال بايار، وسأخبرك بصفة سرية عندما تتم هذه المصادقة.

وأخبرت الحكومة الليبية الملك إدريس بهذا، فقال لعدنان أثناء استقباله له: أنا مسرور جداً بوعدكم الذي قطعتموه للحكومة بإعانة الجزائر المجاهدة، وأرجو أن يتحقق الوعد قريباً، فأبلغوا رجائي هذا للسيد الرئيس جلال بايار.(1)

كان عدنان مندريس يخشى عواقب اكتشاف أية شبهة بأن تركيا تمد الثورة الجزائرية بأي عون مادي، وكرر عدة مرات بأن هذا سبب طرد تركيا من حلف الأطلسي، وهو الركيزة الرئيسية التي يرتكز عليها دفاع تركيا في مواجهة الخطر الروسي العظيم.

وكان ابن حليم يشعر بأن مخاوف عدنان مندريس حقيقية، فهدّأ من روعه وقال له: إن الثورة الجزائرية في أشد الحاجة إلى أنواع كثيرة من الأسلحة الحديثة وهذه الأسلحة متوفرة لديكم، فإذا أعطيتكم كشفاً مفصلاً بهذه الأسلحة وأهديتموه أنتم إلى شقيقتكم ليبيا، فليس في هذا ما يثير أي شك أو ريب لدى فرنسا.

وقال مصطفى لعدنان مندريس: إن الليبيين سوف يقومون بتسريب السلاح إلى الإخوان الجزائريين تدريجياً، ووعده بأن لا يُعلم هذا السر للقيادة الجزائرية العليا، بل عدد قليل من أفراد تلك القيادة العليا. وواصل ابن حليم حديثه مع ضيفه رئيس وزراء تركيا عدنان مندريس واستعرض له ماضي تركيا الإسلامي وتاريخها في الذود عن الإسلام، وإعلاء كلمته، ومزج السياسة بالعاطفة الدينية، إلى أن قال عدنان مندريس: سنقدم لكم هدية السلاح، وأرجو الله أن يوفقكم في إيصالها لأولئك الذين يحتاجونها في الدفاع عن دينهم، أما نحن في تركيا فإننا نقدم الهدية لجيش الشقيقة فقط، وشدد على المحافظة على السرية المطلقة، وبعد أسابيع قليلة وصلت هدية السلاح التركي واستلمها الجيش الليبي في احتفال عسكري، ثم بدأ تسريبها تدريجياً إلى مجاهدي الجزائر.(2)

مراجع الحلقة الخامسة عشر بعد الثلاثمائة:

)) أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (3/517).

(2) أحمد بن عبد الحليم، صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي ص 361، 362، 363.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022