الثلاثاء

1446-11-08

|

2025-5-6

الوسطية في القرآن الكريم
أنواع المكذبين بالبعث
الحلقة: السادسة و الثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020
 
كذَّب كثير من الناس قديماً وحديثاً بالبعث والنشور، وبعض الذين قالوا بإثباته صوَّروه على غير الصورة التي أخبرت بها الرسل، وقد بين الله سبحانه وتعالى قول المكذبين، وذمَّهم، وكفَّرهم، وتهدَّدهم، وتوعَّدهم. قال تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الرعد: 5] وقال أيضاً: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ *وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ *}[الأنعام: 29 ـ 30] وقال تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا *قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا *أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا *}[الإسراء: 49 ـ 51].
وقد تعرَّض شيخ الإسلام ابن تيمية لبيان أنواع المكذبين بالبعث والنشور من اليهود، والنصارى، والصابئة، والفلاسفة، ومنافقي هذه الأمة، فقال: (وإنما المخالف في ذلك أحد رجلين: إما كافر، وإما منافق.
أما الكافر؛ فإن اليهود، والنصارى ينكرون الأكل، والشرب، والنكاح في الجنة، ويزعمون: أن أهل الجنة إنما يتمتعون بالأصوات المطربة، والأرواح الطيبة مع نعيم الأرواح، وهم يقرون مع ذلك بحشر الأجساد مع الأرواح ونعيمهما وعذابهما، وأما طوائف من الكفار وغيرهم من الصابئة، والفلاسفة، ومن وافقهم؛ فيقرون بحشر الأرواح فقط، وأن النعيم والعذاب للأرواح فقط.
وطوائف من الكفار، والمشركين ، وغيرهم ينكرون المعاد بالكلية ، فلا يقرُّون لا بمعاد الأرواح ، ولا الأجساد، وقد بيَّن الله تعالى في كتابه على لسان رسوله أمر معاد الأرواح، والأجساد، وردَّ على الكافرين والمنكرين لشيء من ذلك بياناً تامّاً غاية التمام والكمال.
وأما المنافقون من هذه الأمة الذين لا يقرُّون بألفاظ القرآن والسنة المشهورة؛ فإنهم يحرفون الكلام عن مواضعه، ويقولون: هذه أمثال ضربت لنفهم المعاد الروحاني، وهؤلاء مثل القرامطة الباطنية الذين قولهم مؤلف من قول المجوس، والصابئة، ومثل المتفلسفة الصابئة المنتسبين إلى الإسلام ممَّن ضاهوهم: من كاتب، أو متطبب، أو متكلم، أو متصوف، أو منافق، وهؤلاء كلهم كفار يجب قتلهم باتفاق أهل الإيمان).
وحقيقة قول هؤلاء: أنَّ الله لم يكن صادقاً في إخباره عن حقائق ما في المعاد، وكذلك رسوله (ص) ولذلك سمَّى شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الصنف من المتفلسفة المخـالف لما عليه المسلمون في أمر المعـاد (بأهل التخييل) وقال فيهم: (فأهل التخييل هم المتفلسفـة، ومن سلك سبيـلهم من متكلم، ومتصوف، ومتفقـه، فـإنـهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله والاخرة إنما هو تخييل للحقائق؛ لينتفع به الجمهور، لا أنه بيَّن بـه الحق، ولا هدى الخلق، ولا أوضح الحقائق).
وقـد صنف الدكتور عمر الأشقر المكـذبين بـالبعث والنشور إلى ثـلاثـة أصنـاف:
الأول: الملاحدة الذين أنكروا وجود الخالق، ومن هؤلاء كثير من الفلاسفة الدهرية الطبائعية، ومنهم الشيوعيون في عصرنا، وهؤلاء ينكرون صدور الخلق عن خالق، فهم منكرون للنشأة الأولى، والثانية، ومنكرون لوجود الخالق أصلاً. ولا يحسن مناقشة هؤلاء في أمر المعاد، بل يناقشون في وجود الخالق، ووحدانيته أولاً، ثم يأتي إثبات المعاد بعد ذلك ؛ لأن الإيمان بالمعاد فرع عن الإيمان بالله.
الثاني: الذين يعترفون بوجود الخالق، ولكنَّهم يكذبون بالبعث والنشور، ومن هؤلاء العرب الذين قال الله فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *}[لقمان:25].
وهم القائلون فيما حكاه الله عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ *لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ *}[النمل: 67 ـ 68].
وهؤلاء يدَّعون: أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يدَّعون: أنَّ قدرة الله عاجزة عن إحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله لهم الأمثال، وساق لهم الحجج والبراهين لبيان قدرته على البعث والنشور، وأنه لا يعجزه شيء، ومن هؤلاء طائفة من اليهود يسمَّون بالصادقيين، يزعمون: أنهم لا يؤمنون إلا بتوراة موسى، وهم يكذبون بالبعث، والنشور، والجنة، والنار.
الثالث: الذين يؤمنون بالمعاد على غير الصفة التي جاءت بها الشرائع.
يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022