(التحذير من بعض الكتب التي شوهت تاريخ صدر الإسلام)
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 282
بقلم: د. علي محمد الصلابي
محرم 1443 ه/ أغسطس 2021
1 ـ الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة:
من أخطر الكتب التي شوهت تاريخ صدر الإسلام كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة ، ولقد ساق الدكتور عبد الله عسيلان في كتابه (الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي) مجموعة من الأدلة تبرهن على أن الكتاب المذكور منسوب إلى الإمام ابن قتيبة كذباً وزوراً؛ ومن هذه الأدلة:
أ ـ إن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألف كتاباً في التاريخ يدعى (الإمامة والسياسة) ، ولا نعرف من مؤلفاته التاريخية إلا كتاب (المعارف).
ب ـ إن المتصفح للكتاب يشعر أن ابن قتيبة أقام في دمشق والمغرب ، في حين أنه لم يخرج من بغداد إلاّ إلى الدينور.
جـ إن المنهج والأسلوب الذي سار عليه مؤلف (الإمامة والسياسة) يختلف تماماً عن منهج وأسلوب ابن قتيبة في كتبه التي بين أيدينا؛ فمن منهج ابن قتيبة أن يقدم لمؤلفاته بمقدمات طويلة ، في حين أن صاحب (الإمامة والسياسة) مقدمته قصيرة جداً لا تزيد على ثلاثة أسطر ، هذا إلى جانب الاختلاف في الأسلوب ، ومثل هذا النهج لم نعهده في مؤلفات ابن قتيبة.
د ـ يروي مؤلف الكتاب عن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه ، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه ، قاضي الكوفة ، توفي سنة 148 هـ ، والمعروف أن ابن قتيبة لم يولد إلا سنة 213 هـ ، أي: بعد وفاة ابن أبي ليلى بخمسة وستين عاماً.
هـ إن الرواة والشيوخ الذين يروي عنهم ابن قتيبة عادة في كتبه لم يرد لهم ذكر في أي موضع من مواضع الكتاب.
و ـ إن قسماً كبيراً من رواياته جاءت بصيغة التمريض ، فكثيراً ما يجيء فيه: ذكروا عن بعض المصريين ، وذكروا عن محمد بن سليمان في مشايخ أهل مصر ، وحدثنا بعض مشايخ أهل المغرب ، فذكروا عن بعض المشيخة ، وحدثنا بعض المشيخة. ومثل هذه التراكيب بعيدة كل البعد عن أسلوب وعبارات ابن قتيبة ، ولم ترد في كتاب من كتبه.
إن مؤلف (الإمامة والسياسة) يروي عن اثنين من كبار علماء مصر ، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ عن هذين العالمين.
ز ـ ابن قتيبة يحتل منزلة عالية لدى العلماء فهو عندهم من أهل السنة ، وثقة في علمه ودينه ، يقول السلفي: كان ابن قتيبة من الثقات وأهل السنَّة ، ويقول ابن حزم: كان ثقة في دينه وعلمه ، وتبعه في ذلك الخطيب البغدادي ، ويقول عنه ابن تيمية: وإن ابن قتيبة من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق ، والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة. ورجل هذه منزلته لدى رجال العلم المحققين ، هل من المعقول أن يكون مؤلف كتاب (الإمامة والسياسة) الذي شوَّه التاريخ ، وألصق بالصحابة الكرام ما ليس فيهم.
يقول الدكتور علي نفيع العلياني في كتابه: (عقيدة الإمام ابن قتيبة عن كتاب الإمام والسياسة): بعد قراءتي لكتاب (الإمامة والسياسة) قراءة فاحصة ترجح عندي أن مؤلف الإمامة والسياسة رافضي خبيث أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظراً لكثرتها ، ونظراً لكونه معروفاً عند الناس بانتصاره لأهل الحديث ، وقد يكون من رافضة المغرب ، فإن ابن قتيبة له سمعة حسنة في المغرب.
ومما يرجِّح أن مؤلف (الإمامة والسياسة) من الروافض ما يلي:
* إن مؤلف الإمامة والسياسة ذكر على لسان علي رضي الله عنه أنه قال للمهاجرين: الله الله يا معشر المهاجرين ! لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله في مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به؛ لأنّا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم... والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله. ولا أحد يرى أن الخلافة وراثية لأهل البيت إلاَّ الشيعة.
* إن مؤلف الإمامة والسياسة قدح في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدحاً عظيماً ، فصوَّر ابن عمر رضي الله عنهما جباناً ، وسعد بن أبي وقاص حسوداً ، وذكر أن محمد بن مسلمة غضب على علي بن أبي طالب لأنه قتل مرحباً اليهودي بخيبر ، وأن عائشة رضي الله عنها أمرت بقتل عثمان، والقدح في الصحابة من أظهر خصائص الرافضة وإن شاركهم الخوارج إلاَّ أن الخوارج لا يقدحون في عموم الصحابة.
* إن مؤلف الإمامة والسياسة يذكر أن المختار بن أبي عبيد قتل من قبل مصعب بن الزبير لكونه دعا إلى ال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر خرافاته وادعائه للوحي ، والرافضة هم الذين يحبون المختار بن أبي عبيد لكونه انتقم من قتلة الحسين ، مع العلم أن ابن قتيبة رحمه الله ذكر المختار من الخارجين على السلطات ، وبيَّن أنه كان يدّعي أن جبريل يأتيه.
* إن مؤلف الإمامة والسياسة كتب عن خلافة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان خمساً وعشرين صفحة فقط ، وكتب عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة مئتي صفحة ، فقام المؤلف باختصار التاريخ الناصع المشرق ، وسرد الصحائف بتاريخ زائف لم يثبت منه إلا القليل ، وهذه من أخلاق الروافض المعهودة نعوذ بالله من الضلال والخذلان.
* يقول السيد محمود شكري الآلوسي في مختصره للتحفة الاثنا عشرية: ومن مكايدهم ـ يعني الرافضة ـ أنهم ينظرون في أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة؛ فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه ، فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته ، كالسدي؛ فإنهما رجلان: أحدهما السدي الكبير ، والثاني السدي الصغير ، فالكبير من ثقات أهل السنة ، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غالٍ. وعبد الله بن قتيبة رافضي غال ، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة ، وقد صنف كتاباً سماه بالمعارف ، فصنف ذلك الرافضي كتاباً سماه بالمعارف أيضاً قصداً للإضلال، وهذا مما يرجح أن كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الرافضي ، وليس لابن قتيبة السني الثقة ، وإنما خلط الناس بينهما لتشابه الأسماء، والله أعلم ، وللأسف فإنه اغتر بهذا الكتاب كثير من الباحثين ، وبنوا على رواياته المكذوبة كثيراً من الأحكام الباطلة.
2 ـ نهج البلاغة:
ومن الكتب التي ساهمت في تشويه تاريخ الصحابة بالباطل كتاب (نهج البلاغة) ، فهذا الكتاب مطعون في سنده ومتنه ، فقد جمع بعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بثلاثة قرون ونصف بلا سند ، وقد نسبت الشيعة تأليف (نهج البلاغة) إلى الشريف الرضي ، وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند ، خصوصاً فيما يوافق بدعته؛ فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج؟! وأما المتهم ـ عند المحدثين ـ بوضع النهج فهو أخوه علي ، فقد تحدث العلماء فيه فقالوا:
أ ـ قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى: وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ هل جمعه؟ أم جمع أخيه الرضي؟. وقد قيل: إنه ليس من كلام عليّ ، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه ، والله أعلم.
ب ـ وقال الذهبي: من طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ، ففيه السبّ الصُّراح ، والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممّن بعدهم من المتأخرين جزم بأنّ أكثره باطل.
جـ وقال ابن تيمية: وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ، ولا لها إسناد معروف.
د ـ وأما ابن حجر ، فيتّهم الشريف المرتضى بوضعه ، ويقول: ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ... وأكثره باطل.
واستناداً إلى هذه الأخبار وغيرها تناول عدد من الباحثين هذا الموضوع ، فقالوا بعدم صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام علي رضي الله عنه.
ويمكن تلخيص أهم ما لاحظه القدامى والمحدثون على نهج البلاغة للتشكيك بصحة نسبته للإمام علي بما يلي:
أ ـ خلوّه من الأسانيد التوثيقية التي تعزز نسبة الكلام إلى صاحبه ـ متناً ورواية وسنداً.
ب ـ كثرة الخطب وطولها ، لأن هذه الكثرة وهذا التطويل ممّا يتعذر حفظه وضبطه قبل عصر التدوين ، مع أن خطب الرسول صلى الله عليه وسلم لم تصل إلينا سالمة وكاملة مع ما أتيح لها من العناية الشديدة والاهتمام.
جـ رصد العديد من الأقوال والخطب في مصادر وثيقة منسوبة لغير عليَّ رضي الله عنه ، وصاحب النهج يثبتها له.
د ـ اشتمال هذا الكتاب على أقوال تتناول الخلفاء الراشدين قبله بما لا يليق به ولا بهم ، وتنافي ما عُرف عنه من توقيره لهم ، ومن أمثلة ذلك: ما جاء بخطبته المعروفة بـ «الشقشقية» التي يظهر فيها حرصه الشديد على الخلافة ، رغم ما شُهر عنه من التقشّف والزهد.
هـ شيوع السجع فيه ، إذ رأى عدد من الأدباء أن هذه الكثرة لا تتّفق مع البعد عن التكلّف الذي عُرف فيه عصر الإمام عليّ رضي الله عنه ، وأن السجع العفوي الجميل لم يكن بعيداً عن روحه ومبناه.
و ـ الكلام المنمّق الذي تظهر فيه الصناعة الأدبية التي هي من وَشْي العصر العباسي وزخرفه ، كما نجد في وصف الطاووس والخفاش والنحل ، والمقالات الكلامية التي وردت في ثناياه ، والتي لم تُعرف عند المسلمين إلاّ في القرن الثالث الهجري ، حين تُرجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية ، وهي أشبه ما تكون بكلام المناطقة والمتكلمين منه بكلام الصحابة والراشدين.
إن هذا الكتاب يجب الحذر منه في الحديث عن الصحابة وما وقع بينهم وبين أمير المؤمنين علي ، وتعرض نصوصه على الكتاب والسنة؛ فما وافق الكتاب والسنة ، فلا مانع من الاستئناس به ، وما خالف فلا يلتفت إليه.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: