الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

العـدل المطلـق والعـدل النـسـبـي

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي ...

الحلقة (4)

 

1 ـ العدل المطلق:

بقدر ما يقوم دستور أمة من الأمم على العدل بقدر ما يكون أكثر ضماناً لحقوق الإنسان. والعدل في القرآن الكريم يدور حول محورين:

أ ـ المحور الأول: العدل الإلهي في معاملة الإنسان، فمن مظاهر هذا العدل أن الله تعالى لا يظلم أحداً يوم القيامة ولو مثقال ذرة، وقد بيّن الله هذا في أكثر من موضع، قال تعالى: ِ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}[ النساء 40].

ومن مظاهر العدل الإلهي أن الله لا يؤاخذ العباد إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليهم، على الرغم من قيام البراهين الكونية، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً *}[ الإسراء 15].

ومنها أن الله تعالى: لا يُحمّل نفساً وزر نفس أخرى، وهذا هو معنى قوله تعالى: َ {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[ فاطر 18].

ب ـ المحور الثاني: أن الله عز وجل شرع العدل، وجعل الشرع ميزاناً يضبط التعامل بالعدل، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}[ الشورى 17] فقد شرع الله العدل في الحكم فقال: َ {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[ النساء 58]. أي: الله يوصيكم إن حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، وشرع العدل في القول، والحكم على الناس، وإبداء الرأي في الأشخاص فقال: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[ الآنعام 152].

وشرع العدل في العشرة بين الزوجين، فبيّن أن لكل واحد منهما على الآخر مثل ما عليه تجاهه، وهذا في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[ البقرة 228].

وشرع العدل في المعاملة المالية، فحرّم أكل الأموال بالباطل فقال: {لاَ} {تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[النساء: 29].

وفي الجملة فإن الله عز وجل لا يظلم، ولا يحب لعباده أن يظلموا؛ ولذلك قال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا...».

والظلم هو مكمن الخطر على حقوق الإنسان، والعدل هو منبع الرعاية لحقوق الإنسان؛ لذلك فإن إنشاء حقوق الإنسان في الإسلام على أساس العدل شاهد على أن هذا الدين العظيم لا يمكن أن يهدر شيئاً من حقوق عدل الإنسان.

إن العدل في الإسلام مطلق صرف لا يخضع للعواطف والأهواء والمؤثرات، ولا يتغير مهما كانت الدوافع والأسباب، فالعدل هو العدل، والقيمة الكبيرة له في أنه نهائي في تعريفه، وبُعده، ومرماه، ولا يسمح أن يغير الإنسان المسلم من طبيعته خضوعاً لعاطفة من الكره أو الحب، ولا خضوعاً لخوف أو إكراه، كما لا يسمح أن يأخذ العدل غير مجراه مع فلان لأنه صديق قريب، أو مع فلان لأنه عدو غريب، قال تعالى: َ {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[ المائدة 8].

2 ـ العدل النسبي:

وهو ما أقره العقلاء والحكماء وأهل الرأي، ويمثل السياسة الإصلاحية التي ارتضاها الناس لأنفسهم.

ويشكل العدل في الإسلام ضوابط ومعايير لإقامة مجتمع العدل والآنصاف، وأبرز هذه المعايير هو العدالة في جانبين:

أ ـ التعامل

ب ـ القضاء.

فحق العدالة في التعامل «التعامل بين الناس» يكاد وحده يتناول موضوع حقوق الإنسان كله «المساواة والحرية والأمن والكرامة»، ويحققها بتحقيق العدالة في التعامل. كذلك العدالة في القضاء التي تقتضي الحكم العادل، وأن يذهب الخصمان إلى القاضي، وهما مطمئنان بإحقاق الحق بينهما، فالعدل هو ميزان الله المبرأ من كل زلة، وبه يستتب أمر العالم. قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ *}[ الشورى 17].

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 16-18.

- الأحكام الشرعية، د. عطية عدلان ، ص: 105.

- الإسلام ومفهوم الحرية، حورية الخطيب ، ص: 61.

- الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أسامة العبادي ، ص: 162-163.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/50


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022