الثلاثاء

1446-11-08

|

2025-5-6

من كتاب الوسطية في القرآن الكريم

موقف اليهود من أنبياء الله ورسله

الحلقة: الثالثة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020

لقد كان لليهود من أنبياء الله ورسله مواقف شائنة مخزية تنبأى عن خبثٍ في الطويَّة، وفساد في السيرة، والسريرة، واتباع للنفس والهوى، وإعراض عن الحق والهدى. وإذا نحن أجَلْنا النظر في كتاب الله، عز وجل؛ تحصَّل لنا: أن مواقف اليهود من رسل الله تتلخص في الأمور التالية:
الأمر الأول: أنهم فرقوا بين رسل الله، ولم يؤمنوا بهم جميعاً؛ بل امنوا ببعض، وكفروا بالبعض الآخر (بمجرد التشهي، والعادة، لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك، بل بمجرد الهوى، والعصبية).
ومن أعظم الرسل الذين كفروا بهم، وكذبوا برسالتهم عيسى، ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، على أنهم كذبوا وكفروا بأنبياء اخرين غيرهما بدليل قتلهم لكثير من أنبيائهم كما سيأتي، وقد عد الله من يؤمن ببعض الرسل، ويكفر بالبعض الآخر كافراً، بل هو الكافر حقّاً، فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِيناً *}[النساء: 150 ـ 151].
قال الإمام ابن جرير في تفسير هذه الآية: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} أنهم يقولون: نصدق بهذا، ونكذب بهذا، كما فعلت اليهود في تكذيبهم عيسى، ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم، وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم وتصديقهم عيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم.
الأمر الثاني: أنهم خذلوا أنبياءهم، ولم يقوموا بنصرهم، وقد أخذ الله عليهم ميثاقهم لينصرُنَّهم فقال: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً لأَكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ *}[المائدة:12].
قال الحافظ ابن كثير: (أي: نصرتموهم، وازرتموهم على الحق). فلم يفوا بميثاقهم، وما لبثوا أن قالوا لموسى ـ عليه السلام ـ لما قال لهم: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } [المائدة: 21] {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ *}[المائدة: 22].
ثم ما لبثوا أن أعلنوا خذلانه، وعدم القتال معه، وخلوا بينه وبين عدوه فـ: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ} [المائدة: 24] فكان جزاؤهم التيه في الأرض أربعين سنة: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ *}[المائدة: 26].
الأمر الثالث: أنهم تنقَّصوا بعض الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ورموهم بارتكاب كبائر الذنوب، وألصقوا بهم كل رذيلة، ومن ذلك:

1 ـ ما نسبوه إلى هارون ـ عليه السلام ـ من أنه صنع لهم العجل الذي عبدوه من دون الله، جاء في (سفر الخروج):
(ولما رأى الشعب: أن موسى أبطأ في النزول من الجبل؛ اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: ثم اصنع لنا الهة تسير أمامنا؛ لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه، فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في اذان نسائكم، وبنيكم، وبناتكم، وائتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في اذانهم، وأتوا بها إلى هارون فأخذ ذلك من أيديهم، وصوره بالأزميل، وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه الهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر، فلما نظر هارون بنى مذبحاً أمامه، ونادى هارون، وقال: غداً عيد للرب، فبكروا في العيد، وأصعدوا محرقات، وقدموا ذبائح سلامة، وجلس الشعب للأكل والشرب، ثم قاموا للعب).
هكذا يصور هذا السفر نبياً عظيماً من أنبياء الله، بعثه ليدعو الناس إلى توحيد الله في صورة صانع للأصنام، مغر لقومه بعبادته من دون الله، عز وجل. ونحن نقطع بأن هذا النص مما كتبه اليهود بأيديهم، وقالوا: هو من عند الله وما هو من عند الله، وإنه (ليدل على أن محرري هذه الأسفار لا يرعون لأنبيائهم حرمة، ولا يرجون لهم وقاراً، ولا يتورعون عن أن ينسبوا إليهم أية نقيصة؛ حتى خيانة الرسالة نفسها التي بعثوا من أجلها، ودفع قومهم إلى الشرك بالله).
ولقد ذكر الله في القرآن الكريم قصة عبادة اليهود للعجل، وبين: أن الذي صنع العجل، وأغراهم بعبادته هو السامري، وليس هارون عليه السلام، بل أخبر عز وجل: أن هارون عليه السلام حذر قومه من ذلك، ولكن القوم لم يلتفتوا إلى تحذيره، وعصوه، وخالفوه إلى ما نهاهم عنه فقال عز وجل:{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى *قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى *قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ *فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَال ياقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُّمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي *قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ *فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ *أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْل ياقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي *قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى *}[طه: 83 ـ 91].
فهذه الآيات تنطق في وضوح ببراءة هارون عليه السلام مما نسبه إليه اليهود، وتشهد بافترائهم، وكذبهم، وتقولهم على الله ـ عز وجل ـ ورسله ألا بئس ما يزرون! ورموا نبي الله سليمان عليه السلام بأنه في أواخر أيامه مال إلى ممالأة نسائه على عبادة الأوثان وبنى لالهتهنَّ المعابد، وأن قلبه مال معهن إلى هذه الالهة، ولم يكن ذلك مخلصاً في إيمانه بربه عز وجل وتجد ذلك في (سفر الملوك الأول) من كتبهم المقدسة.
فهذا سليمان النبي الكريم الذي لم يقرَّ ملكة سبأ وقومها على عبادة الشمس والقمر من دون الله، وبذل ما في وسعه لهدايتهم إلى عبادة الله ربِّ العالمين، فأظهر لها من آيات الله التي اتاه ما حدا بها إلى الهداية والإسلام، فقالت: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}[النمل:44] ومع ذلك ينسب إليه اليهود الميل إلى عبادة الأصنام والإذعان لرغبة نسائه في ذلك، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم!
2 ـ نسبتهم لبعض الرسل والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ شرب الخمر، وارتكاب فاحشة الزنى، والقتل، فنسبوا إلى أبي الأنبياء نوح عليه السلام: أنه شرب الخمر حتى سكر، وثمل، وانكشفت سوءته. ذكر ذلك في (سفر التكوين). هكذا يصور كتاب اليهود المقدس نوحاً عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ليلاً ونهاراً، وسرّاً وجهاراً في صورة فاسق، لا يفيق من السكر، قاتلهم الله أنى يؤفكون!
ونسبوا إلى نبي الله لوط عليه السلام الزنى بابنتيه، فقالوا: إن ابنتيه تامرتا عليه، وأسقتاه خمراً؛ حتى ثمل، وزنى بهما،وحملتا منه، وذكر ذلك في (سفر التكوين). وهذا نبيُّ الله الملك الصالح داود عليه السلام تنسب إليه التوراة المزعومة الزنى بإحدى زوجات قائد من قواد جنوده، فخشي افتضاح أمره، فاحتال بقتله، وتزوج امرأته من بعده، ثم ذكروا: أن داود طلب دعوة أوريا زوج المرأة المزعومة من المعركة ليقيم مع زوجته، في محاولة من داود لإخفاء جريمته، ونسبة الحمل لأوريا، ولكن أوريا لم يدخل على أهله، ولما يئس منه داود؛ كتب إلى قائده يأمره بأن يجعل أوريا في مقدِّمة الجيش، والتراجع عنه عند اشتداد الخطر؛ ليهلك، ذكر ذلك في (سفر صموئيل الثاني).
فانظر رحمك الله كيف صوَّروا نبيّاً كريماً بهذه الصورة المزرية، فلم يكفهم نسبة الزنى إليه، حتى جعلوه متامراً على القتل، بل امراً به.
الأمر الرابع: أنهم قتلوا بعض أنبيائهم:
لقد سجَّل الله عليهم في القرآن الكريم هذا الموقف المشين من أنبيائهم في غير ما آية مقرعاً لهم، وموبخاً على هذا الصنيع القبيح، والجرم العظيم الذي ارتكبوه بحق من أرسل لهدايتهم، وبعث لإرشادهم إلى صراط الله المستقيم من أنبياء الله ورسله. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ *}[البقرة:87].
وقال عز وجل: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ *}[المائدة: 70] فاستجلبوا بهذا الموقف المخزي غضب الله ـ عز وجل ـ ومقته، وسخطه، واستوجبوا عذابه ونقمته: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *} [آل عمران: 21].
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمئة نبي من أول النهار، وأقاموا سوق بَقْلِهم من آخره).ومن أعظم الأنبياء الذين قتلوهم زكريا، وابنه يحيى عليهما السلام، فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله عز وجل:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *}[ آل عمران: 21].
بعث عيسى ابن مريم يحيى في اثني عشر رجلاً من الحواريين يعلِّمون الناس، فكان ينهاهم عن نكاح ابنة الأخ، وكان ملك له ابنة أخ تعجبه، فأرادها، وجعل يقضي لها كل يوم حاجة، فقالت لها أمها: إذا سألك عن حاجتك؛ فقولي له: أن تقتل يحيى بن زكريا، فقال لها الملك: ما حاجتك؟ فقالت: حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا! فقال: سلي غير ذلك! فقالت: لا أسأل غير هذا، فلما أتى؛ أمر به فذبح...
وذكر الإمام ابن جرير وغيره: قتل بنو إسرائيل زكريا عليه السلام كما قتلوا ابنه يحيى، وقد أجمعوا على قتل المسيح عيسى ابن مريم، عليه السلام، ولكن الله حفظه من كيدهم، ورفعه إليه، وألقى شبهه على غيره، فقتلوه، وصلبوه وهم يعتقدون: أنهم قتلوا المسيح عليه السلام، كما ذكر ذلك عنهم الحق تبارك وتعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً *بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157 ـ 158].
ويبدو: أن هذا الخلق ظلَّ ملازماً لهم تجاه أنبياء الله ورسله، ولم يكن ذلك منهم مع أنبيائهم فقط، فقد حاولوا قتل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فدسُّوا له السم ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ بغية قتله، وحاول بنو النضير اغتياله بإلقاء الصخرة عليهجرياً على عادتهم في الخبث، والكيد لرسل الله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ: «أنَّ امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك! قال: «ما كان الله ليسلطك على ذاك ـ قال ـ أو قال: عليَّ» قال: قالوا: ألا تقتلها؟ قال: «لا» قال: فما زلت أعرفها في لهواترسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشير بعض الروايات إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو يجد أثر سم اليهود له، ففي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم».
وبعد: فهذا هو موقف اليهود من رسل الله وأنبيائه، صلوات الله وسلامه عليهم: إيماناً ببعض، وكفر ببعض، وتنقص منهم، وإيذاء، وسبٌّ، وشتم، وقذف بارتكاب جرائم السكر، والعربدة، والزنى، والقتل، ثم تشريد، ومطاردة، وقتل لبعضهم، وهي مواقف تدل على مبلغ تفريط القوم، وبعدهم عن الوسطيَّة، وعن الصراط المستقيم، وعن العدل والاستقامة في حق أنبياء الله ورسله، وعظم تقصيرهم، وشدة جفائهم، وعداوتهم، وبما غلوا، وأفرطوا في حق بعض أنبيائهم، وأنزلوهم فوق مكانة النبوة والرسالة، كما وقع منهم في حق عُزير، عليه السلام؛ إذ قالوا إنه ابن الله كما ذكر الله ـ عز وجل ـ ذلك في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ *}[التوبة: 30].
ومن مظاهر غلوِّهم اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك، ولعنهم لأجله، فقال: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». فالقوم كان لديهم غلو في بعض أنبيائهم، لكن لما كان الغالب عليهم الجفاء، والتفريط في هذا الجانب؛ ظنَّ بعض الناس: أنه لم يقع منهم غلو ؛ لكثرة ما ورد في القرآن من نسبة قتل الأنبياء وتكذيبهم إليهم، بل ربما لهوىً في نفوس البعض حاول التشكيك في الأحاديث التي أشرنا إليها، وأوهم: أنها تعارض ما جاء في القرآن من ذكر جفائهم للأنبياء، وغفل، أو تغافل عن أن القرآن الكريم الذي جاء فيه نسبة التفريط إليهم جاء فيه أيضاً نسبة الإفراط، والغلو إليهم كما تقدَّم في شأن عزير، عليه السلام.
يمكنكم يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022