(نجاح الانقلاب العسكري الديغولي)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 373
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1444 ه/ ديسمبر 2022م
أصبح الجنرال «ديغول» رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للدفاع الوطني في نفس الوقت. وقد رحب قادة الجيش ـ وعلى رأسهم الجنرال «راؤول سالان» ـ
بهذا التعيين، وهللوا للانتصار الذي حققوه، لقد اعتبروه عودة إلى الشرعية. أما المدنيون فإنهم لم يخفوا استغرابهم لما يحدث حولهم، واعتبروا أنفسهم مخدوعين، وتواصوا بالحيطة والحذر. والواقع أن قادة الجيش قد قاموا بانقلاب عسكري وأطاحوا بالجمهورية الفرنسية الرابعة، وذلك بالتعاون مع القادة الأوربيين المتمردين في الجزائر، والديغوليين الذين تمكنوا من التسرب في الجيش منذ شهر مارس 1958م، وكوَّنوا خلية عسكرية وخططوا لإعادة ديغول إلى الحكم من جديد.
وقد كان هدف المستوطنين الأوربيين من المشاركة في الانقلاب فرض حكومة جديدة يثقون بأنها ستدافع عن مصالحهم وتساعدهم في تحقيق رغباتهم، وترفض التفاوض مع جيش وجبهة التحرير الوطني الذي هدد كيانهم، وبذلك يكونون قد برهنوا مرة أخرى على مدى قدرتهم على التحكم في السياسة الفرنسية، وتوجيهها الوجهة التي تخدم أغراضهم، أما هدف الديغوليين من الانقلاب، فيتمثل في إعادة زعيمهم الجنرال ديغول إلى الحكم.
وفيما يخص الجيش، فإن هدفه الأساسي من الانقلاب يتمثل في استعادة مجده وسمعته بعد أن ضيعهما نتيجة انهزامه في كل من الهند الصينية وتونس والمغرب.
وبالنسبة لمواقف الأحزاب السياسية من الانقلاب، فقد أبدى قادتها شعوراً بالارتياح لمجيء الجنرال «ديغول» رئيساً جديداً للحكومة الفرنسية، فقد رأوا في ذلك فرصة لوضع حد لحرب الجزائر التي أرهقت فرنسا مالياً، وحل الأزمة السياسية والعسكرية القائمة، ثم ترك المجال لها بعد الانتهاء من المهمة التي كلفت بها.
وفيما يتعلق بقادة جيش وجبهة التحرير الوطني، فإنهم قد تلقوا خبر تعيين الجنرال ديغول رئيساً جديداً للحكومة الفرنسية بيقظة وحذر شديدين، ذلك لأنهم لم ينسوا أن هذا الرجل هو مدبر مجزرة 8 ماي 1945م، مقابل التضحيات الجسام التي قدمها الجزائريون خلال الحرب العالمية الثانية، لهذا، فإن قادة جيش وجبهة التحرير الوطني قد سارعوا إلى استراتيجية دقيقة، تستهدف إعلاء مكانتها وتوطيد ثقة الجزائريين بقدرتها على مقاومة أية حكومة فرنسية مهما كانت قوتها.
غير أن أحلام كل أولئك الذين تعاونوا فيما بينهم من أجل إعادة الجنرال تبددت، فالسياسة التي عمل على اتباعها بعد توليه الحكم فاجأت الجميع وخيبت امالهم، ذلك لأن الاستراتيجية الجديدة للثورة الجزائرية قد كان لها تأثير كبير في الحياة السياسية في فرنسا، وإذ أصبحت هي التي تتحكم في مصير سياستها وأمنها، فقد قررت جبهة التحرير الوطني فتح «جبهة قتال» ثانية في فرنسا نفسها، مهمتها نقل الثورة إلى هناك، وقد عرفت كل المدن الفرنسية سلسلة من العمليات الفدائية، اندلعت في وقت واحد يوم 24 أوت 1958م في كل القطر الفرنسي.
وهكذا كلما جاءت حكومة فرنسية إلى الحكم، وأرادت أن تبرز قوتها للثوار عن طريق برامجها الإصلاحية، التي تقوم أساساً على توفير كل الوسائل المتاحة لقمع الثورة الجزائرية والقضاء عليها قبل إحداث إي إصلاح سياسي، إداري، أو اجتماعي، اقتصادي ؛ إزداد الثوار قوَّة واقتناعاً بأن التصعيد في الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة للحصول على الاستقلال الكامل، وأنه لا بد من الاستمرار في البحث عن استراتيجية قتل، تجعل الجيش الفرنسي بكل فرقه المجندة، وبكل قواعده العسكرية، واقعاً تحت الضربات القاضية للثورة الجزائرية( (1).
مراجع الحلقة الثالثة و السبعون بعد الثلاثمائة:
(1) التنظيم الإداري والسياسي للثورة ص 298.