الإثنين

1446-12-20

|

2025-6-16

(عوامل انهيار الدولة الأموية.... ضعف الثقة بين مروان بن محمد و رجاله وبغض الناس له)



من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 281
بقلم: د. علي محمد الصلابي
محرم 1443 ه/ أغسطس 2021


لم يكن مروان بن محمد يتبادل الثقة الكاملة بينه وبين رجاله ، ولا المحبة المتبادلة ، لأنه كان (ظالماً) (صارماً) ، وكان يغري بين القبائل ويُغضب بين العشائر ، واصطفى قيس عيلان وانحرف عن اليمن وباداها العداوة ، فصارت عليه إلباً ، وعليه حرباً ، لهذا تخلى عنه رجاله في أحرج الأوقات والظروف: في معركة الزّاب الحاسمة ، ولم يقاتل ولاته على المدن والأمصار كما ينبغي ، بل استسلموا دون مقاومة تذكر لجيش بني العباس ، وربما كان هذا سبب الاختراق الكبير للدعوة العباسية للجيش الأموي من خلال خلايا التنظيم العباسي.
لقد كان الناس يهابون مروان ويخافونه خوفاً شديداً حين كان في السلطة قوياً ، لأنه كان ظالماً لا يبالي بالقتل والصَّلْب ، حتى لقد صَلَب الموتى والقتلى أيضاً ، كما جرى في معركة حمص عندما نكث أهلها ، فقد صلب خمسمئة من القتلى حول المدينة ، وهدم قسماً من سور المدينة، انتقاماً من أهلها ، وبالغ في القتل مما جعل القلوب التي حوله تتغير عليه سراً ، وتظهر له الولاء علناً.
أما الذين كانوا مع الأعداء فقد قاتلوه بعنف وشدَّة ، لأنه صدع قلوبهم بالظلم والتعصّب والانتقام ، ولكن حين أصبح ضعيفاً ، وبدت بوادر انهيار سلطته ، خلع الناس عنهم لباس الخوف ، وكشفوا له ولأعوانه نياتهم ، فهؤلاء الذين بقوا حول مروان مضطرين اضطراراً ، ولم يستطيعوا التخلّي عنه نظراً لظروفهم الخاصة أو لأسباب قاهرة ، وهم أهل الشام ، أقرب المقربين إلى بني أمية وحماة دولتهم وقاعدتهم الأمينة ، بذلوا قصارى جهدهم للتخلص من مروان ، فقدم جنودهم إلى سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، وكان في جيش مروان؛ فاتصلوا به سراً وحسّنوا له خلع مروان ، وشجعوه عليه ، وقالوا له: أنت أرضى عند الناس من مروان وأولى بالخلافة. فأجابهم إلى ذلك ، فسار بإخوانه ومواليه معهم فعسكر بقنّسرين ، وكاتب أهل الشام ، فأتوه من كلّ وجه.
وبلغت درجة بغض مروان من أبناء شعبه ، أنّ قسماً من بني أمية لجؤوا إلى أعدائه وقاتلوه إلى جانبهم ، حتى إن قسماً منهم لم يتورّع عن اللجوء للخوارج والصَّلاة خلفهم والقتال إلى جانبهم ، لا محبة بهم بل كرهاً لمروان ، والقائد الذي لا يحبّه رجاله ولا يثقون به لا يمكن أن ينتصر أبداً ، ولعلّ مروان وما حاق به يكون عبرة للمعتبرين.
خذلان أهل الشام لمروان في معركة الزاب:
لو أن أهل الشام وقفوا كلهم متحدين متكاتفين إلى جانب مروان لاستطاع الانتصار على العباسيين بالرغم من المناداة بأبي العباس خليفة في الكوفة ، ذلك أن الوضع كان لا يزال حرجاً بالنسبة إليهم ، وكان خذلان أهل الشام ولا سيما القبائل اليمانية والقضاعية لمروان في معركة الزاب كان عاملاً هاماً من العوامل التي أدّت إلى هزيمته.
إن ما مرّ بنا من روايات في معركة الزاب وغيرها ، تُشير إلى أمر بالغ الأهمية وهو دور الشعب في دعم حكم أو خذلانه ، فقد لعب أهل الشام الدور الأكبر في دعم حكم بني أمية وفي خذلانه ، فهم الذين وقفوا إلى جانب معاوية بن أبي سفيان ، ويزيد بن معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وهم الذين خذلوا مروان بن محمد ، ويعود ذلك إلى فهم معاوية ومعظم خلفاء بني أمية لنفسية أهل الشام ، بينما كان مروان بعيداً عنهم وأقرب إلى أهل الجزيرة.
إن السياسي الحقيقي الماهر يستطيع أن يقيد الناس بسلاسل أقوى من الحديد عن طريق أفكارهم هم أنفسهم
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022