الجمعة

1446-12-10

|

2025-6-6

من كتاب الوسطية في القرآن الكريم

تحريف النصارى للإنجيل

الحلقة: الحادية والثلاثون

بقلم: الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020

حرف النصارى الإنجيل، وبذلك ابتعدوا عن الصراط المستقيم، وإليك ما يُثبت التحريف في الأناجيل:
أولاً: النتيجة التي لا مفر من التسليم بها: أن الإناجيل القانونية الموجودة الان ما هي إلا كتب مؤلفة، وهي تبعاً لذلك معرضة للخطأ والصواب، ولا يمكن الادعاء ـ ولو لحظة ـ: أنها كتبت بإلهام، فلقد كتبها أناس مجهولون، في أماكن غير معلومة، وفي تواريخ غير مؤكدة، والشيء المؤكد: أن هذه الأناجيل مختلفة غير متالفة، بل إنها متناقضة مع نفسها، ومع حقائق العالم الخارجي ؛ لأنها فشلت في تنبؤات كثيرة، كالقول بنهاية العالم، وهذا القول قد يضايق النصراني العادي بل قد يصدمه، ولكن بالنسبة للعالم النصراني؛ فقد أصبح ذلك عنده حقيقة مسلم بها لما أجراه من أبحاث، ولما علم من واقع الإنجيل.
ثانياً: الشواهد على التحريف من الأناجيل
أ ـ جاء في إنجيل مرقس: أن المسيح قال لتلاميذه: (اذهبوا إلى العالم أجمع، واحكموا بالإنجيل للخليقة كلها، من امن، واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدان، وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرُّهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون).
ففي هذا النص حجة على النصارى من وجهين:
الوجه الأول: قولهم عن عيسى: أنه أمرهم أن يبشروا بالإنجيل، فدل ذلك على أن إنجيلاً أتاهم به وليس هو عندهم الان، وإنما عندهم أربعة أناجيل متغايرة، وليس منها إنجيل أُلِّفَ إلا بعد رفع عيسى عليه السلام بأعوامٍ كثيرة، فصحَّ: أن ذلك الإنجيل الذي أخبر المسيح: أنه أتاهم به، وأمرهم بالتبشير به ذهب عنهم؛ لأنهم لا يعرفون له أصلاً، وهذا ما لا يمكن سواه.
الوجه الثاني: قولهم إنه وعد كل من امن بدعوة التلاميذ: أنهم يتكلمون بلغات لا يعرفونها، وينفون الجنَّ عن المجانين، ويضعون أيديهم على المرضى، فيبرؤون ويحملون الحيَّات، وإن شربوا شربة قتالة؛ لا تضرهم، وهذا وعد ظاهر الكذب؛ فإن ما من النصارى أحد يتكلم بلغة لم يتعلمها، ولا منهم أحدٌ ينفي جنيّاً، ولا من يحمل حية؛ فلا تضره، ولا من يضع يده على مريض فيشفى، ولا منهم أحد يُسقى السم، فلا يضره، وهم معترفون بأن يوحنا ـ صاحب الإنجيل ـ قتل بالسم، وحاشا لله أن يأتي نبي بمواعيد كاذبة، وهذا دليل على تحريف النصارى، وتناقضهم، وتكذيبهم أنفسهم.
ب ـ ومن ذلك ما جاء في إنجيل «متَّى»: أن عيسى ـ عليه السلام ـ دعا على شجرة تين خضراء فيبست التينة في الحال، فتعجب التلاميذ من ذلك، فقال لهم عيسى: (الحق أقول لكم: إن كان لكم إيمان، ولا تشكو أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضاً لهذا الجبل: انتقل، وانطرح في البحر؛ فيكون).
وهذا فيه حجة على النصارى، وذلك أن الأمر لا يخلو من أن يكون النصارى مؤمنين بالمسيح عليه السلام، أو غير مؤمنين، فإن كانوا مؤمنين، فقد كذبوا المسيح فيما نسبوه إليه في هذه المقالة ـ وحاشا له من الكذب ـ فليس منهم أحد قدر على أن يأمر حبة من خردل بالانتقال فتنتقل، فكيف على قلع جبل، وإلقائه في البحر، وإن كانوا غير مؤمنين به؛ فهم بإقرارهم هذا كفرة، ولا يجوز أن يصدق كافر.
وبهذا يتبين : أن الأناجيل وقع فيها تحريف عظيم، ولا يعتمد عليها، ولا مخرج من هذا التيه إلا بالدخول في الإسلام، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ما اقترفه النصارى وما أدخلوه على حقيقة النبوة من تأليه جماعة منهم لعيسى ابن مريم، وقول بعضهم بالتثليث، قال تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَـالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ *}[المائدة: 72] وقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}[المائدة: 73] .
فجاء القرآن الكريم، وبيَّن هذا التحريف، وبيَّن العقيدة السليمة عن عيسى وأمه، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *}[المائدة: 57] والحق الذي لا يماري فيه منصف: أنه لا يوجد اليوم على ظهر الأرض كتاب تصلح نسبته إلى الخالق تبارك وتعالى سوى القرآن الكريم، ومن وسطية القرآن في ركن الكتب السماوية بيانه ما وقع فيها من الانحراف، والابتعاد عن الصراط المستقيم، وأعطانا القول الفصل في هذا المجال، ولم يترك ما يفيدنا، وينفعنا فيما يتعلق بهذا الشأن، وغيره.
فبيَّن سبحانه وتعالى: أن التوراة أصلها من عند الله، وحدث فيها التحريف بسبب أحبارهم ورهبانهم. قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ *}[المائدة: 44].
وبيَّن سبحانه وتعالى: أن الإنجيل أصله من عند الله، إلا أن علماءهم حرفوه قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ *يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ *}[المائدة: 14 ـ 15].
وأخبر سبحانه وتعالى: أن الزبور أنزله على داود ـ عليه السلام ـ فقال تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعَضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا *} [الإسراء: 55] وأخبرنا سبحانه عن الصحف التي أنزلها على إبراهيم، وموسى التي أخبر الله عنها بقوله: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى *وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى *أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى *وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى *ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى *وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى *}[النجم: 36 ـ 42].
وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى *وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى *إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى *صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى *}[الأعلى: 14 ـ 19].
وأما الكتب الأخرى التي نزلت على سائر الرسل؛ فلم يخبرنا الله تعالى عن أسمائها، وإنما أخبرنا سبحانه: أن لكل نبي أرسله الله، رسالة بلغة قومه، فقال: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}[البقرة: 213].
فمن حكمة الله: أنه بين لنا ما يفيدنا في دنيانا، واخرتنا، فيجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب التي لم تُسمَّ إجمالاً، ولا يجوز لنا أن ننسب كتاباً إلى الله تعالى سوى ما نسبه إلى نفسه ممَّا أخبرنا عنه في القرآن الكريم.
يمكنكم يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022