الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

(عماد الدين زنكي ونظام الإعداد القيادي (الأتابكية)

الحلقة: 34

اقتباس من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

صفر 1444 ه/ سبتمبر2022م

نظام الإعداد القيادي (الأتابكية): وهي كلمة مشتقة من الكلمة التركية أتابك المركبة من المقطعين (أتا) بمعنى: أب و«بك» بمعنى أمير، وتعني «الوالد الأمير» وكان هذا اللقب يطلق على من يتولى تربية أبناء الملوك والسلاطين، ويرعى شؤونهم .

وكان الأتابك: هو الحاكم الأعلى في الأتابكية، وكان يلقب بالملك أيضاً، وله الإشراف على جميع شؤون المملكة، أو الأتابكية، كما أنَّه يُعَدُ المسؤول الأوَّل عن السياسة الخارجية، ومن حقه أن يعلن الحرب، ويقود الجيوش، ويعين الولاة والقوَّاد، فهو لذلك أشبه بالسلطان السلجوقي، كما أن له الحق في نقش اسمه على السكة، والدعاء له في الخطبة إلى جانب اسم الخليفة والسلطان.(1)

وقد عُرف عماد الدين زنكي بلقب (الأتابك) مُنذ تعينه حاكماً على الموصل عام 521هـ، واشتهرت الإمارة التي أسسها باسم(أتابكية الموصل) والسلالة التي أعقبته في الحكم باسم الأتابكة، وقد بدأت تسمية زنكي بهذا اللقب في شعبان عام 521هـ عندما ولاه السلطان محمود الموصل، وسلمه ولديه: ألب أرسلان، وفرُّوخ شاه (المعروف بالخفاجي) وجعله أتابكاً لهما،(2) وقد ترتبت على «أتابكية زنكي» نتائج عديدة، فقد كان عليه من الناحية الرسمية أن يحكم باسم ألب أرسلان أكبر الأميرين، وأن يخطب له، ولذلك أظهر للخلفاء والسلاطين وأصحاب الأطراف: أنَّ البلاد التي يحكمها إنما هي للملك ألب أرسلان،(3) وأنَّه نائب فيها: فكان إذا أرسل رسولاً، أو أجاب على رسالة، فإنما يقول: قال الملك: كذا وكذا، وكان هذا الإجراء من قبل زنكي لا يعدو أن يكون شكلياً؛ إذ أن السلطة الفعلية كانت متركزة في يده، ولم يكن لأحدٍ من ابني السلطان محمود أية سلطة عملية، بل كانا أشبه بالمحتجزين؛ إذ فرَّق زنكي بينهما، فجعل أحدهما في أحد معاقل سنجار، والآخر تحت إشراف زوجته في الموصل.(5)

وقد استهدف من الخطبة لألب أرسلان إلقاء الصفة الرسمية «الشرعية» على سياسته، وأعماله مستغلاً اسم الملك السلجوقي، كما عمل زنكي على استغلال وجود هذين الملكين السلجوقيين، فقام بمحاولات ثلاث(525هـ 529هـ) لتنصيب ألب أرسلان على عرش سلاجقة العراق، بالاتفاق مع الخليفة العباسي ضدَّ السلطان السلجوقي في أصفهان، وقد استهدف من وراء ذلك جعل السلطة الفعلية لسلاجقة العراق بيده باسم السلطان الشرعي المنصب، ولكن هذه المحاولات انتهت جميعاً بالفشل.(6)

أ ـ محاولة انقلابية في الموصل: قامت مؤامرة ضدَّ عماد الدين زنكي تزعَّمها الملك الخفاجي عام 539هـ أثناء غياب زنكي عن الموصل؛ إذ اتفق الخفاجي وأنصاره على اغتيال نصير الدين جقر نائب زنكي في الموصل، ومن ثم السيطرة على المدينة، وإعلان العصيان ضد زنكي، ففي صباح الثامن، أو التاسع من ذي القعدة عام 539هـ ركب جقر في موكبه كعادته، واخترق شوارع المدينة متجهاً إلى الدار التي يقيم فيها الملك الخفاجي للتسليم عليه،(7) فحسَّن المفسدون للملك قتله، وقالوا له: إنَّك إن قتلته؛ ملكت الموصل، وغيرها ويعجز أتابك أن يقيم بين يديك، ولا يجتمع معه فارسان عليك فوقع هذا في نفسه وظنَّه صحيحاً، فلما دخل نصير الدين إليه كعادته وثب عليه جماعة في خدمة الملك، فقتلوه، وألقوا رأسه إلى أصحابه، ظنَّاً منهم أن أصحابه إذا رأوا رأسه تفرَّقوا، ويملك الملك البلاد، وكان الأمر بخلاف ما ظنُّوا، فإن أصحابه، وأصحاب أتابك الذين معه لما رأوا رأسه قاتلوا من بالدَّار مع الملك، واجتمع معهم الخلق الكثير، وكانت دولة عماد الدين مملوءة بالرِّجال الأجلاد ذوي الرأي والتجربة، فلم يتغير عليه بهذا الفتق شيءٌ.(?

ب ـ دور العلماء في تثبيت عماد الدين: كان عماد الدين زنكي منشغلاً بمحاصرة البيرة سنة 539هـ وكانت هذه المدينة قد أوشكت على السقوط في يد عماد زنكي، فورد إليه نبأ مقتل نائبه في الموصل نصير الدين جقر، فانزعج كثيراً، واضطر عماد الدين إلى الرحيل عن البيرة، وأرسل نائباً عنه إلى الموصل لاستطلاع حقيقة الأمر، وهو القاضي تاج الدين بن يحيى بن الشهرزوري كان ملازماً لعماد الدين أثناء محاصرته للبيرة، فلمَّا وصل تاج الدين إلى الموصل؛ علم: أن الملك السلجوقي ابن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه كان وراء مقتل نصير الدين جقر؛ ليملك الموصل في غياب عماد الدين عنها،(9) ولذلك قام القاضي تاج الدين بن الشهرزوري بخدعة كي يفسد على الملك السلجوقي زعيم الانقلاب بالموصل مخططه، فدخل في الدار التي كان يحاصره فيها أصحاب جقر، وأصحاب عماد الدين زنكي، وظل يخادعه بمعسول الكلام، ويحسن له ما فعله مع جقر، ويشجعه على الصعود إلى قلعة الموصل حتى يملكها، ويكون في مأمن، حيث يوجد بها الأموال، والسلاح، فيستطيع بعد ذلك تملك الموصل، فاقتنع الملك السلجوقي بن محمود، وخرج في صحبة القاضي تاج الدين، وصعدا معاً إلى القلعة، وهناك قبض عليه وعلى من معه من أتباعه الذين قتلوا نصير الدين جقر، وبعد ذلك توجه القاضي تاج الدين إلى عماد الدين زنكي وبلَّغه بكل ما فعله، فسكن جأشه، واطمأن قلبه.(10)

وممَّا تقدم يتضح لنا مدى ما بلغه القاضي تاج الدين من الفطنة، وحسن التصرف، مثل باقي أقاربه من بيت الشهرزوري الذين امتلأت بهم دولة عماد الدين زنكي(11) وعيَّن عماد الدين زنكي قائده زين الدين علي كجك ليحلَّ محل جقر نائب الموصل المقتول، ثم ذهب هو بنفسه بعد ذلك لإقرار الأوضاع هناك.(12)

ج ـ سياسة عماد الدين مع الملك الاخر ألب أرسلان: أبدى زنكي، بعد مقتل الخفاجي، عطفه على الملك الاخر ألب أرسلان، فألغى احتجازه في أحد معاقل سنجار وعطف عليه وعني بتفاصيل أمره، وعين له حرَّاساً وموظفين لخدمته، واهتمَّ بمراسيم جلوسه وركوبه، وطالب رجاله بالاهتمام بأمره، واحترامه، وتلبية مطالبه، وقد استهدف من هذه الإجراءات تغطية الملك الخفاجي ،(13) كي لا يثير السلاجقة ضده ومحاولة منه لاستغلال ألب أرسلان لتحقيق أمله في المستقبل، وذلك بالمطالبة بتوليته سلطنة العراق. بعد وفاة عمِّه السلطان مسعود، ليصبح زنكي المتحكم الفعلي باسم السلطان الجديد.(14)

مراجع الحلقة الرابعة والثلاثون:

(1) دولة الأتابكة في الموصل بعد عماد الدين زنكي ص 236.

(2) وفيات الأعيان(1/315 ـ 316) عماد الدين زنكي ص 226.

(3) عماد الدين زنكي ص 227.

(4) الباهر ص 71 عماد الدين زنكي ص227.

(5) عماد الدين زنكي ص 227.

(6) المصدر نفسه ص 227.

(7) المصدر نفسه ص 227.

(8) كتاب الروضتين.

(9) دور الفقهاء العلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 113.

(0 ) الباهر ص 72 دور الفقهاء والعلماء ص 113.

(1 ) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 114.

(2 ) عماد الدين زنكي ص 229.

(3 ) عماد الدين زنكي ص 229.

(4 ) المصدر نفسه ص 230.

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

alsallabi.com/uploads/file/doc/106969.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022