(مسألة الإصلاح السياحي في الدولة الحديثة المسلمة)
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: الرابعة والسبعون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1443 ه/ نوفبر2021
نظراً لأن المفاهيم تجاه السياحة يعتريها عدم الوضوح بسبب ممارسات كثير من المؤسسات والأفراد في العالم الإسلامي وبسبب هيمنة المنظمات العالمية على المجال السياحي بأبعاده تنظيماً وتنظيراً مما ترتب عليه الأخذ بالمفاهيم التي لا تنسجم مع تعاليم الإسلام ولا تتوافق مع ثقافتنا وتراثنا ومنظومتنا الحضارية، علينا أن نضع مفهوم السياحة بحيث يكون مفهوماً ينطلق من المبادئ الإسلامية ويستمد أسسه من أصالة الشريعة وفي الوقت نفسه يواكب العصر بأبعاد السياحة المختلفة ليتبلور من خلال ذلك مفهوم متميز للسياحة يقدم لدى الوزارات والهيئات السياحية في العالم الإسلامي، ويقوم لاعتماده لدى المنظمة العالمية للسياحة ومن ثم تعميم ذلك المفهوم وبثه خلال وسائل الإعلام في مواسم السياحة ليرسخ في أذهان الشعوب المسلمة وغيرها أفراداً ومجتمعات ومؤسسات وعلى ضوء ذلك المفهوم تحدد الأطر العامة للسياحة في بلاد المسلمين، إن شعوبنا الإسلامية تتطلع للحفاظ على هويتها والبعد عن التقليد والمحاكاة والتبعية للغرب في النطاق السياحي وغيره، ومن أهم ما يميزها تطهيرها من الفساد الخلقي وإقامة أنشطة وبرامج ثقافية متنوعة وهادفة تلبي حاجات السائح وتستند إلى عوامل النجاح(1).
بدلاً من أن نقدم للسواح المحرمات والموبقات علينا أن ننشىء مراكز خاصة تستقطب السواح غير المسلمين والمسلمين، تعنى بابتكار برامج سياحية خاصة بهم تقدم ضمن الإطار العام للبرنامج السياحي المرسوم ويكون اختصاصها تصميم برامج راقية ذات صلة بالحضارة الإنسانية والإسلامية كمدخل، ومن أبرز أهدافها الدعوة إلى القيم الرفيعة والأخلاق الحميدة وتصحيح صورة الإسلام لدى الآخرين وفق أطر واضحة تراعي خصائص المواقع السياحية ويشرف عليها أهل الاختصاص في مجالي الدعوة والسياحة يقدمون منظومة متكاملة تراعي الاختصاص والتميز والخصوصية الحضارية في العمل السياحي بما يساهم في تنمية السياحة باعتبارها مصدراً اقتصادياً من جهة وبما يخدم السواح في دنياهم وأخراهم، والمرجعية الإسلامية قادرة على ذلك، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل، آية : 89).
ـ وقال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾(الفرقان، آية : 33).
إن إقبال السائحين غير المسلمين إلى بلادنا بالطريقة التي تعودوا عليها بالمفهوم الغربي للسياحة يترتب عليه انتهاك لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها الكبرى، ومن تلك السلبيات في حالة غياب الضوابط والرقابة:
ـ انتشار السلوكيات المحرمة والظواهر الغربية على المجتمع وأخلاقه ومبادئه مثل شرب الخمر وتقديمها في المناسبات وعري الأجساد وكشف العورات ...الخ
ـ مخالطات الشباب بالفتيات السائحات وقضاء الوقت معهن في برامج الترويح مما يجلب لهم أفكاراً ومعتقدات مخالفة لتعاليم الإسلام وأعراف وتقاليد مجتمعاتنا.
ـ انتشار الزنا والفواحش بين الشباب نظراً لأن غالب السائحين غير المسلمين "الأجانب" بأديانهم المختلفة لا يعبأون بأمر الزنا، ومن ثم فإن اختلاط السائحين بالشباب وما يقع من مزاح ومؤانسة وحديث ومصاخبة وخلوة ومعانقة كل ذلك مدعاة لوقوع مثل هذه المحرمات.
ـ ترويج المخدرات داخل البلاد والأفلام الخليعة وغير ذلك من المفاسد.
ـ ترسل بعض الدول جواسيس من خلال الغطاء السياحي لجمع المعلومات عن الشعوب والعمل على إضعافها وبقائها في حالة مزرية من التخلف والانحطاط والعمل على تدمير الأخلاق والقيم والمبادئ الرفيعة.
ولا شك إن استفحال الذنوب في مجتمع ما مرتبط بظروف، أهمها الترف الذي يدفع الإنسان إلى التمرد من كل قيد يثقل حريته الشخصية، ثم يكون هذا التمرد سبب انفلات الفرد في طريق الأهواء، والبحث عن مظانها، وهذا يؤدي إلى الانحلال، ثم الاستخفاف بالتعاليم الربانية.
إن الله عز وجل قد قرر في كتابه مصير الهلاك للمجتمع الذي يأخذ بأسباب الهلاك، قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء، آية : 16).
فالله جعل الحياة سنناً لا تتبدل، فحين توجد الأسباب تتبعها النتائج، وهنا يبرز دور الجهات المعينة في العالم الإسلامي في عدم السماح بأعراض الفساد وأسبابه ودعاته من المترفين بالبروز، وإصلاح نظامها السياحي المتضمن للبرامج، والخطط وغير ذلك لئلا يسمح بوجود الخمور والفجور باسم السياحة ويساير دور الجهات دور العقلاء من أهل البلاد في توعية وإرشاد المجتمع بخطورة هذا الأمر من إنزال العقوبات الإلهية من غلاء وزلازل وبراكين وفوضى وتنافر وتناحر وصراع وقتال..الخ
إن الذنوب والمعاصي وانتهاك حرمات الله تعالى تهلك أصحابها، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ (الأنعام، آية : 6).
ومن اعتبر أحوال العالم قديماً وحديثاً وما يعاقب به من يسعى في الأرض بالفساد وإقامة الفتن والاستهانة بحرمات الله، علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون.
والمنكرات تجلب الفساد في الأرض، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم، آية : 40).
ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن والفساد الإداري والاقتصادي والسياسي والإعلامي...الخ
ولهذا يمثل التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية العظيمة والعمل بها السد المنيع الوقائي بإذن الله من العقاب الإلهي لما تسهم به من تقليل الفساد ومنع أسباب العقاب، ويكون ذلك بدفع الدولة للمجتمع إلى الصلاح من خلال ما تتضمنه من جهود وبرامج توصل إلى هذه الغاية، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود، آية : 117).
مراجع الحلقة الرابعة والسبعون
(1) السياحة، د. علي بن أحمد، ص: 756
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: