من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان
(ظهور المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي)
الحلقة: الحادية والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ أكتوبر 2020
إن الشخصيات البارزة في الجزائر العاصمة، أو أعيان المدينة، لم تكن لهم قوة يضغطون بها على الجيش الفرنسي، وقد كانت الشخصيات المرموقة معزولة عن أبناء البلد، وينتمي معظم أعيان البلد إلى مهاجري الأندلس، أو طبقة غنية تملك الأرض في سهل متيجة وتسيطر على التجارة، ولهذه الأسباب لم يتحالف الفرنسيون المحتلون مع الشخصيات البارزة في الجزائر، سواء كانوا أتراكاً أو عرباً، وإنما قاموا بنفي وطرد الأتراك إلى بلدهم الأصلي، وذلك بدعوى أنهم يقومون بمؤامرات ضد الفرنسيين في الجزائر، وهذا بالرغم من التزام الفرنسيين في معاهدة الاستسلام بأن الأتراك يعتبرون من سكان المدينة، وفي إمكانهم البقاء في الجزائر.
وبالنسبة لغير الأتراك، فإن فرنسا قد عمدت إلى انتهاج سياسة تشتيتهم، ونفيهم، وتسليط الطائفة اليهودية عليهم، ومما فتح أعينهم أكثر على الخطأ الذي وقعوا فيه حين تعاونوا مع قوات الاحتلال ؛ هو عزل وطرد ونفي أولئك الأشخاص الذين قبلوا التعاون مع فرنسا، وذلك بدعوى عدم القيام بالواجب، أو التامر لاستعادة الحكم الإسلامي، أو الانضمام إلى الثائرين ضدها.
وحسب بعض المصادر الموثوق بها، فإن قائد الجيش في الجزائر «كلوزيل» قد طلب من أعيان مدينة الجزائر قائمة بأسماء العائلات الكبيرة في المدينة، وذلك لكي يختار منها باياً جديداً على ولاية التيطري خلفاً لباي التيطري مصطفى بو مزراق ؛ الذي رفض الخضوع لسلطة فرنسا وأعلن نفسه باشا ورئيساً للإيالة.
وبالفعل ففي تاريخ يوم (23 نوفمبر 1830م) قام الجنرال كلوزيل بتعيين مصطفى بن عمر، وهو ابن خال زوجة حسين باشا باياً على التيطري، وكان هذا الشخص قليل المبادرة، ولم تكن له قدرة لا على التنظيم ولا على الحكم، كما أن الجنرال كلوزيل أمره عند تعيينه أن لا يغير شيئاً من الإدارة السابقة، وأن يعمل كأنه باي قديم.
ولهذا فقد وجد الباي الجديد نفسه وجهاً لوجه مع السكان، ولا يملك أي جيش يساعده على تدعيم سلطته، لكن عليه أن يقوم بجمع الضرائب على الطريقة التي كانت تجمع بها في عهد الأتراك، وبكل بساطة رفض سكان المدينة أن يدفعوا الضرائب، ولم يكن لهذا الباي الوسائل لإرغامهم على ذلك، والمشكل هنا أن الباي قد حاول أن يعتمد على سكان مدينة المدية، لكنه فشل في ذلك، وعندما تصاعدت المقاومة ضد فرنسا والباي الجديد في التيطري طلب مصطفى بن عمر النجدة من القائد الفرنسي الجديد ؛ الذي قرر إنهاء مهامه وجلبه معه إلى الجزائر، حيث حاول أن يبعث به إلى وهران ويعينه باياً عليها، لكن الجنرال «بواي» الذي كان مسؤولاً عن تلك الناحية رفض التعاون مع الباي المخلوع، وهكذا قام الجيش الفرنسي بتعيين حمدان بن أمين السكة ابن مصطفى بن عمر اغا العرب.
وكان الفرنسيون يتوقعون من اغا العرب أن يكسب ود وصداقة العرب، وأن يتعرف على المشاريع التي يفكرون فيها، ولكنه لم يفعل فكثرت الثورات، وواجه الفرنسيون اضطرابات لم يتوقعوها، ونتيجة لذلك قام الجيش الفرنسي بعزله يوم ( 7 جانفي 1831م ) وإبعاده إلى فرنسا خوفاً من أن يشترك في مؤامرة ضد السلطات الفرنسية، أو يتعاون مع القبائل العربية ضد قوة الاحتلال الفرنسي، وباختصار فإن الفرنسيين قد استخدموا الباي وابنه ثم تخلوا عنهما، ثم قاموا بنفيهما إلى فرنسا والتخلص منهما، مثلما تخلصوا من مصطفى بو مزراق عن طريق أسره يوم (23 نوفمبر 1830م) في الجزائر العاصمة.
وما يمكن أن نستخلصه مما تقدم أن استسلام حسين باشا، وتوقيع معاهدة السلام، والخضوع لفرنسا يوم (5 جويلية 1830م) لم تكن هي نهاية المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، بل بداية لمقاومة شعبية واسعة من أبناء الجزائر المجاهدين.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com