في سيرة صلاح الدين الأيوبي: جذور الشيعة الإسماعيلية والدَّولة الفاطمية
الحلقة: السابعة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ مايو 2020
بعد موت الإمام جعفر بن محمد الصادق افترقت الشيعة إلى فرقتين ، ممَّن نسبوا أنفسهم إلى جعفر الصادق: فرقة ساقت الإمامة إلى ابنه موسى الكاظم ، وهؤلاء هم الشيعة الاثني عشرية. وفرقة نفت عنه الإمامة ، وقالت: إنَّ الإمام بعد جعفر هو: ابنه إسماعيل ، وهذه الفرقة عرفت بالشِّيعة الإسماعيلية. قال عبد القاهر البغدادي في شأن الإسماعيلية: وهؤلاء ساقوا الإمامة إلى جعفر ، وزعموا أنَّ الإمام بعده ابنه إسماعيل. وقال الشهرستاني: الإسماعيلية امتازت عن الموسوية ، وعن الاثني عشرية بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وهو ابنه الأكبر المنصوص عليه في بدء الأمر. قالوا: ولم يتزوَّج الصادق ـ رحمه الله ـ على أمِّه ـ أم إسماعيل ـ بواحدةٍ من النساء ، ولا تسرَّى بجاريةٍ ، كسنة رسول الله في حقِّ خديجة ، رضي الله عنها ، وكسنة عليِّ ـ رضي الله عنه ـ في حقِّ فاطمة ، رضي الله عنها. فالإسماعيلية إحدى فرق الشيعة ، وهي تنسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، ولهم ألقابٌ كثيرة ، عرفوا بها غير لقب الإسماعيلية ، منها: الباطنية ، وإنما أطلق عليهم هذا اللقب لقولهم بأنَّ لكل ظاهرٍ باطناً ،ولكل تنزيل تأويلاً. ومنهم القرامطة ، والمزدكية ، وقد عرفوا بهذين اللقبين في بلاد العراق ، ويطلق عليهم في خراسان: التعليمية الملحدة ، وهم لا يحبون أن يعرفوا بهذه الأسماء ، وإنما يقولون: نحن الإسماعيلية؛ لأنا تميَّزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم.
وقد قامت الدولة الفاطمية الرَّافضية عام 296هـ/909م في الشَّمال الأفريقي على يدي أبي عبد الله الشيعي بعد سقوط القيروان أمام قواته ، وهروب زيادة التغلبي إلى مصر في جمادى الآخرة عام 296هـ وكانت بيعة عبد الله المهدي في القيروان عام 297هـ/910م ، وانتهت ولاية أبي عبد الله الشيعي بعد أن دامت عشر سنوات على قول بعض المؤرخين.
1 ـ عبيد الله المهدي الخليفة الشيعي الرَّافضي الأول:
هو عبيد الله أبو محمد أوَّل من قام من الخلفاء الخوارج العُبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام ، وأعلنوا بالرَّفض ، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية ، وبثوا الدُّعاة يستغوون الجبليَّة ، والجهلة. وذكر ما قيل عنه في نسبه ، ثم قال: والمحققون على أنه دعيُّ بحيث إنَّ المعزَّ منهم لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه ، قال غداً أخرجه لك ، ثم أصبح وقد ألقى عُرمة من الذَّهب ، ثم جَذَبَ نِصْف سيفه من غِمْده ، فقال: هذا نسبي ، وأمرهم بنهب الذهب ، وقال: هذا حسبي وأما مفتي الديار الليبية ـ رحمه الله ـ الشيخ طاهر الزاوي ، فقد قال في ترجمة عبيد الله المهدي: هو مؤسس الدولة العبيدية ، وأول حاكم فيها ، وهو عراقي الأصل ، ولد في الكوفة سنة 260هـ واختبأ في بلدة سَلَمِيَّة بؤرة الإسماعيلية الباطنية في شمال الشام. ومن يوم أن ولد إلى أن استقرَّ في سَلَمِيَّة كان يعرف باسم سعيد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القدَّاح ، وفي منطقة سَلَمِيَّة مقرِّ الإسماعيلية مات علي بن حسن بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، واقام له الإسماعيلية مزاراتٍ سريَّة ، وقرَّروا نقل الإمامة من ذرية إسماعيل بن جعفر الصادق إلى ابنهم بالنِّكاح الروحي.
ثم قال: هذا أصل عبيد الله المهدي ، وهذا أصل العبيديين المنسوبين إليه. ويذكر: أنَّ عبيد الله الشيعي عندما دخل إفريقيا «يعني: تونس»: أظهر التشيُّع القبيح ، وسبَّ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأزواجه حاشا عليِّ بن أبي طالب ، والمقداد ، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، وزعم: أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدُّوا بعده غير هؤلاء الذين ذكروا. وكان أهل السُّنَّة بالقيروان أيام بني عبيد في حالةٍ شديدة من الاهتضام ، والتستُّر؛ كأنهم ذِمَّةٌ ، تجري عليهم في كثير من الأيام محنٌ شديدة ، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم ، ونصبوا حسيناً الأعمى السباب في الأسواق للسبِّ بأسجاعٍ لُقِّنَها يُتَوَصَّل منها إلى سبِّ الرسول ﷺ في ألفاظ حفظها، مثل: العنوا الغار وما وعى ، والكساء وما حوى. وغير ذلك. والغار المقصود منه: غار ثور؛ الذي اختفى فيه الرسول ﷺ وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عن أعين المشركين؛ التي كانت تطاردهم في قصة الهجرة ، وهذا اللفظ فيه سبٌّ للنبي ﷺ وأبي بكر على حدٍّ سواء ، وكذلك فيه سبٌّ لآل البيت الذين حواهم الكساء. وعلقت رؤوس الأكباش ، والحمر على أبواب الحوانيت ، عليها قراطيس معلَّقة مكتوب عليها أسماء الصحابة ، واشتدَّ الأمر على أهل السنَّة ، فَمَنْ تكلَّم ، أو تحرك؛ قتل ، ومُثِّل به.
2 ـ من جرائم العبيديين في الشمال الإفريقي:
ارتكب الشيعة الرافضة الإسماعيلية جرائم نكرة منها:
أ ـ غلو بعض دعاتهم في عبيد الله المهدي:
حتى إنه أنزله منزلة الإله ، وأنه يعلم الغيب ، وأنه نبيٌّ مُرسل. يقول بدر الدين بن قاضي شهبة: وكان له (أي: المهدي) دعاة بالمغرب يدعون الناس إليه ، وإلى طاعته ، ويأخذون عليهم العهود ، ويلقون إلى الناس من أمره بحسب عقولهم ، فمنهم من يلقون إليه أنَّ المهدي ابن رسول الله ، وحجَّة الله على خلقه ، ومنهم من يلقون إليه: أنَّه الله الخالق الرزاق. وأما زعمهم بأنه إله؛ فيظهر من أفعال دعاته ، وأقوالهم ، وأشعارهم ، فقد كان هناك رجلٌ يدعى أحمد البلوي النَّحاس: يصلِّي إلى رقادة أيام كون عبيد الله بها ، وهي منه إلى الغرب ، فلَّما انتقل إلى المهدية وهي منه إلى الشرق؛ صلَّى إليها باعتبار أنَّها مثل مكة المكرمة ـ شرَّفها الله ـ وهذا الاعتقاد كان سائداً عند كثيرٍ من الناس يومها ، فهذا أحد شعراء بني عبيد يقول في المهدية بعد انتقال المهدي إليها:
لِيَهْنِكَ أيُّها الملكُ الهمامُ
لقد عظمت بأرض الغرب دار
هي المهديةُ الحرامُ الموقَّى
كأنَّ مقام إبراهيم فيه
وإنْ لثَم الحجيجُ الرُّكنَ أضحى
لك الدُّنيا ونسلك حيث كنتم
قدومٌ فيه للدَّهر ابتسام
بها الصَّلوات تقبل والصِّيام
كما بتهامة البلد الحرام
ترى قدميك إن عدم المقام
لنا بعراص قصركم التثام
فكلُّكم لها أبداً إمامُ
من الشعر أيضاً في تأليهه ما مدحه به محمَّد البديل ، حيث يقول:
حلَّ برقادة المسيح
حلَّ بها أحمد المصطفى
حل بها الله ذو المعالي
حلَّ بها ادم ونوح
حلَّ بها الكبش والذَّبيح
وكلُّ شيءٍ سواه ريح
وأما زعمهم: أنه كان يعلم الغيب؛ فيظهر من أيمان بعضهم؛ حيث كان إذا أقسم يقول: وحقِّ عالم الغيب والشهادة مولانا الذي برقادة. ومعرفة الغيب من خصوصيات الألوهية ، ولا يعلم الغيب إلا الله. قال تعالى: {قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٦٥} [النمل: 65] وقال تعالى: {۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٥٩} [الأنعام: 59] كما أن الحلف لا يكون بمخلوقٍ ، وإنما يكون بالخالق ، قال رسول الله ﷺ: «من كان حالفاً؛ فليحلف بالله ، أو ليصمت». وجاءت الأحاديث في النهي عن الحلف بالآباء.
ب ـ التسلُّط والجور:
وإعدام كلِّ من يخالف مذهبهم ، هذا بالإضافة إلى كل ما ذكرناه انفاً على لسان القاضي عياض في طعنهم في الصحابة ، وتعليق رؤوس الأكباش ـ الدالة في زعمهم ـ على أسماء الصحابة ، وغير ذلك من الأفعال القبيحة، والشنيعة التي كانوا يقومون بها، وكان إجبار الناس على الدخول في مذهبهم بوسيلة التخويف بالقتل ، وقد نفَّذوا حكم الإعدام في أربعة الاف رجل مرَّةً واحدةً. قال القابسي: إن الذين ماتوا في دار البحر ـ سجن العبيديين ـ بالمهدية من حين دخل عبيد الله إلى الان أربعة الاف رجل في العذاب ما بين عالم ، وعابد ، ورجل صالح. هذا عدا ما كانوا يقتلونه دون سجن ، ويمثَّل بهم في شوارع القيروان ، فأثر ذلك على سير الحياة العلمية، ومع ذلك فإنَّ هذه المحنة لم تزد أهالي المغرب الإسلامي إلا عزيمةً ، وصبراً ، واحتساباً ، وتمسُّكاً بالكتاب، والسنة.
ج ـ تحريم الإفتاء على مذهب الإمام مالك:
حرَّموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك ، واعتبروا ذلك جريمةً يُعاقَب عليها بالضرب ، والسجن ، أو القتل أحياناً ، ويعقب ذلك نوع من الإرهاب النفسي ، حيث يدار بالمقتول في أسواق القيروان ، وينادى عليه: هذا جزاء من يذهب مذهب مالك ، ولم يُبيحوا الفتوى إلا لمن كان على مذهبهم ، كما فعلوا بالفقيه المعروف بالهزئي: ابو عبد الله محمد بن العباس بن الوليد المتوفي في عام تسع وعشرين وثلاثمئة.
د ـ إبطال بعض السنن المتواترة والمشهورة:
والزيادة في بعضها ، كما فعلوا في زيادة: (حيَّ على خير العمل) في الأذان ، وإسقاط صلاة التراويح ، بعد أن تُرِك الناس يصلونها عاماً واحداً ، ولهذا ترك أكثر الناس الصلاة في المساجد ، ويا ويح من يسقط عبارة: (حيَّ على خير العمل) من الأذان ، من ذلك ما روي: أن عروس المؤذن (ت 317هـ) وكان مؤذناً في أحد المساجد ،شهد عليه بعض الشيعة: أنه لم يقل في أذانه: (حيَّ على خير العمل) فكان جزاؤه أن قطع لسانه ، ووضع بين عينيه ، وطيف به في القيروان ، ثم قتل؛ إلا أنَّ بعض العلماء فطن لكيد العبيديين ، وأغراضهم الخبيثة من وراء ذلك ، وهو إخلاء المساجد من المصليين ، ودفعاً لهذه المفسدة؛ أذنوا للمؤذنين أن يزيدوا: (حيَّ على خير العمل) لأنَّ تركها يؤدي إلى مفاسد أعظم ، ومن هؤلاء العلماء: أبو الحسن علي بن مسرور العبدي الدباغ (ت 359هـ، الذي كان من أهل الورع ، والعبادة ، والخشوع ، فقد فطن لغرض العبيديين ، فكان أن قال للمؤذنين: أذنوا على السنة في أنفسكم ، فإذا فرغتم؛ فقولوا: (حي على خير العمل) فإنَّما أراد بنو عبيد إخلاء المساجدِ لِفعلكُم هذا، وأنتم معذرون، وذلك خيرٌ من إخلاء المساجد.
ه ـ منع التجمعات:
حرصت الدولة الفاطمية على منع التجمعات خوفاً من الثورة ، والخروج عليهم ، ولذلك جعلوا بوقاً يضربونه في أول الليل ، فمن وجد بعد ذلك ضرب عنقه ، كما أنهم كانوا يفرِّقون الناس الذين يجتمعون على جنازة من يموت من العلماء. وهذا الفعل لا يزال مستمراً في الأنظمة القمعية البوليسية التي لا ترى إلا ما يراه حاكمها، وطاغوتها، وفرعونها. قال تعالى: {قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ٢٩} [غافر: 29].
و ـ إتلاف مصنفات أهل السنة:
أتلفوا مصنفات أهل السنة ، ومنعوا الناس من تداولها ، كما فعلوا بكتب أبي محمد بن أبي هاشم التجيبي (ت 346هـ) وترك سبعة قناطير كتب ،كلُّها بخطِّ يده ،فرفعت إلى سلطان بني عبيد ،فأخذها: ومنع الناس منها كيداً للإسلام ،وبغضاً فيهءُّ .
ز ـ منع علماء أهل السنة من التدريس:
منعوا علماء أهل السنة من التدريس في المساجد، ونشر العلم، والاجتماع بالطلاب ، فكانت كتب السنة لا تقرأ إلا في البيوت خوفاً من بني عبيد، فكان أبو محمد بن أبي زيد ، وأبو محمد بن التبان، وغيرهما يأتيان إلى أبي بكر بن اللباد شيخ السنة بالقيروان في خفية، ويجعلان الكتب في أوساطهما حتى تبتل بالعرق خوفاً من بني عبيد. وهذا المسلك لا زالت الدول القمعية في العالم الإسلامي تمارسه على شعوبها ، فبعضها تمنع هذا الأمر كلياً، وبعضها تسمح ببعض أمور الدين؛ التي لا تصطدم مع مصالح الدول الكبرى.
ح ـ عطَّلوا الشرائع ، وأسقطوا الفرائض:
عمَّن تبع دعوتهم حيث يقع إدخالهم إلى داموس ، ويدخل عليهم عبيد الله لابساً فرواً مقلوباً داباً على يديه، ورجليه، فيقول لهم: (بَح) ثم يخرجهم ، ويفسر لهم هذا العمل بقوله: فأما دخولي على يديَّ، ورجليَّ؛ فإنما أردت بذلك أن أعلمكم أنكم مثل البهائم: لا شيء ، ولا وضوء ولا صلاة ، ولا زكاة ، ولا أي فرض من الفروض ، وسقط جميع ذلك عنكم. وأما لباس الفرو مقلوباً؛ فإنما أردت أن أعلمكم: أنكم قلبتم الدِّين. وأما قولي لكم: بَح، فإنما أردت أن أعلمكم: أنَّ الأشياء كلها مباحة لكم من الزنى ، وشرب الخمر.
ط ـ إجبار الناس على الفطر قبل رؤية الهلال:
وكانوا كثيراً ما يجبرون الناس على الفطر قبل رؤية هلال شوال ، بل قتلوا من أفتى بأن لا فطر إلا مع رؤية الهلال ، كما فعلوا بالفقيه ابن الحُبُلي ، قاضي مدينة برقة. قال الذهبي في ترجمته: الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة، محمد بن الحُبُلي ، أتاه أمير برقة، فقال: غداً العيد ، قال: نرى الهلال ، ولا أفطر الناس ، واتقلَّد إثمهم. فقال: بهذا جاء كتاب المنصور ـ وكان هذا من رأي العبيدية يفطرون بالحساب ، ولا يعتبرون رؤية ـ فلم يُر هلال، فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد، فقال القاضي: لا أخرج، ولا أصلي. فأمر الأمير رجلاً خطب ، وكتب بما جرى إلى المنصور ، فطلب القاضي إليه ، فأحضر ، فقال له: تَنصَّلْ ، وأعفو عنك ، فامتنع ، فأمر ، فُعلِّق في الشمس إلى أن مات ، وكان يستغيث من العطش ، فلم يُسقَ ، ثم صلبوه على خشبة. فلعنة الله على الظالمين!
ي ـ إزالة آثار خلفاء السنة:
عمل حكَّام الدولة الفاطمية في المغرب الإسلامي على إزالة اثار بعض مَنْ تقدَّمهم من الخلفاء السنيِّين ، فقد أصدر عبيد الله أمراً بإزالة أسماء الذين بنو الحصون ، والمساجد ، وجعل اسمه بديلاً منهم ، واستولى هذا الشيعي الرافضي الباطني على أموال الأحباس ، وسلاح الحصون، وطرد العبَّاد، والمرابطين بقصر زياد الأغلبي، وجعله مخزناً للسِّلاح.
ك ـ دخول خيولهم المساجد:
من جرائم عبيد الله الكثيرة: أنَّ خيله دخلت المسجد ، فقيل لأصحابها: كيف تدخلون المسجد؟ فقالوا: إن أرواثها، وأبوالها طاهرةٌ؛ لأنها خيل المهدي ، فأنكر عليهم قيِّمُ المسجد ، فذهبوا به إلى المهدي ، فقتله. يقول ابن عذارى: وامتُحن عبيد الله في اخر حياته بعلةٍ قبيحة: دود في اخر مخرجه ، يأكل أحشاءه ، فلم يزل به حتى هلك. إنَّ المسلمين المعاصرين يقرؤون تاريخ الدولة الفاطمية العبيدية لا يعلمون إلا ما كتب لهم عن التاريخ السياسي لهذه الدَّولة ، ذهب فلان ، وخلفه فلان ، وأنها دولة تحبُّ العلم ، وتنشره ، والمقصود نشر كتب الفلاسفة ، ولكن القليل من يذكر بطش هؤلاء الباطنية بالعلماء من أهل السنة ، بل إنَّ الطلبة الذين يدرسون التاريخ الإسلامي يذكرون المعز لدين الله الفاطمي ، وكأنَّه بطل من أبطال التاريخ ، وهذا كلُّه نتيجة لغياب التفسير العقدي الإسلامي لتاريخنا ، بل إنَّ بعض المؤرخين الذين كتبوا لنا التاريخ تأثروا بمدارس الاستشراق ، أو بالفكر الشيعي الرافضي ، وبذلت لهم الأموال لطمس الحقائق ، وتزوير التاريخ ، ولا يزال الصراع الباطني ، والإسلامي ممتداً إلى يومنا هذا ، فالأفكار لا تموت ، وإنما تتغير الأشكال ، والوجوه ، والمسوح ، وأنَّ أعداء الإسلام لا يزالون يعملون سراً ، وإعلاناً ، ليلاً ، ونهاراً للقضاء على العقيدة الصحيحة؛ التي تلقتها الأمَّة من الحبيب المصطفى ، واصحابه الغرِّ الميامين ، وأهل بيته الطاهرين الطيبين ، رضي الله عنهم أجمعين.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/66.pdf
الحلقة: السابعة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ مايو 2020
بعد موت الإمام جعفر بن محمد الصادق افترقت الشيعة إلى فرقتين ، ممَّن نسبوا أنفسهم إلى جعفر الصادق: فرقة ساقت الإمامة إلى ابنه موسى الكاظم ، وهؤلاء هم الشيعة الاثني عشرية. وفرقة نفت عنه الإمامة ، وقالت: إنَّ الإمام بعد جعفر هو: ابنه إسماعيل ، وهذه الفرقة عرفت بالشِّيعة الإسماعيلية. قال عبد القاهر البغدادي في شأن الإسماعيلية: وهؤلاء ساقوا الإمامة إلى جعفر ، وزعموا أنَّ الإمام بعده ابنه إسماعيل. وقال الشهرستاني: الإسماعيلية امتازت عن الموسوية ، وعن الاثني عشرية بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وهو ابنه الأكبر المنصوص عليه في بدء الأمر. قالوا: ولم يتزوَّج الصادق ـ رحمه الله ـ على أمِّه ـ أم إسماعيل ـ بواحدةٍ من النساء ، ولا تسرَّى بجاريةٍ ، كسنة رسول الله في حقِّ خديجة ، رضي الله عنها ، وكسنة عليِّ ـ رضي الله عنه ـ في حقِّ فاطمة ، رضي الله عنها. فالإسماعيلية إحدى فرق الشيعة ، وهي تنسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، ولهم ألقابٌ كثيرة ، عرفوا بها غير لقب الإسماعيلية ، منها: الباطنية ، وإنما أطلق عليهم هذا اللقب لقولهم بأنَّ لكل ظاهرٍ باطناً ،ولكل تنزيل تأويلاً. ومنهم القرامطة ، والمزدكية ، وقد عرفوا بهذين اللقبين في بلاد العراق ، ويطلق عليهم في خراسان: التعليمية الملحدة ، وهم لا يحبون أن يعرفوا بهذه الأسماء ، وإنما يقولون: نحن الإسماعيلية؛ لأنا تميَّزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم.
وقد قامت الدولة الفاطمية الرَّافضية عام 296هـ/909م في الشَّمال الأفريقي على يدي أبي عبد الله الشيعي بعد سقوط القيروان أمام قواته ، وهروب زيادة التغلبي إلى مصر في جمادى الآخرة عام 296هـ وكانت بيعة عبد الله المهدي في القيروان عام 297هـ/910م ، وانتهت ولاية أبي عبد الله الشيعي بعد أن دامت عشر سنوات على قول بعض المؤرخين.
1 ـ عبيد الله المهدي الخليفة الشيعي الرَّافضي الأول:
هو عبيد الله أبو محمد أوَّل من قام من الخلفاء الخوارج العُبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام ، وأعلنوا بالرَّفض ، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية ، وبثوا الدُّعاة يستغوون الجبليَّة ، والجهلة. وذكر ما قيل عنه في نسبه ، ثم قال: والمحققون على أنه دعيُّ بحيث إنَّ المعزَّ منهم لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه ، قال غداً أخرجه لك ، ثم أصبح وقد ألقى عُرمة من الذَّهب ، ثم جَذَبَ نِصْف سيفه من غِمْده ، فقال: هذا نسبي ، وأمرهم بنهب الذهب ، وقال: هذا حسبي وأما مفتي الديار الليبية ـ رحمه الله ـ الشيخ طاهر الزاوي ، فقد قال في ترجمة عبيد الله المهدي: هو مؤسس الدولة العبيدية ، وأول حاكم فيها ، وهو عراقي الأصل ، ولد في الكوفة سنة 260هـ واختبأ في بلدة سَلَمِيَّة بؤرة الإسماعيلية الباطنية في شمال الشام. ومن يوم أن ولد إلى أن استقرَّ في سَلَمِيَّة كان يعرف باسم سعيد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القدَّاح ، وفي منطقة سَلَمِيَّة مقرِّ الإسماعيلية مات علي بن حسن بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، واقام له الإسماعيلية مزاراتٍ سريَّة ، وقرَّروا نقل الإمامة من ذرية إسماعيل بن جعفر الصادق إلى ابنهم بالنِّكاح الروحي.
ثم قال: هذا أصل عبيد الله المهدي ، وهذا أصل العبيديين المنسوبين إليه. ويذكر: أنَّ عبيد الله الشيعي عندما دخل إفريقيا «يعني: تونس»: أظهر التشيُّع القبيح ، وسبَّ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأزواجه حاشا عليِّ بن أبي طالب ، والمقداد ، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، وزعم: أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدُّوا بعده غير هؤلاء الذين ذكروا. وكان أهل السُّنَّة بالقيروان أيام بني عبيد في حالةٍ شديدة من الاهتضام ، والتستُّر؛ كأنهم ذِمَّةٌ ، تجري عليهم في كثير من الأيام محنٌ شديدة ، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم ، ونصبوا حسيناً الأعمى السباب في الأسواق للسبِّ بأسجاعٍ لُقِّنَها يُتَوَصَّل منها إلى سبِّ الرسول ﷺ في ألفاظ حفظها، مثل: العنوا الغار وما وعى ، والكساء وما حوى. وغير ذلك. والغار المقصود منه: غار ثور؛ الذي اختفى فيه الرسول ﷺ وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عن أعين المشركين؛ التي كانت تطاردهم في قصة الهجرة ، وهذا اللفظ فيه سبٌّ للنبي ﷺ وأبي بكر على حدٍّ سواء ، وكذلك فيه سبٌّ لآل البيت الذين حواهم الكساء. وعلقت رؤوس الأكباش ، والحمر على أبواب الحوانيت ، عليها قراطيس معلَّقة مكتوب عليها أسماء الصحابة ، واشتدَّ الأمر على أهل السنَّة ، فَمَنْ تكلَّم ، أو تحرك؛ قتل ، ومُثِّل به.
2 ـ من جرائم العبيديين في الشمال الإفريقي:
ارتكب الشيعة الرافضة الإسماعيلية جرائم نكرة منها:
أ ـ غلو بعض دعاتهم في عبيد الله المهدي:
حتى إنه أنزله منزلة الإله ، وأنه يعلم الغيب ، وأنه نبيٌّ مُرسل. يقول بدر الدين بن قاضي شهبة: وكان له (أي: المهدي) دعاة بالمغرب يدعون الناس إليه ، وإلى طاعته ، ويأخذون عليهم العهود ، ويلقون إلى الناس من أمره بحسب عقولهم ، فمنهم من يلقون إليه أنَّ المهدي ابن رسول الله ، وحجَّة الله على خلقه ، ومنهم من يلقون إليه: أنَّه الله الخالق الرزاق. وأما زعمهم بأنه إله؛ فيظهر من أفعال دعاته ، وأقوالهم ، وأشعارهم ، فقد كان هناك رجلٌ يدعى أحمد البلوي النَّحاس: يصلِّي إلى رقادة أيام كون عبيد الله بها ، وهي منه إلى الغرب ، فلَّما انتقل إلى المهدية وهي منه إلى الشرق؛ صلَّى إليها باعتبار أنَّها مثل مكة المكرمة ـ شرَّفها الله ـ وهذا الاعتقاد كان سائداً عند كثيرٍ من الناس يومها ، فهذا أحد شعراء بني عبيد يقول في المهدية بعد انتقال المهدي إليها:
لِيَهْنِكَ أيُّها الملكُ الهمامُ
لقد عظمت بأرض الغرب دار
هي المهديةُ الحرامُ الموقَّى
كأنَّ مقام إبراهيم فيه
وإنْ لثَم الحجيجُ الرُّكنَ أضحى
لك الدُّنيا ونسلك حيث كنتم
قدومٌ فيه للدَّهر ابتسام
بها الصَّلوات تقبل والصِّيام
كما بتهامة البلد الحرام
ترى قدميك إن عدم المقام
لنا بعراص قصركم التثام
فكلُّكم لها أبداً إمامُ
من الشعر أيضاً في تأليهه ما مدحه به محمَّد البديل ، حيث يقول:
حلَّ برقادة المسيح
حلَّ بها أحمد المصطفى
حل بها الله ذو المعالي
حلَّ بها ادم ونوح
حلَّ بها الكبش والذَّبيح
وكلُّ شيءٍ سواه ريح
وأما زعمهم: أنه كان يعلم الغيب؛ فيظهر من أيمان بعضهم؛ حيث كان إذا أقسم يقول: وحقِّ عالم الغيب والشهادة مولانا الذي برقادة. ومعرفة الغيب من خصوصيات الألوهية ، ولا يعلم الغيب إلا الله. قال تعالى: {قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٦٥} [النمل: 65] وقال تعالى: {۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٥٩} [الأنعام: 59] كما أن الحلف لا يكون بمخلوقٍ ، وإنما يكون بالخالق ، قال رسول الله ﷺ: «من كان حالفاً؛ فليحلف بالله ، أو ليصمت». وجاءت الأحاديث في النهي عن الحلف بالآباء.
ب ـ التسلُّط والجور:
وإعدام كلِّ من يخالف مذهبهم ، هذا بالإضافة إلى كل ما ذكرناه انفاً على لسان القاضي عياض في طعنهم في الصحابة ، وتعليق رؤوس الأكباش ـ الدالة في زعمهم ـ على أسماء الصحابة ، وغير ذلك من الأفعال القبيحة، والشنيعة التي كانوا يقومون بها، وكان إجبار الناس على الدخول في مذهبهم بوسيلة التخويف بالقتل ، وقد نفَّذوا حكم الإعدام في أربعة الاف رجل مرَّةً واحدةً. قال القابسي: إن الذين ماتوا في دار البحر ـ سجن العبيديين ـ بالمهدية من حين دخل عبيد الله إلى الان أربعة الاف رجل في العذاب ما بين عالم ، وعابد ، ورجل صالح. هذا عدا ما كانوا يقتلونه دون سجن ، ويمثَّل بهم في شوارع القيروان ، فأثر ذلك على سير الحياة العلمية، ومع ذلك فإنَّ هذه المحنة لم تزد أهالي المغرب الإسلامي إلا عزيمةً ، وصبراً ، واحتساباً ، وتمسُّكاً بالكتاب، والسنة.
ج ـ تحريم الإفتاء على مذهب الإمام مالك:
حرَّموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك ، واعتبروا ذلك جريمةً يُعاقَب عليها بالضرب ، والسجن ، أو القتل أحياناً ، ويعقب ذلك نوع من الإرهاب النفسي ، حيث يدار بالمقتول في أسواق القيروان ، وينادى عليه: هذا جزاء من يذهب مذهب مالك ، ولم يُبيحوا الفتوى إلا لمن كان على مذهبهم ، كما فعلوا بالفقيه المعروف بالهزئي: ابو عبد الله محمد بن العباس بن الوليد المتوفي في عام تسع وعشرين وثلاثمئة.
د ـ إبطال بعض السنن المتواترة والمشهورة:
والزيادة في بعضها ، كما فعلوا في زيادة: (حيَّ على خير العمل) في الأذان ، وإسقاط صلاة التراويح ، بعد أن تُرِك الناس يصلونها عاماً واحداً ، ولهذا ترك أكثر الناس الصلاة في المساجد ، ويا ويح من يسقط عبارة: (حيَّ على خير العمل) من الأذان ، من ذلك ما روي: أن عروس المؤذن (ت 317هـ) وكان مؤذناً في أحد المساجد ،شهد عليه بعض الشيعة: أنه لم يقل في أذانه: (حيَّ على خير العمل) فكان جزاؤه أن قطع لسانه ، ووضع بين عينيه ، وطيف به في القيروان ، ثم قتل؛ إلا أنَّ بعض العلماء فطن لكيد العبيديين ، وأغراضهم الخبيثة من وراء ذلك ، وهو إخلاء المساجد من المصليين ، ودفعاً لهذه المفسدة؛ أذنوا للمؤذنين أن يزيدوا: (حيَّ على خير العمل) لأنَّ تركها يؤدي إلى مفاسد أعظم ، ومن هؤلاء العلماء: أبو الحسن علي بن مسرور العبدي الدباغ (ت 359هـ، الذي كان من أهل الورع ، والعبادة ، والخشوع ، فقد فطن لغرض العبيديين ، فكان أن قال للمؤذنين: أذنوا على السنة في أنفسكم ، فإذا فرغتم؛ فقولوا: (حي على خير العمل) فإنَّما أراد بنو عبيد إخلاء المساجدِ لِفعلكُم هذا، وأنتم معذرون، وذلك خيرٌ من إخلاء المساجد.
ه ـ منع التجمعات:
حرصت الدولة الفاطمية على منع التجمعات خوفاً من الثورة ، والخروج عليهم ، ولذلك جعلوا بوقاً يضربونه في أول الليل ، فمن وجد بعد ذلك ضرب عنقه ، كما أنهم كانوا يفرِّقون الناس الذين يجتمعون على جنازة من يموت من العلماء. وهذا الفعل لا يزال مستمراً في الأنظمة القمعية البوليسية التي لا ترى إلا ما يراه حاكمها، وطاغوتها، وفرعونها. قال تعالى: {قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ٢٩} [غافر: 29].
و ـ إتلاف مصنفات أهل السنة:
أتلفوا مصنفات أهل السنة ، ومنعوا الناس من تداولها ، كما فعلوا بكتب أبي محمد بن أبي هاشم التجيبي (ت 346هـ) وترك سبعة قناطير كتب ،كلُّها بخطِّ يده ،فرفعت إلى سلطان بني عبيد ،فأخذها: ومنع الناس منها كيداً للإسلام ،وبغضاً فيهءُّ .
ز ـ منع علماء أهل السنة من التدريس:
منعوا علماء أهل السنة من التدريس في المساجد، ونشر العلم، والاجتماع بالطلاب ، فكانت كتب السنة لا تقرأ إلا في البيوت خوفاً من بني عبيد، فكان أبو محمد بن أبي زيد ، وأبو محمد بن التبان، وغيرهما يأتيان إلى أبي بكر بن اللباد شيخ السنة بالقيروان في خفية، ويجعلان الكتب في أوساطهما حتى تبتل بالعرق خوفاً من بني عبيد. وهذا المسلك لا زالت الدول القمعية في العالم الإسلامي تمارسه على شعوبها ، فبعضها تمنع هذا الأمر كلياً، وبعضها تسمح ببعض أمور الدين؛ التي لا تصطدم مع مصالح الدول الكبرى.
ح ـ عطَّلوا الشرائع ، وأسقطوا الفرائض:
عمَّن تبع دعوتهم حيث يقع إدخالهم إلى داموس ، ويدخل عليهم عبيد الله لابساً فرواً مقلوباً داباً على يديه، ورجليه، فيقول لهم: (بَح) ثم يخرجهم ، ويفسر لهم هذا العمل بقوله: فأما دخولي على يديَّ، ورجليَّ؛ فإنما أردت بذلك أن أعلمكم أنكم مثل البهائم: لا شيء ، ولا وضوء ولا صلاة ، ولا زكاة ، ولا أي فرض من الفروض ، وسقط جميع ذلك عنكم. وأما لباس الفرو مقلوباً؛ فإنما أردت أن أعلمكم: أنكم قلبتم الدِّين. وأما قولي لكم: بَح، فإنما أردت أن أعلمكم: أنَّ الأشياء كلها مباحة لكم من الزنى ، وشرب الخمر.
ط ـ إجبار الناس على الفطر قبل رؤية الهلال:
وكانوا كثيراً ما يجبرون الناس على الفطر قبل رؤية هلال شوال ، بل قتلوا من أفتى بأن لا فطر إلا مع رؤية الهلال ، كما فعلوا بالفقيه ابن الحُبُلي ، قاضي مدينة برقة. قال الذهبي في ترجمته: الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة، محمد بن الحُبُلي ، أتاه أمير برقة، فقال: غداً العيد ، قال: نرى الهلال ، ولا أفطر الناس ، واتقلَّد إثمهم. فقال: بهذا جاء كتاب المنصور ـ وكان هذا من رأي العبيدية يفطرون بالحساب ، ولا يعتبرون رؤية ـ فلم يُر هلال، فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد، فقال القاضي: لا أخرج، ولا أصلي. فأمر الأمير رجلاً خطب ، وكتب بما جرى إلى المنصور ، فطلب القاضي إليه ، فأحضر ، فقال له: تَنصَّلْ ، وأعفو عنك ، فامتنع ، فأمر ، فُعلِّق في الشمس إلى أن مات ، وكان يستغيث من العطش ، فلم يُسقَ ، ثم صلبوه على خشبة. فلعنة الله على الظالمين!
ي ـ إزالة آثار خلفاء السنة:
عمل حكَّام الدولة الفاطمية في المغرب الإسلامي على إزالة اثار بعض مَنْ تقدَّمهم من الخلفاء السنيِّين ، فقد أصدر عبيد الله أمراً بإزالة أسماء الذين بنو الحصون ، والمساجد ، وجعل اسمه بديلاً منهم ، واستولى هذا الشيعي الرافضي الباطني على أموال الأحباس ، وسلاح الحصون، وطرد العبَّاد، والمرابطين بقصر زياد الأغلبي، وجعله مخزناً للسِّلاح.
ك ـ دخول خيولهم المساجد:
من جرائم عبيد الله الكثيرة: أنَّ خيله دخلت المسجد ، فقيل لأصحابها: كيف تدخلون المسجد؟ فقالوا: إن أرواثها، وأبوالها طاهرةٌ؛ لأنها خيل المهدي ، فأنكر عليهم قيِّمُ المسجد ، فذهبوا به إلى المهدي ، فقتله. يقول ابن عذارى: وامتُحن عبيد الله في اخر حياته بعلةٍ قبيحة: دود في اخر مخرجه ، يأكل أحشاءه ، فلم يزل به حتى هلك. إنَّ المسلمين المعاصرين يقرؤون تاريخ الدولة الفاطمية العبيدية لا يعلمون إلا ما كتب لهم عن التاريخ السياسي لهذه الدَّولة ، ذهب فلان ، وخلفه فلان ، وأنها دولة تحبُّ العلم ، وتنشره ، والمقصود نشر كتب الفلاسفة ، ولكن القليل من يذكر بطش هؤلاء الباطنية بالعلماء من أهل السنة ، بل إنَّ الطلبة الذين يدرسون التاريخ الإسلامي يذكرون المعز لدين الله الفاطمي ، وكأنَّه بطل من أبطال التاريخ ، وهذا كلُّه نتيجة لغياب التفسير العقدي الإسلامي لتاريخنا ، بل إنَّ بعض المؤرخين الذين كتبوا لنا التاريخ تأثروا بمدارس الاستشراق ، أو بالفكر الشيعي الرافضي ، وبذلت لهم الأموال لطمس الحقائق ، وتزوير التاريخ ، ولا يزال الصراع الباطني ، والإسلامي ممتداً إلى يومنا هذا ، فالأفكار لا تموت ، وإنما تتغير الأشكال ، والوجوه ، والمسوح ، وأنَّ أعداء الإسلام لا يزالون يعملون سراً ، وإعلاناً ، ليلاً ، ونهاراً للقضاء على العقيدة الصحيحة؛ التي تلقتها الأمَّة من الحبيب المصطفى ، واصحابه الغرِّ الميامين ، وأهل بيته الطاهرين الطيبين ، رضي الله عنهم أجمعين.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/66.pdf