السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

من كتاب كفاح الشعب الجزائري، بعنوان:

ملامح النظام القضائي في الجزائر خلال العهد العثماني

الحلقة: الثالثة والعشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي


صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020

لقد كان الداي في الجزائر مصدر السلطة السياسية والقضائية، وفي إمكانه تفويض هذه السلطات إلى البايات والقضاة، لكن إذا كانت الأحكام التي يصدرها القضاة لا تحظى بموافقة الداي في الجزائر العاصمة أو موافقة الباي في مقاطعته، فإنه يكون بإمكان القائد السياسي أن يسحب هذا التفويض من القاضي أو الباي، وبما أن السلطان العثماني كان من المتعلقين بالمذهب الحنفي، وسكان الجزائر من المتعلقين بالمذهب المالكي، فقد جرت العادة أن يقوم السلطان العثماني بتعيين المفتي الحنفي ويقوم الداي بتعيين المفتي المالكي، وهذا معناه أنه كانت توجد في الجزائر محاكم خاصة بالمسلمين الذين ينتمون إلى المذهب الحنفي، ومحاكم أخرى خاصة بالسكان الذين ينتمون إلى المذهب المالكي، كما كانت توجد محاكم خاصة بالأسرى المسيحيين، ومحاكم أخرى خاصة باليهود، وفي حالة ما إذا كانت هناك خصومات بين المسيحيين والمسلمين فإن الداي هو الذي يفصل في هذه القضايا.
وفي القضايا المدنية «مثل البيع والشراء والإيجار والزواج والطلاق... إلخ» فقد كان الداي يفوض إلى القضاة لكي ينظروا في القضايا والمنازعات المعروضة عليهم، وتنفيذ الأحكام بسرعة، وكل مسلم يحق له أن يعرض نزاعه على القاضي الحنفي أو المالكي سواء كان جزائرياً أو فرنسياً أو مغربياً، وفي العادة يكون القاضي هو صاحب الكلمة الأخيرة في الموضوع، ويساعده في عمله أحد أعوانه، بالإضافة إلى كاتبين يقومان بتسجيل الأحكام وتوثيق العقود، وكذلك شاوش في المحكمة يتمثل دوره في المحافظة على الأمن خلال جلسات المحكمة، والإشراف على تنفيذ الأحكام التي يصدرها القاضي، ولم تكن الدولة هي التي تدفع مرتبات القضاة، وإنما يحصلون على رسوم ومبالغ مالية عن كل عقد يسجلونه ويضعون ختماً عليه. وفي القرى والمناطق النائية، كان القاضي يقوم بتدريب المساعدين له، ويرسلهم إلى القرى الصغيرة ؛ لكي ينظروا في القضايا المعروضة عليهم، ويصدروا الأحكام نيابة عنه، ويطلق على هذا الشخص اسم الوكيل.
وبالنسبة للطعن في أحكام القضاة، فقد جرت العادة أن ترفع الطعون إلى المجلس الشريف، الذي يضم القاضي المالكي والقاضي الحنفي، والمفتي المالكي والمفتي الحنفي، وفي كل يوم خميس يجتمع أعضاء المجلس في الجامع الكبير في الجزائر العاصمة، وينظرون في الطعون المقدمة إليهم داخل المسجد، أما إذا كان المتخاصمون من غير المسلمين، فإن القضاة يخرجون إلى صحن الجامع لكي يستمعوا إلى المشتكين.
أما بالنسبة للمسائل الجنائية «مثل القتل والسرقة والخيانة والتامر...إلخ» فقد كانت من اختصاص الداي أو الباي، وفي المسائل البسيطة فإن الداي يفوض للقيادة والشيوخ أو الباي لكي يعاقبوا المخالفين، أما القضايا الخطيرة فإن الداي أو الباي هو الذي يصدر الحكم، وفي دار السلطان أو العاصمة ونواحيها، فإن الداي يفوض خوجة الخيل لكي يحاكم العرب، والأندلسيون يحاكمون من طرف الكيخيا، والأتراك من طرف الاغا، وفي العادة توجد لدى الداي أو الباي مجموعة من رجال الأمن تتكون من (11) شاوش يرتدون اللباس الأخضر، وهم الذين يقومون بتنفيذ حكم الإعدام في المسلمين غير الأتراك وذلك أمام دار الحكومة، وبالنسبة لعملية الشنق فقد كانت تتم في باب عزون، أما العبيد فكانوا يشنقون أمام السجن الذين كانوا موقوفين فيه، والمسيحيون كانوا يشنقون، أما إعدام اليهود فكان يتم حرقاً في باب الواد، وإذا قام أي شخص بقتل أي تركي فإن العقوبة تكون برمي الفاعل من المرتفعات إلى البحر، وإذا لم يتم التعرف على القاتل فإن سكان الحي الذي توجد فيهالجثة يتعرضون لعقوبة جماعية.
وباختصار فإن الأتراك كانت لهم امتيازات مقارنة بالأهالي، حيث كانوا يعاقبون سراً في دار اغا الإنكشارية حتى لا تهان كرامتهم، أما بقية السكان فكانت الأحكام قاسية ومجحفة بالنسبة إليهم، وعند إدانتهم والحكم عليهم بالإعدام تعلق جثثهم أو تحرق حتى يكونوا عبرة لغيرهم من السكان، وبما أن القاضي ومساعديه لم يكونوا يتلقون رواتب حكومية ؛ فقد كانت الرشوة متفشية، والرسوم مرتفعة، والأحكام التي يصدرها القضاة أو الداي أو نوابهم في الأرياف لا رجعة فيها تقريباً.

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022