الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

الإمام محمد ابن شهاب الزهري في عهد هشام والدولة الأموية


من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 206

بقلم: د. علي محمد الصلابي

رمضان 1442 ه/ إبريل 2021

هو الإمام محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الأصغر بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الزهري القرشي المدني، يكنى بأبي بكر، ويعرف بالزهري، كما يعرف بابن شهاب نسبة إلى جد جده شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة، وإذا أطلق العلماء لفظ الزهري أو لفظ ابن شهاب فلا ينصرف هذان اللفظان إلا إليه لغلبتهما عليه دون غيره.

1 ـ علومه ومعارفه:

أ ـ الزهري وعلوم القرآن:
كان الزهري أحد أعلام التابعين الذين حفلت أمهات كتب الحديث والتفسير بالرواية عنهم فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم وسائر علومه، فقد رويت عنه روايات كثيرة في التفسير والقراءات ونزول القرآن وأسباب نزوله، وجمعه وناسخه ومنسوخه، ومكيه ومدنيه، وغير ذلك مما يتعلق به من مباحث وعلوم، وقد ذكر الدكتور حارث سليمان الضّاري أمثله على ذلك.
ب ـ الزهري والفقه:
يعد الإمام الزهري من أعلام فقهاء التابعين، وممن أفتوا بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي عن الأوزاعي أنه قال: ما أدركت في خلافة هشام أحداً من التابعين أفقه منه، وكان يستمد فقهه من كتاب الله وسنة رسوله، ومما عن الصحابة من أقوالهم، وأفعالهم، كما كان يجتهد في الأمور التي لا نص فيها من كتاب أو سنة، ولم يؤثر فيها شيء عن الصحابة رضي الله عنهم.
جـ الزهري والتاريخ:
يعتبر الإمام الزهري بحق من أبرز المؤرخين المسلمين الذين أرخوا لفترتي ما قبل البعثة النبوية وما بعدها، وخاصة ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم : سيرته ومغازيه التي توسع فيها، وعني بها عناية كبيرة، جعلت الكثير من الباحثين يقرون له بالفضل والتقدم في هذا الشأن؛ حيث كان قد وضع هيكل المغازي، واتبع التسلسل الزمني في دراستها وتثبيت أحداثها على أسس منهجية لم يسبق إليها.
د ـ الزهري والأنساب:
كان الإمام الزهري واحداً ممن اهتموا بالأنساب واشتهروا بمعرفتها؛ حيث اتجه إلى دراستها في صباه، وتتلمذ فيها على عبد الله بن ثعلبة بن صعير، فقد جاء عنه في حكاية انتقاله منه إلى سعيد بن المسيب: أنه قال: نشأت وأنا غلام لا مال لي، ولا أنا في ديوان، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير، وكان عالماً بذلك، ولم يقتصر في تعلم الأنساب على عبد الله بن ثعلبة، بل أخذها عن غيره أيضاً: كسعيد بن المسيب وغيره، حتى أصبح من أعلم الناس بها.
هـ الزهري والأدب:
كان للزهري ميول أدبية، وقد نقل إلينا من أخباره الأدبية وكان يقول الشعر ويتمثل به ومن الشعر الذي كان يتمثل به:

ذهب الشبابُ فلا يعودُ جُمانا
فطويتُ كفِّي يا جمانُ على العصا


وكأنَّ ما قدْ كانَ لم يكُ كانا
وكفى جمان بطيها حدثان

وكان يدخل الشعر في رواياته التاريخية: في السير والمغازي والأنساب. وكان يشيد بالأدب ويحث عليه كثيراً. قال عنه الرافعي: ويعتقد أنه كان من أوائل من كتبوا عن العرب الأشعار والأخبار وغيرها من الظواهر الأدبية التي كانت متوفرة لديهم حينذاك، بل يظن البعض أنه أول من كتب ذلك عن العرب.
و ـ الزهري واللغة:
كان الإمام الزهري بالإضافة إلى معرفته بما تقدم من علوم، عالماً باللغة، حاذقاً لها، عارفاً بمدلولات ألفاظها
ومعانيها، كما كان فصيحاً يضرب به المثل بفصاحته، روي عن أحمد بن صالح أنه قال: كان يقال: فصحاء زمانهم ثلاثة: الزهري، وعمر بن عبد العزيز، وموسى بن طلحة بن عبيد الله.

2 ـ ذكاؤه وحفظه وأقواله:

أ ـ ذكاؤه:
كان حاد الذكاء قوي الذاكرة واسع الفطنة والإدراك، روي عنه أنه قال: ما استعدت حديثاً قط، ولا شككت في حديث إلا حديثاً واحداً، فسألت صاحبي، فإذا هو كما حفظت.
ب ـ حفظه:
كان الزهري مثلاً في الحفظ، وقدوة في الإتقان والضبط، وكان يمتاز بالسرعة الفائقة في الأخذ، والفورية النادرة في الاستيعاب والحفظ، وقد لاحظ عبد الملك بن مروان ذلك حينما التقى به أول مرة، وقال له: اطلب العلم فإني أرى لك عيناً حافظة، وقلباً ذكياً.
وقد روي عن مالك بن أنس أنه قال: حدثني ابن شهاب بحديث فيه طول ـ وأنا آخذ بلجام دابته ـ فقلت له: أعد عليّ، فقال: لا، قلت له: أرأيت أنت أما كنت تحب أن يعاد عليك؟ قال: لا، فقلت له: كنت تكتب؟ قال: لا.
وعن الليث بن سعد: أن ابن شهاب كان يقول: ما استودعت قلبي شيئاً فنسيته.
جـ من أقواله:
ـ عن معمر قال: سمعت الزهري يقول: من طلب العلم جملة فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديثاً وحديثين.
ـ قال الزهري: إن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة له غلبك، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذاً رفيقاً تظفر به.
ـ وقال: العلم واد، فإذا هبطت وادياً فعليك بالتؤدة حتى تخرج منه.
ـ وقال: ما عبد الله بشيء أفضل من العلم.
ـ وقال: لا يوثق للناس عمل عامل لا يعلم، ولا يرضى بقول عالم لا يعمل.
ـ وقال: آفة العلم النسيان وترك المذاكرة.
ـ وقال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه حظ ونصيب.
ـ وقال: ثلاث إذا كن في القاضي فليس بقاضٍ: إذا كره اللوائم، وأحب المحامد، وكره العزل.

3 ـ سخاؤه:

كان الإمام الزهري كريماً لا يجارى، وجواداً لا يبارى، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويكرم كرم من لا يهاب القلة، يجود في اليسر والعسر، ويبذل في القليل والكثير، وكان يبالغ في كرمه، ويتفنن في سخائه، غير عابئ بمال، ولا خائف من نفاد، إذ لم يكن للمال عنده قيمة، كان كالعدو لماله، فلم تك تعدل الدراهم والدنانير عنده جناح بعوضة، أو تكاد.
وعن عمرو بن دينار أنه قال: ما رأيت أحداً الدينار والدرهم أهون عليه من ابن شهاب وما كانت الدنانير والدرهم عنده إلا بمنزلة البعر. قال أبو نعيم: كان ذا عز وسناء وفخر وسخاء.

4 ـ ثناء العلماء عليه:

ـ قال له سعيد بن المسيب: ما مات من ترك مثلك.
ـ قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: هل تأتون ابن شهاب؟ قالوا: إنّا لنفعل، قال: فأتوه، فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه، قال معمر: وإن الحسن ونظراءه لأحياءٌ يومئذ.
ـ روي عن جعفر بن ربيعة: أنه قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله، وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان، وأفقههم فقهاً بما مضى عن أحوال الناس: سعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثاً، فعروة، ولا تشأ أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحراً إلا فجرته، وأعلمهم عندي جميعاً: ابن شهاب، فإنه جمع علمهم جميعاً إلى علمه.
ـ قال مالك بن أنس: بقي ابن شهاب وما له في الناس نظير.
ـ قال الأوزاعي: ما أدهن ابن شهاب لملك قط دخل عليه، ولا أدرك أحد خلافة هشام من التابعين أفقه منه.
ـ قال الشافعي: لولا الزهري ذهبت السنن من المدينة.
ـ وقال أحمد: الزهري أحسن الناس حديثاً، وأجود الناس إسناداً.
ـ وقال علي بن المديني: أعلم الناس بقول الفقهاء السبعة الزهري.




يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022