(محاولة عزل عماد الدين زنكي عن الموصل)
كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 35
بقلم: د.علي محمد الصلابي
صفر 1444 ه/ سبتمبر 2022م
تراوحت علاقة عماد الدين بالخلافة العباسية، والسلطنة السلجوقية بين التعاون المثمرة والعداء الشديد وفقاً للمصلحة العامة والشخصية في الوقت نفسه، على أنَّ هذه التقلبات لم تؤثر على مركزه في ولاية الموصل، والجزيرة، وبلاد الشام، فقد تعرَّض في بداية حكمه لمحاولة استهدفت عزله عن منصبه، وإحلال دُبَيس بن صدقة أمير الحلة مكانه، ذلك: أنَّ هذا الرجل كان قد التحق بخدمة السلطان سنجر، سلطان السلاجقة العظام في خراسان، وأضحى من أمرائه المقربين، وحدث أن وجَّه محمود سلطان سلاجقة العراق إلى خراسان لتصفية المشاكل القديمة مع عمِّه سنجر(1)، وأثناء المباحثات التي جرت بينهما طلب سنجر من ابن أخيه محمود:
ـ أن يعزل عماد الدين زنكي عن الموصل، والجزيرة، وبلاد الشام، ويوليها لدُبَيس.
ـ وأن يطلب من الخليفة تحسين علاقاته به بعد المشاكل التي أثارها ضد الخلافة.(2)
ويبدو: أنَّ محموداً استجاب لطلب عمه، فعندما وصل إلى بغداد في مطلع عام 523هـ/(اخر عام 1128م) سعى لدى الخليفة المسترشد بالله لتحقيق ذلك، كما طلب من عماد الدين زنكي التخلي عن منصبه، وتسليمه لدُبَيس.(3)
كان هذا الطلب كافياً للقضاء على آمال عماد الدين زنكي، وتطلعاته السياسية، لذلك تحرك على وجه السرعة لإحباط هذا التدبير، فقدم إلى بغداد، وتمكَّن بعد مباحثات طويلة من إقناع السلطان بضرورة إبقائه على ولاية الموصل لمجابهة الصليبيين، كما أكَّد طاعته، وإخلاصه له، فخلع عليه، وجدَّد له ولايته، وكتب له منشوراً جديداً بحكم الموصل، والجزيرة، والشام تأكيداً لمنشور عام 521هـ(4) وقد ساعدت عماد الدين زنكي مجموعة من العوامل على بقائه في منصبه، منها ما بذله الخليفة من جهود لتثبيت زنكي على الموصل بدافع من كراهيته العميقة لدُبَيس؛ حتى إنَّه أرسل إلى السلطان محمود يقول له: إنَّ دبيساً أعان الفرنجة ضد المسلمين؛ فكيف توليه؟! (5)وكان دبيس قد انضم إلى الصليبيين ـ وهو من الطائفة الشيعية الاثني عشرية ـ بعد هزيمة 517هـ وأسهم معهم في حصار حلب طمعاً بالاستيلاء عليها وحكمها نيابة عنهم.
لم يكن أهالي بغداد أقل كراهية لدبيس وحقداً عليه من الخليفة نفسه؛ حتى إنهم تظاهروا ضدَّه لدى دخوله العاصمة، وراحوا ينددون به، ويهتفون بالتأييد والدعاء للخليفة والسلطان(6) بسبب محاولات دُبَيس المتكررة لنهب بغداد، وتخريبها.(7) فضلاً عن مساعدته للصليبيين.(8)
ولم يكن في صالح السلطان محمود نفسه عزل زنكي عن الموصل وهو الذي وقف إلى جانبه في الظروف الحرجة، ولعلَّه لم يقم بمحاولة العزل ـ أساساًـ إلا تحت ضغط عمِّه سنجر صاحب السلطة العليا على السلاجقة، هذا فضلاً عن أن تعيين دبيساً في الموصل قد يتيح لسنجر أن يتَّخذ منه صنيعة ضدَّ مصالح السلطان محمود في العراق.(9)
مراجع الحلقة الخامسة والثلاثون:
(1) أخبار الدولة السلجوقية للحسيني ص 88 ـ 90.
(2) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم(10/8 ـ 9).
(3) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 89.
(4) مفرج الكروب في أخبار بني أيوب(1/40).
(5) زبدة حلب(2/244) عماد الدين زنكي ص 50.
(6) زبدة حلب(2/221 ـ 225).
(7) المنتظم(10/11).
(8) عماد الدين زنكي ص 51.
(9) المصدر نفسه ص 51.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي