الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان
سرقات جيش الاحتلال وتعاون اليهود معه
الحلقة:الثامنة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ أكتوبر 2020
 
كتب المؤرخ الفرنسي جوليان عن يهود الجزائر: لقد استقبل يهود الجزائر المحتلين بالفرح، وعندما انتشر الجنود الفرنسيون في فوضى ينهبون المنازل، كان اليهود يوجهونهم نحو الأماكن التي بها ما ينهب، ويقومون بشراء ما نهبوا منهم بأبخس الأثمان.
1 ـ قصة هروب اليهود من الاضطهاد الأوروبي:
هؤلاء اليهود الذين هربوا من الاضطهاد الأوروبي إلى الجزائر ؛ اليهود «الشيكلين» من جزر البليار في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، واليهود «الكيبوسين» من إسبانيا في نهاية القرن الرابع عشر، وبخاصة بعد نهاية دولة بني الأحمر في غرناطة سنة (1492م)، ومن إيطاليا سنة (1342م) وسنة (1350م)، ومن فرنسا سنة (1403م)، ومن هولندا سنة (1350م)، ومن بريطانيا سنة (1422م)، واستقبلهم الشعب الجزائري بكرم، وأنقذهم من الإبادة في أوروبا، لكنهم قابلوا هذا الإحسان بالتنكر للجميل، فانضموا منذ دخول الفرنسيين لهم ضد مواطنيهم الجزائريين.
2 ـ مداهمة البيوت:
كان الجنود يداهمون المنازل فيجردون النساء من مصاغهن وملابسهن الثمينة، كانوا يجردون حتى الأطفال من ملابسهم، ومن السلاسل الذهبية التي كانت مدلاة في صدورهم، وقد شارك في النهب ضباط كبار جعل الضابط «لوفيردو» يعلق على ذلك في رسالة لزوجته فيقول: «لم أشاهد في حياتي أحقر مما تم» ورويت نوادر عن هذا النهب، فضابط اسمه ديمية أصيب بإفلاس وخسر كل ممتلكاته قبل ذهابه للجزائر، لكنه عاد من الجزائر ثرياً، وعندما سئل من أين أتى بهذا المال؟ أجاب: لقد ورثت زوجتي عن عمها ستة ملايين فرنك. وعلق على ذلك الموسيقار الإيطالي روسيني صاحب أوبرا الإيطالية في الجزائر، فأجابه ساخراً: أنا لا أعلم أن داي الجزائر عم زوجتك.
3 ـ صدمة أعيان الجزائر:
عندما دخلت الجيوش الفرنسية مدينة الجزائر ؛ قام قائد الحملة الفرنسية بورمون بطمأنة أعيان الجزائر، وإعطائهم انطباعاً بأن الجيش الفرنسي لن يبقى في الجزائر أكثر من ستة أشهر، وأكد بأن هذه هي نية الحكومة، وبأنه عندما يشرع في الجلاء فإنه سيترك البلاد بين أيدي أعيانها وتحت تصرفهم. وكان يقول كذلك إن الجزائر كانت من ممتلكات الباب العالي، وقد أحاط بعض الناس الذين كانوا يطمحون في الوصول إلى الحكم بالمارشال بورمون، وتقربوا إليه وأظهروا له إخلاصاً لا حدود له، لمواصلة مشاريعهم الجنونية، املين أنهم سيخلفون الفرنسيين فيما بعد.
لكن أعيان الجزائر الذين كانوا يشكلون طبقة غنية منحدرة من أهل البلاد ومن مهاجري الأندلس ؛ قد خاب أملهم في الفرنسيين حين أدركوا أن فرنسا جاءت لتبقى، وأن أموالهم وأراضيهم صودرت وأصبحت ملكاً للدولة الجديدة، وأن مساجدهم وزواياهم قد احتلت من طرف الجيش الفرنسي، أو تحولت إلى كنائس، وقد اندهشوا حين اكتشفوا أن السلطات الفرنسية تعطي عهد الأمان وتنقضه، وتقوم بعزل وطرد ونفي أولئك الذين قبلوا التعاون مع فرنسا بدعوى عدم القيام بالواجب، أو التامر لاستعادة الحكم الإسلامي أو الانضمام إلى الثائرين ضدها.
وبطبيعة الحال لم تكن لهم قوة كافية لمجابهة الفرنسيين، أو وسائل للضغط عليهم، وبالتالي استطاع الفرنسيون أن يشتتوهم بالنفي والمحاكمات وتسليط الطائفة اليهودية عليهم.
4 ـ جشاعة الفرنسيين:
تأكدت جشاعة الفرنسيين، وتهافتهم على الثروة وخيرات الجزائر، يوم هرع رجال الجيش الفرنسي إلى ذخائر قصر الدّاي والاستيلاء عليها، ثم تهريبها إلى فرنسا، ويستفاد من بعض المصادر التاريخية أن الفرنسيين قد استولوا على:
ـ (7) أطنان و(312) كيلو غراماً من الذهب «من قصر الدّاي».
ـ (108) أطنان و(704) كيلو غرامات من الفضة «من قصر الدّاي».
ـ (24700000) فرنك وهي قيمة الذهب الموجود بالخزينة الجزائرية.
ـ (80000000) فرنك فرنسي من العملات الأجنبية الموجودة بالخزينة.
ونستخلص من بعض الوثائق أن ضباط الحملة الفرنسية قد اختلسوا لأنفسهم ما قيمته (50) مليون فرنك فرنسي، واكتفوا بتسليم ما يعادل ذلك للحكومة الفرنسية، وقد أرسلت هذه الأموال والثروات الجزائرية في صناديق خاصة إلى فرنسا على ظهر بواخر فرنسية، وتبلغ قيمة المبلغ الإجمالي لهذه المسروقات (452،794،868،4) فرنكاً فرنسياً.
5 ـ تجريد الجزائريين من أراضيهم:
قرر قادة الجيش الفرنسي انتهاج سياسة احتلال الجزائر، وتجريد الجزائريين من أراضيهم، وقد قام بهذه العملية الجنرال «كلوزيل» وهو أول جنرال يعين حاكماً عاماً للجزائر من شهر (سبتمبر 1830م) إلى غاية (فبراير 1831م). ففي هذه الفترة تقرر أن يتم تنحية باي التيطري، واقترح على باي تونس أن يعين أحد أشقائه باياً على وهران، واخر يعين باياً على قسنطينة، وبذلك يتعاون معه باي تونس على التخلص من أية مقاومة جزائرية في شرق البلاد أو غربها، كما قام هذا الحاكم العام بمحاولة مع التجار والفلاحين الفرنسيين لإقناعهم بالقدوم إلى الجزائر والاستيلاء على الأرض وزرع العنب فيها، والبحث عن الذهب في المناجم الجزائرية.
وعندما باءت هذه المحاولة بالفشل قرر أن ينتهج سياسة الاستيلاء على الأراضي الجزائرية الخصبة وتسليمها للمهاجرين الأوروبيين، وبذلك تجد الحكومة الفرنسية نفسها مضطرة لاحتلال الجزائر بصفة نهائية، وتقديم المساعدة المالية للمستوطنين الفرنسيين في الأرض المحتلة في الجزائر.
ولهذا قام بإصدار قرار في الشهور الأولى من احتلال الجزائر يقضي بتسليم الأراضي للمعمرين، ونتيجة لذلك أصبحت مرسليا زاخرة بالتجارة والأموال المتدفقة عليها من الجزائر، وباختصار فإن ضعف الحكومة الفرنسية، وغموض سياستها في الجزائر، قد دفع بالمعمرين أن يلتجئوا إلى الدسائس والمؤامرات، وطرد أية شخصية مدنية أو عسكرية تحاول الحد من سلطة المستوطنين الأوروبيين، أو تسعى لمراقبتهم أو الحد من سيطرتهم، وقد أحرزوا نجاحاً هائلاً في خططهم إلى درجة أنهم استطاعوا شراء أغلب أراضي متيجة في سنوات قليلة، كما أن بعض الموظفين الفرنسيين نالوا مراتب عالية في الإدارة، في حين أنهم لو بقوا في فرنسا لن يلتفت إليهم أحد، وكان شعار الغزاة والمستعمرين الجدد أن العربي في نظرهم ما هو إلا حيوان مخلوق، وهو ممتلأئ بالتعصب الإسلامي، ولا يمكن وقفه عند حده إلا بالقوة.
6 ـ احتلال مصحوب بأعمال تدميرية وإجرامية:
سجل كثير من الضباط فظائع جيش الاحتلال، فبيليسية وصف احتلال مدينة الجزائر بقوله: أكثر احتلال تم في فوضى يفوق ما تم في أكثر القرون بربرية هو احتلال الجزائر.
وفي رسالة وجهها الجنرال بيرتوزان لوزير الدفاع بتاريخ (29/10/1831م) قال مشخصاً فظائع الاحتلال: عندما جئت إلى هذه الشواطأئ نصف المتمدنة فكرت في أن واجبي أن أشرف اسم الفرنسي وحكومة الملك.. إنني أعترف لك بصراحة بأنني أعتقد بأنه لم يحدث في أي زمان من العهد التركي، أن مر سكان هذه المناطق بهذا الإنكار للعدالة مثل الذي تحملوه على أيدينا، لم أتمكن من إصلاح هذا الوضع، لأن تفاصيل كثيرة لم أستطع السيطرة عليها، بسبب عدم وجود شخص واحد بين مرؤوسيِّ له إرادة لجعل العدالة تنتصر، وكم من مرة تملكني الخجل من رؤيتي للأخلاق الفرنسية تتدهور في حضور العالم المتمدن الذي يراقبنا من خلال قناصل دوله، وحتى أمام هؤلاء الأفارقة الذين نحتقرهم والذين يتمتعون بروح رفيعة، لقد كتبت لكم مراراً أننا لم نأت هنا إلا لنهب الثروات العمومية والخاصة.
ويصف الضابط بيليسية دو ربينو البؤس الذي صار فيه سكان مدينة الجزائر فيقول: لا يوجد أي واحد يريد أن يتعمق في أسرار هذه الالام ؛ أطفال بؤساء يمدون أيديهم متسولين، وفتيات يائسات في سن الزواج دفعهن الجوع إلى الدعارة، لا أحد يبحث عن أسباب هذه الآلام.
وقد اعترف «اليكسيس دي طوكفيل» في كتاب عنوانه دراسة عن الجزائر بتلك السياسة قائلاً: لقد سمعت مرات عديدة في فرنسا أناساً أحترمهم ولا أوافقهم، يستنكرون إحراق المحاصيد وإفراغ المطامير، والاستيلاء على رجال بدون سلاح، وعلى نساء وعلى أطفال، لكن هذه الأعمال ضرورية لأي شعب يريد محاربة العرب.. إن قانون الحرب يرخص لنا تدمير البلد، ونقوم بذلك عن طريق إتلاف المحاصيد، وعن طريق الهجومات التي تسمى غزوات، والتي تستهدف الاستيلاء على الأشخاص وعلى القطعان.
إن المقدم «لوسيان فرانسوا دي مونطانياك» يروي في كتابه «رسائل عسكري في الجزائر» من عام (1837م إلى 1845م) أن المشير «بيجو» صرّح أمام الضباط المجتمعين: «إن الحرب التي سنشنها ليست حرباً بالبنادق، لن نستطيع أن نتغلب نهائياً على العرب، إلا عندما ننتزع منهم الموارد التي يمنحها إياهم التراب».
أما المشير «سانت أرنو» فإنه يفتخر في رسائله بأنه ترك مروره عبر بلاد القبائل حريقاً واسعاً ؛ بحيث أحرقت كل القرى وعددها (200) تقريباً، أحرقت حدائقها وقُطعت أشجار الزيتون فيها.
وكتب العميد «برتيزان» بعد قيادته جيوش الحملة الحربية (يناير 1831م إلى 6 ديسمبر 1831م): ما أكثر الأعمال التدميرية والسرقات، لقد حطمت الجيوش كل شيء في ضواحي الجزائر، وأحرقت الأشجار ودمرت الديار، فالمسلمون واجهوا مجموعات تعتبر أرذل الناس في البحر المتوسط، وأكثرهم فقراً وأسفلهم أخلاقاً.
قتل المقدم «لوسيان فرانسوا دي مونطانياك» في معركة سيدي إبراهيم في (سبتمبر 1847م) لكنه كاتب قبل موته صديقه قائلاً: هكذا يا صديقي ينبغي أن تقام الحرب ضد العرب، يجب قتل كل الأطفال، ونقلهم على متن سفن إلى جزر «ماركيز» أو إلى أماكن أخرى، بكلمة واحدة يجب قتل كل من لا يركع أما أرجلنا مثل الكلاب. هذا معناه إبادة، لم يتورع سانت أرنو عن ذكر الكلمة فكتب «هذه هي الحرب في إفريقيا، نتعصب بدورنا فتتحول إلى حرب إبادة».
ولقد تم تقتيل أولاد رياح في جبال الظاهرة شرق مستغانم، لقد فر السكان إلى مغارات خوفاً من وحشية جيوش العقيد «جان جاك بيليسي»، إلا أن هذا الأخير أمر بإشعال النار في كل مخارج المغارة، حتى مات بالاختناق ألف شخص رجالاً ونساء وأطفالاً. هذه الجريمة النكراء غطاها رئيس مجلس الوزراء المشير «سولت» مصرحاً: إن فعلاً مثل هذا ينتمي إلى الحرب، ولم تتخذ عقوبات ضد العقيد بيليسي، بل رُقي إلى منصب سفير في بريطانيا العظمى، ثم منصب حاكـم عام للجزائر من سنة (1861م) إلى سنة (1864م).
إن تقتيل قبيلة أولاد رياح لم يكن وحيداً. فالعقيد بيليسي يُقر للمشير «بيجو» بأنه حذا حذوه ووصف له كيف أشعل النار، وقد فعل «سانت أرنو» في بلاد القبائل مثلما فعل «بيليسي» في جبال الظاهرة، ففي الرسالة المؤرخة في (15 أوت 1845م) يروي أنه كان يحاصر القبيلة ويغلق عليها كل المخارج ثم يشعل النار فتتحول القرية إلى مقبرة تسع لـ (500) لص.
و«ألفونس دي لامارتين» الشاعر الذي كان نائباً بالمجلس الوطني تدخل في المداولات قائلاً: من بين (000،7) نسمة «نساء وأطفال وشيوخ وجنود عرب» هل تعلمون عدد الذين وصلوا أحياء إلى الحراش ثلاثة الاف، أما الباقي فإنه مات منهوكاً في الطريق، وإنه يضيف في (15 ماي 1845م): كل الناس الساكنين في قرية بجبال الجرجرة قُتلوا بالسيوف عندما خرجوا للقتال، أما باقي السكان فقد أحرقوا تحت السقوف التي أضرمنا فيها النيران.
ويكتب «دي مونطانياك» يوم (20 ديسمبر 1844م): إن رأس عربي مقطوع له تأثير أكثر من موت خمسين شخصاً، ولقد فهمت هذا منذ زمان فقليلاً ما كان يفلت أحد من يدي.
ويذكر «موريس هيريسون» أن اذان العرب قيمة كل زوج منها (10) فرنكات، أما النساء فإنهن بقين صيداً مفضلاً.
بالنسبة إلى النساء يفصّل «دي مونطانياك» الموضوع قائلاً: البعض من النساء يبقى كرهائن، والبعض يُبدل بها أحصنة، والبعض الاخر يباع بالمزايدة مثل الحيوانات. هكذا نفعل بهذا البلد «الجزائر» بالأزهار التي نجعلها تتفتح لتنوير حياتنا.
وقد ذكر حمدان خوجة في مذكراته منظراً غير إنساني، وهو التفريق بين الأتراك وزوجاتهم الجزائريات وأولادهم، وذلك طبقاً لتعاليم المشير «دي بورمون» يروي حمدان خوجة: إن بعض الجنود الفرنسيين كانوا يحولون أنظارهم تأثراً بمشهد إركاب الأتراك بالقوة لإبعادهم من الجزائر وعن الجزائر وعن أسرهم.
ونقل الشاعر المشهور «فكتور هوغو» كلاماً يقال في الصالونات يوم (15 أكتوبر 1852م) ذكر العميد لوفلو أنه في المعارك كان بعض الجنود الفرنسيين يلقون نحو رفاقهم أجساد أطفال يسقطون على حرابهم، وقد كان المسلمون متابَعين حتى في المقابر ؛ إذ كانت عظامهم تحرق لصنع فحم العظام أو كانت تستعمل لتصفية السُكّر.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022