(الدعم التونسي للثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 327
بقلم: د.علي محمد الصلابي
صفر 1443 ه/ سبتمبر 2022م
يقول المجاهد الرائد عثمان سعدي في مذكراته: وبإمكاننا القول إن عدداً لا بأس به من الثوار التونسيين التحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني إلى جانب إخوانهم المجاهدين الجزائريين، مما يدل على أن كفاح الشعبين التونسي والجزائري كان كفاحاً واحداً، وفي خضم المعركة استشهد عدد من المجاهدين التونسيين في الجزائر، ومن بقي على قيد الحياة استمر في الكفاح إلى جانبنا إلى أن طلبت منهم الحكومة التونسية العودة إلى بلادهم، وفي هذه المرحلة لم تكن تونس قد حصلت على استقلالها، فالجيش الفرنسي ظل متواجداً على أراضيها.(1)
كان الشعب التونسي مسانداً مادياً ومعنوياً وعسكرياً لثوار الجزائر، وكانت تونس البوابة الشرقية للثورة الجزائرية في دخول الأسلحة والمؤونة الحربية إليها، وكانت تونس من أهم معابر المجاهدين ونقل الأسلحة القادمة من ليبيا ومصر.
1 ـ اتفاق بين الطرفين:
تم عقد العديد من اللقاءات الثنائية بين الطرفين الجزائري والتونسي حول موضوع دعم الثورة التحريرية والبحث عن سبل إنجاح العملية، ومن أهم هذه اللقاءات لقاء القاهرة الذي جمع الأستاذ أحمد توفيق المدني عن الطرف الجزائري والسيد الباهي لدغم عن الطرف التونسي، وقد توج اللقاء باتفاق يتعلق بنقل الأسلحة فقط.
في الوقت نفسه عارض السيد صالح بن يوسف ورجاله سياسة بورقيبة تجاه الثورة الجزائرية معتبرين استقلال تونس ناقصاً ما لم تستقل الجزائر، وهي القضية التي خلقت شقاقاً بين الرجلين في تونس، خاصة وأن صالح بن يوسف رفض التخلي عن مقاومة الاحتلال الفرنسي بالسلاح، بل وضع رجاله تحت تصرف الثورة التحريرية الجزائرية، وقد استاءت الحكومة التونسية برئاسة بورقيبة من تدخلات هذا الأخير خاصة ما يخص نقل الأسلحة من مصر إلى الجزائر مروراً بتونس.(2)
كانت نتيجة لقاء القاهرة هي توقيع اتفاق ثنائي جزائري ـ تونسي في 22 جانفي 1957م مثّل الجزائر كل من السادة أحمد توفيق المدني والأمين دباغين، ومثّل تونس كل من السادة الصادق مقدم والطيب سليم، وقد جاء فيه ما يلي:
ـ تتعهد الحكومة التونسية بنقل الأسلحة الجزائرية التي تصلها عبر الحدود من ممثلي جبهة التحرير الوطني، وتتعهد بتسليمها لمن تعيّنه الجبهة لهذه المهمة.
ـ تكون اللجنة التي تشرف على العملية تحت حراسة وضمان هيئة مشتركة مؤلفة من ممثلين عن الديوان السياسي التونسي وممثلين عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
ـ تتعهد الهيئة المشتركة بأن لن تتسرب إلى البلاد التونسية أية قطعة.
ـ المسائل المتعلقة بتنفيذ هذا الاتفاق بصفة سريعة وعملية تتولاها لجنة مشتركة.
ـ تبدأ اللجنة أعمالها حال مصادقة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة على هذا النص النهائي بعد رجوع الوفد التونسي من القاهرة إلى العاصمة التونسية.(3)
لقد برز إحساس قوي لدى التونسيين بأن الواجب يدعوهم للمقاومة والكفاح إلى جانب إخوانهم في الجزائر، بعد نية الاستعمار الفرنسي في الانفراد بهم وحدهم، وكان التيار المطالب بالنضال تياراً قوياً يطمح إلى تحقيق الوحدة المغربية، وقد شعرت فرنسا بهذا الخطر فسخرت كل إمكانياتها المالية والإعلامية والعسكرية من أجل القضاء على هذا التيار، والوقوف إلى جانب تيار الحبيب بورقيبة الذي وجد نفسه في حرج شديد أمام دعاة مساندة ودعم الثورة الجزائرية.
لقد كان التيار الوحدوي بين تونس والمغرب والجزائر قوياً، وكان من أكبر دعاته صالح بن يوسف الذي عقد اجتماعاً في بيته لقيادات جيش التحرير المغربي، وللإشارة فإن تكوين جيش تحرير مغربي كان يدعو إليه باستمرار الأمير عبد الكريم الخطابي، وقد أصبحت ضرورة ملحة في ظل المتغيرات التي كانت تمر بها كل من الجزائر وتونس والمغرب الأقصى.(4)
وكانت تلك الجهود والمواقف أوراق ضغط حقيقية على نظام بورقيبة الحريص على إرضاء فرنسا، مما جعله يحرص على توثيق العلاقات المتينة مع جبهة التحرير الجزائرية وتقديم المساعدات اللازمة لها، فلم تبخل تونس عن الثورة الجزائرية حيث كانت قاعدة خلفية للثورة وعبر أراضيها كانت تتدفق الأسلحة للجزائر، كما أصبحت أراضيها مراكز لجيش الحدود ومأوى لالاف المشردين من اللاجئين جراء تداعيات السياسة الاستعمارية.(5)
وظل السيد صالح بن يوسف يرى أن استقلال تونس يعتبر ناقصاً ما لم تستقل الجزائر، ورفض وضع السلاح، وأمر رجاله بأن يكونوا سنداً للثورة التحريرية، الأمر الذي عرّضه لاستياء الحكومة التونسية وخصوصاً عندما تعلق الأمر بنقل الأسلحة من مصر إلى الجزائر عبر تونس، مما أدى في الأخير إلى عقد اتفاق ثنائي بين الطرفين الجزائري والتونسي،(6) كما مر معنا.
2 ـ الغضب الفرنسي:
رغم قلة الدعم المادي التونسي للجزائر، إلا أن تونس لم تسلم من غضب السلطات الفرنسية التي اتهمتها بدعمها عسكرياً للثورة الجزائرية، وبررت هزائمها بالإعانة التونسية، خاصة بعد فشل خط موريس المكهرب والجهنمي على الحدود الشرقية بين الجزائر وتونس.
وقد حاولت السلطات الاستعمارية خلق قوة عسكرية مشتركة تونسية فرنسية لحراسة الحدود، الهدف منها ليس كبح جماح المجاهدين فقط وإنما تقييد حرية تونس عسكرياً وإخضاعها لإدارتها.
وانتقاماً لهذا الموقف راحت فرنسا تدمر القرى والمداشر وتقوم بأعمال وحشية يندى لها جبين البشرية، من أبرزها أحداث ساقية سيدي يوسف التونسية في 8 فبراير عام 1958م، حيث شنت القوات الفرنسية هجوماً جوياً قوامه ست وعشرون طائرة حربية، حصد أكثر من مائة «100» قتيل من المدنيين العزّل، وجرح أكثر من مائتين اخرين. وبررت قوات الاحتلال اعتداءها هذا بحق متابعة المتمردين عن إرادتها من الجزائريين في التراب التونسي.(7)
مراجع الحلقة السابعة والعشرون بعد الثلاثمائة:
(1) أحمد بن نعمان، جهاد الجزائر ص 307.
(2) مريم صغير، مواقف الدول العربية من القضية الجزائرية ص 147.
(3) المصدر نفسه ص 48.
(4) الطاهر جبيلي، الإمداد بالسلاح خلال الثورة الجزائرية ص 364.
(5) المصدر نفسه ص 365.
(6) المصدر نفسه ص 365.
(7) مريم صغير، مواقف الدول العربية، ص 149.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: