(دعم السفارة الليبية في باريس لكفاح الجزائريين)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 316
بقلم: د.علي محمد الصلابي
محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م
كان الملك إدريس رضي الله عنه بعيد النظر، فبعد أن استقال السيد مصطفى بن حليم من الحكومة في اخر مايو 1957م عينه مستشاراً خاصاً له بمرتب رئيس وزراء، وأصر على بقاء ابن حليم في خدمة الدولة، وشرح الملك لرئيس وزرائه السابق أنه يحتاج إليه قريباً، ثم عرض عليه أن يرسله سفيراً لليبيا في باريس، لأن علاقته ممتازة مع رجال الثورة الجزائرية، ولأن الحكومة الفرنسية قد وصلت لقناعة بأن قضية الجزائر لا تُحل عسكرياً وإنما بالمفاوضة مع سكان الجزائر.
وعندما رد ابن حليم على الملك بقوله: إن الحكومة الفرنسية أصبحت على علم تام بالدور الذي قام به في مساعدة الثورة الجزائرية، وتهريب السلاح والعتاد لها، وإن الثقة منعدمة بينهم وبينه، رد الملك بأن هذا هو خير مؤهل ليجعل الحكومة الفرنسية تستعمل مساعيك كقناة للوساطة مع الثورة الجزائرية، لتأكدها من أن زعماء الجزائر سيتقبلون نصحك قبولاً حسناً ويثقون بما تنقل لهم من اقتراحات، وأضاف الملك: عليك أن تكمل رسالتك نحو الثورة الجزائرية.
لقد كانت مهمة سفير ليبيا في فرنسا البحث مع الحكومة الفرنسية عن سبل سلمية لإعطاء شعب الجزائر حق تقرير مصيره، وتشجيع الحكومة الفرنسية على انتهاج سياسة النفاهم والتفاوض مع جبهة تحرير الجزائر، والإقلاع عن سياسة القمع والعنف والتشريد ضد الشعب الجزائري,
وبدأ السفير مصطفى بن حليم بتنفيذ دوره الذي رسمه له الملك، وقام الملك إدريس بطلب رسمي من الجنرال ديغول الذي أصبح رئيساً للجمهورية، بأن يطلق سراح أحمد بن بلة ورفاقه من السجن، أو على الأقل أن يخفف وطأة السجن إلى إقامة جبرية أو شيء من هذا القبيل، وأجاب الجنرال ديغول على طلب الملك إدريس بواسطة سفير ليبيا بفرنسا مصطفى بن حليم، الذي حمّله ديغول رسالة إلى الملك إدريس بأن مسعاه لن يذهب سدى، وبعد أيام نُقل أحمد بن بلة ورفاقه إلى فيلا في ضاحية «شاشيبي» بجوار باريس,
وفي يناير عام 1961م زار ليبيا الكونت دوباري موفداً من طرف الجنرال ديغول رئيس الجمهورية انذاك، واستقبله محمد عثمان الصيد بصفته رئيساً للحكومة في طرابلس، وكان الكونت دوباري يحمل رسالة خطية من ديغول للملك إدريس السنوسي، وأبلغ المبعوث الفرنسي السيد محمد الصيد رئيس الوزراء أن الجنرال ديغول يريد إبلاغ الملك إدريس عبر هذه الرسالة، أن فرنسا ستعمل قريباً على حل لقضية الجزائر يضمن مصلحة الجزائريين ويلبي المطامح العربية، لكنه يرجو من القادة العرب خاصة أولئك الذين تعرّف عليهم إبان الحرب العالمية الثانية، ومنهم الملك إدريس تفهم ظروف فرنسا الداخلية، ومساعدته حتى يمكن إخراج هذا الحل إلى حيز الوجود، وبالفعل لم تمض أربعة أشهر حتى بدأت مفاوضات الاستقلال بين فرنسا والجزائر في 20 مايو 1961م في «إيفيان».
عقب إطلاق سراح أحمد بن بلة ورفاقه الأربعة، وكان يطلق عليهم «الزعماء الخمسة» من السجون الفرنسية، قام هؤلاء الزعماء بزيارة إلى ليبيا واحتفى بهم الليبيون حكومة وشعباً احتفاء كبيراً، واستقبلهم الملك إدريس السنوسي وحثهم على التضامن ونكران الذات، وذكّرهم بالحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول (ص): رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. وطلب منهم الاهتداء بهذا الحديث، ودعاهم إلى نبذ جميع أشكال الخلاف والشقاق والأنانية التي تضر ـ إن وجدت ـ بالجزائر واستقلالها.
مراجع الحلقة السادسة عشر بعد الثلاثمائة:
)) أحمد بن عبد الحليم، صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي ص 364.
2)) صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي ص 375.
3)) الحركة السنوسية، للمؤلف علي الصلابي ص 584.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: