(تولي الجنرال ديغول السلطة)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 372
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الأول 1444 ه/ ديسمبر 2022م
عندما تأكد الجنرال «ديغول» أن العسكريين قد قرروا الإطاحة بالحكومة الفرنسية بالقوة، أصدر بياناً أعلن أنه بصدد تكوين حكومة جمهورية قادرة على حماية وحدة واستقلال الوطن.. وبأنه يأمل من القوات العسكرية البرية والبحرية والجوية أن تلتزم بأوامر قادتها، لكن رئيس الحكومة الفرنسية «فليملان» أبدى استياءه من ذلك البيان، خاصة وأنه لم يعده في لقائهما الأخير بالتخلي له عن السلطة.
وفي 28 ماي 1958م، قرر رئيس الحكومة الفرنسية اقتراح عقد اجتماع لمجلس الوزراء، اعترف من خلاله لأعضاء المجلس بأنه من المستحيل تجنب حرب أهلية إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه، والحل الوحيد في رأيه يكمن في التنازل عن السلطة للجنرال «ديغول» بطريقة سلمية وشرعية. وهكذا قرر «فليملان» تقديم استقالة حكومته لرئيس الجمورية «روني كوتي»، الذي رحب بها وقبلها على الفور، لأنها تعتبر المخرج الوحيد من الأزمة التي تتخبط فيها فرنسا.
وبالتالي العدول عن فكرة القيام بثورة على نظام الحكم الفرنسي القائم، ويلاحظ أن رئيس الجمهورية الفرنسية قد تلقى في نفس اليوم برقية من قادة الجيش في الجزائر، أخبروه فيها بأنهم سيشرعون في تنفيذ مخططهم في 30 ماي 1958م، فما على رئيس الجمهورية إلا الاختيار بين تسليم السلطة للجيش بطريقة شرعية، وإلا فإنهم سيقومون بالاستيلاء عليها بالقوة وعن طريق الثورة.
وفي 29 ماي 1958م، ازدادت الأزمة السياسية ـ العسكرية حدة، ولم يُخفِ رئيس الجمهورية الفرنسية الرابعة تخوفه من اندلاع حرب أهلية، فقرر التدخل من أجل حماية الجمهورية، حيث وجه رسالة مساء ذلك اليوم نفسه إلى كل من رئيس المجلس الوطني «أندري لو تروكي» ورئيس مجلس الجمهورية «غاستون مونرفيل»، يدعوهما فيها إلى التفاوض فيما بينهما من أجل تسليم السلطة بطريقة سلمية وشرعية للجنرال «ديغول». كما أطلعهما أنه في حالة فشل هذا التفاوض، ورفض تعيين الجنرال «ديغول» كرئيس للحكومة مع إعطائه «سلطات مطلقة» لإدارة شؤون البلاد، ومنحه صلاحيات خاصة لتسيير شؤون الجزائر ؛ فإنه سيقدم إستقالته من رئاسة الجمهورية.
وفي مساء ذلك اليوم دائماً ـ أي: يوم 29 ماي 1958م استقبل رئيس الجمورية «روني كوتي» الجنرال «ديغول» وطلب منه أن يتولى رئاسة الحكومة، ولكن في إطار الشرعية دائماً بحيث ينبغي عليه أن يقف أمام نواب البرلمان الفرنسي للموافقة على تعيينه رئيساً جديداً للحكومة الفرنسية. وقد وافق الجنرال ديغول على هذا الطلب، ولكنه اشترط أن يمنحه البرلمان الفرنسي السلطات المطلقة لتسيير شؤون البلاد، وصلاحيات دستور 1946م قصد وضع أسس متينة لسلطة تنفيذية قوية.
ولتحقيق ذلك، اشترط الجنرال ديغول تجميد دور البرلمان وتأجيل اجتماعاته لمدة 6 شهور، وفي الفاتح من شهر جوان 1958م وقفت حكومة الجنرال «ديغول» أمام المجلس الوطني الفرنسي الذي منحها الثقة بأغلبية 329 صوتاً ضد 224 صوتاً( (1).
مراجع الحلقة الثانية و السبعون بعد الثلاثمائة:
(1) التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 396.