السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

(إصلاحات عمر بن عبد العزيز في الحدود)

الحلقة: 184

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1442 ه/ مارس 2021

1 ـ أهمية إقامة الحدود:

حيث إن إقامة الحدود سبب في حفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، واستتباب الأمن في بلادهم، فقد أكد عمر بن عبد العزيز على إقامة الحدود حتى جعلها من حيث الأهمية كإقامة الصلاة والزكاة، فقد كتب عمر بن عبد العزيز: إن إقامة الحدود عندي كإقامة الصلاة والزكاة.

2 ـ في منع الرجوع عن الحدود بعد بلوغها الإمام:

ذهب عمر بن عبد العزيز إلى مسائل الحدود إذا رفعت إلى الإمام أو القاضي؛ فإنها تكون قد بلغت حداً لا يمكن الرجوع فيه، بل يجب تنفيذ ما ثبت من الحدود.

3 ـ في اجتماع أكثر من حد على رجل واحد:

قد يأتي الرجل بعدة جرائم قبل أن يقام عليه الحد؛ مثل: أن يزني ويسرق ويقتل، فهل القتل كافٍ عن الحدود الأخرى فيأتي عليها؟ أم أنها تقام عليه الحدود ثم يقتل؟ إن الرواية عن عمر بن عبد العزيز تدل على أنه يقيم عليه الحدود أولاً ثم يقتله.

4 ـ في عدم القطع أو الصلب إلا بعد مراجعة الخليفة:

رأى عمر بن عبد العزيز أن على الولاة مراجعة الخليفة في قضايا القتل والصلب، وأن لا يُقتل أحد ولا يُصلب إلا بعد موافقة الخليفة على ذلك.

5 ـ يشترط في المقذوف لحدِّه أن يكون مسلماً:

ذهب عمر بن عبد العزيز إلى أنه لا حد في قذف كافر، وذلك لأن الكفر أكبر من الزنى المقذوف به، فلا حاجة إلى إثبات براءته من هذا الذنب ما دام فيه أكبر منه وهو الكفر، فعن طارق بن عبد الرحمن ومطرف بن طريف قالا: كنا عند الشعبي، فرفع إليه رجلان، مسلم ونصراني، قذف كل واحد منهما صاحبه، فضرب النصراني للمسلم ثمانين، وقال للنصراني: لَمَا فيك أعظم من قذف هذا، فتركه، فرفع ذلك إلى عبد الحميد بن زيد، فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز فذكر ما صنع الشعبي، فكتب عمر يحسِّن ما صنع الشعبي. هكذا يرى عمر بن عبد العزيز: أنه لا حد على قذف الكافر إذ ليس بعد الكفر ذنب، ولأن الكافر فيه الكفر وهو أكبر مما قذف به، إذ لو وجد فيه الزنى فهو أقل من الكفر، إذن فلا حد على من قذف الكافر.

6 ـ عدم سقوط الحد بقذف الرجل ابنه:

إذا قذف الرجل ابنه، فهل يقام عليه الحد أم لا يقام؟ وهل من حق الأب على ابنه أن يقذفه بما ليس فيه؟ وإذا كان عليه حد؛ فهل يسقط عنه إذا عفا الابن؟ ذهب عمر بن عبد العزيز إلى أن من قذف ابنه يقام عليه الحد، إلا أنه إذا عفا الولد عن والده فلا يقام عليه الحد، فعن ابن جريج قال: أخبرني رزيق ـ صاحب أيلة ـ أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل افترى على ابنه، فكتب بحد الأب إلا أن يعفو عنه ابنه.

7 ـ عقوبة قذف النصرانية تحت المسلم:

إذا كانت النصرانية تحت مسلم، ونظراً لأن قذفها يتعدى لزوجها المسلم أو ابنها المسلم؛ فإن عمر بن عبد العزيز يجلد من قذفها دون الحد. فعن أبي إسحاق الشيباني عن عمر بن عبد العزيز في رجل قذف نصرانية لها ولد مسلم، فجلده عمر بضعة وثلاثين سوطاً. وقد وافق عمر بن عبد العزيز في رأيه هذا الزهري، وقال قتادة: يجلد الحد. وقد اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على أنه لا يحد، وأما المالكية فقالوا: ينكل به من أجل أولادها المسلمين.

8 ـ قذف المرأة للرجل بنفسها:

عن عمر بن عبد العزيز: أنه أتته امرأة فقالت: إن فلاناً استكرهني على نفسي، فقال: هل سمعك أحد أو راك؟ قالت: لا، فجلدها بالرجل. هذه مسألة لا تتناول عقوبة الزنى، وإنما هي خاصة بالقذف، فالمرأة التي تدَّعي على الرجل أنه استكرهها على الزنى، هي بكلامها هذا تعتبر قاذفة له بنفسها، وعليها حد القذف إلا أن تأتي ببينة تدرأ عنها هذا الحد، فسماع صياح المرأة هو عند عمر بن عبد العزيز يعفيها من حد القذف، أو أن يكون أحد رآها، وقد وافق عمر بن عبد العزيز في جلدها إن لم يكن لها بينة وافقه، الزهري وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري.

9 ـ قطع السارق قبل خروجه بسرقته:

ذهب عمر بن عبد العزيز بأنه لا قطع على السارق حتى يخرج بسرقته، فعن عمر بن عبد العزيز قال: لا يقطع حتى يخرج بالمتاع من البيت.

10 ـ النباش سارق يستحق القطع:

إن من الناس من يأتي أموراً تشمئز منها النفوس، حتى الميت في قبره لم يسلم من بعض المنحرفين، فهناك سارق يحفر القبر ويأخذ أكفان الميت، وهذا عمر بن عبد العزيز يرى أن النباش سارق يستحق القطع، لأن من سرق من الأموات كمن سرق من الأحياء، فعن معمر قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قطع نباشاً.

11 ـ عقوبة شرب الخمر للمرّة الثانية:

عن عبادة بن نسي قال: شهدت عمر بن عبد العزيز يضرب رجلاً حداً في خمر، فخلع ثيابه ثم ضربه ثمانين رأيت منها ما بضع ومنها ما لم يبضع، ثم قال: إنك إن عدت الثانية ضربتك ثم ألزمتك الحبس حتى تُحدث خيراً. قال: يا أمير المؤمنين! أتوب إلى الله أن أعود في هذا أبداً، فتركه عمر.

12 ـ عقوبة ساقي الخمر:

إن من يوفِّر الخمر أو يقدمها لمن يشربها ينبغي أن لا تقل عقوبته عن شاربها؛ لأنه تسبب في إيصالها لمن يشربها،
ولذلك فقد جلد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ساقي الشراب مع الذين يشربون، فعن ابن التميمي: أن عمر بن عبد العزيز وجد قوماً على شراب، ووجد معهم ساقياً، فضربه معهم.

13 ـ إتلاف أواني الخمر مع الخمر:

عن هارون بن محمد عن أبيه قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يأمر بزقاق الخمر أن تشقق وبالقوارير أن تكسر.

14 ـ إدخال الكفار الخمر إلى بلاد المسلمين:

إذا كان الكفار يعتقدون حل الخمر ويشربونها في بلادهم، فإذا جاؤوا إلى بلاد المسلمين ومعهم الخمر؛ فهل يسمح لهم بدخولها معهم؟ أو يسمح بتوفيرها لهم ليشربوها في بلاد المسلمين؟ إن على الكفار في بلاد المسلمين أن يصبروا عن الخمر ما داموا يرغبون في العيش في بلاد المسلمين، وإذا كان لكل دولة نظمها والداخل إليها يجب أن يراعيها، ولأن هذا نظام دولة الإسلام وهو أيضاً نظام رب العالمين فهو أحق بالرعاية والالتزام، ومن هذا المنطلق نجد عمر بن عبد العزيز يمنع أهل الذمة من إدخال الخمر معهم إلى بلاد المسلمين؛ فقد كتب عمر في خلافته: أن لا يدخل أهل الذمة بالخمر أمصار المسلمين، فكانوا لا يدخلونها.

15 ـ في عقوبة الساحر:

عن همام عن يحيى: أن عامل عُمان كتب إلى عمر بن عبد العزيز في ساحرة أخذها، فكتب إليه عمر: إن اعترفت أو قامت عليها البينة فاقتلها. وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة ومالك وأحمد، وقد كتب عمر بن الخطاب في خلافته إلى الولاة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة.

16 ـ استتابة المرتد:

المسلمون لا يكرهون أحداً على الإسلام، ولكنهم أيضاً لا يقبلون التلاعب بالدين، فمن دخل في دين الإسلام طائعاً مختاراً، أو ولد في الإسلام ثم كفر بعد إيمانه، فإن عمر بن عبد العزيز يرى أن يستتاب ويدعى إلى الإسلام ثلاثة أيام، فإن تاب ورجع إلى الإسلام قبل منه، فإن أبى ضربت عنقه.

17 ـ طريقة استتابة المرتد:

عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه، قال: كنت عاملاً لعمر بن عبد العزيز، فكتبت إليه أن رجلاً كان يهودياً فأسلم، ثم تهوَّد فرجع عن الإسلام، فكتب إليَّ عمر: أن ادعه إلى الإسلام، فإن أسلم فخل سبيله وإن أبى فادع بالخشبة فأضجعه عليها، ثم ادعه، فإن أبى فأوثقه ثم ضع الحربة على قلبه ثم ادعه، فإن رجع فخلِّ سبيله وإن أبى فاقتله. قال: ففعل ذلك به حتى وضع الحربة على قلبه، فأسلم فخلى سبيله. قال الدكتور محمد شقير: لم أر قولاً لغير عمر بن عبد العزيز بهذا التفصيل، وذهب الأئمة الأربعة إلى أن المرتد يقتل بعد استتابته إذا لم يرجع إلى الإسلام.

18 ـ عقوبة المرتدة:

رأى عمر بن عبد العزيز أن تستتاب المرتدة، فإن تابت وإلا تسترق وتباع على غير أهل دينها. وهذا رأي قتادة قال: تُسبى وتباع، وكذلك فعل أبو بكر بنساء أهل الردة، وروي عن الحسن قال: لا تقتلوا النساء إذا هنّ ارتددن عن الإسلام، ولكن يدعين إلى الإسلام، فإن هن أبين سبين فيجعلن إماء المسلمين ولا يقتلن.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022