الأربعاء

1446-12-22

|

2025-6-18

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:

مكانة القاضي الفاضل ودوره في الدولة الأيوبية (1)

الحلقة: الحادية و الأربعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1441 ه/ يونيو 2020

 

استوعب صلاح الدين الأيوبي: أنَّ من أسباب تحقيق الانتصار ضد المدِّ الشيعي الباطني ، والغزو الصليبي وجود القيادة الرَّبانية ، فهي التي تستطيع أن تنتقل بفضل الله ، وتوفيقه بالأمَّة نحو أهدافها المرسومة بخطواتٍ ثابتة ، وكان على قناعةٍ تامة بأهمية وجود العلماء الربَّانيين على رأس القيادة الربَّانية ، فهم قلب القيادة الربَّانية ، وعقلها المفكر. فصلاح الدين الأيوبي يعرف: أنَّ تحرير البلدان ، وتوحيدها ليس عملاً سياسياً ، أو عسكرياً فحسب ، بل إنَّه أوسع من ذلك بكثير: إنه مواجهة المذهب الشيعي الرافضي الباطني ، والذي كان خطراً داخلياً يهدِّد عقيدة الأمة، وسلامة دينها ، والصِّراع الحضاري مع الغرب الأوربي النصراني ، وإنه بدون تأصيل «الذات العقائدية» للأمَّة المسلمة ، فلن تكون انتصاراتهم على الخصم سوى أعمالاً جزئيةً موقوتةً ، معرضةً دوماً للمدِّ ، والجزر ، وللتغيير ، والتبدُّل ، كما يحدث دائماً ، وما يقتضيه «الموقف» ، هذا ليس مجرد انتصار خارجي في معركة ، أو استرداد حصن ، إنما بناء أمة مقاتلة ، تعرف كيف تحمي وجودها العقائدي ، وتحفظ حدود شخصيتها الحضارية من أن تتفتَّت ، وتضيع ، وحينذاك سوف يتحوَّل كلُّ عنصرٍ عسكريٍّ ، أو كسبٍ سياسيٍّ إلى إنجازٍ بنائيٍّ يزيد المجتمع المقاتل قوَّةً ، وأصالةً ، وتماسكاً ، لا مجرَّد تكديس شيءٍ لا يشدُّه الرباط ، تكديسٌ كميٌّ يثبت للضربة ، والضربتين ، ولكنَّه في الثالثة ، أو الرابعة ينهار ـ فتذهب مع انهياره هدراً جهود السنين الطِّوال ، وعرقها.

فالنشاط العلمي في عهد صلاح الدين ، والاهتمام بالعلماء في حقيقته امتدادٌ طبيعيٌّ لعهد نور الدين محمود ، ولم يكن النشاط العلمي أبداً ترفاً فكرياً ، ولا إفرازاً تقليداً لأجهزة الدَّولة ، ولكنَّه تصميمٌ هادف يسعى إلى عملية التأصيل العقائدي ، وقد كان الأيوبيُّون يهتمُّون بالعلماء ، وأسهموا في حركة التمكين للمذهب السني ، فقد كان صلاح الدين الأيوبي قد أخذ عقيدته عن الدَّليل بواسطة البحث مع مشايخ أهل العلم ، وأكابر الفقهاء ، وتفهَّم من ذلك ما يحتاج إلى

 

 تفهمُّه؛ بحيث إذا جرى الكلام بين يديه يقول فيه قولاً حسناً ، وإن لم يكن بعبارة الفقهاء. وكان يحرص على أن يختلي ببعض المقربين إليه من العلماء ، فيقرأ عليه شيئاً من الحديث ، أو الفقه ، ويشارك الفقهاء في مجلس القضاء. وقد مرَّ بنا في مناسبات عدَّة حرصه على سماع الحديث الشريف ، وسعيه إلى كبار المحدثين؛ ليأخذ عنهم.

وحرِص صلاح الدين على أن يشبَّ أبناؤه على احترام العلم ، والعلماء ، فكان يصطحبهم معه إلى مجالس العلم ، ويأخذهم بدراسة بعض الكتب الدينية ، فنشؤوا محبين للعلم ، مكرمين لأهله. وقد احتفظ صلاح الدين بعلماء العهد الزنكي ، وأكرمهم ، وتعاون معهم ، وكان الوزراء ، والأمراء في دولته من كبار العلماء ، ومن أشهرهم وزيره ، وكاتبه ، ومستشاره القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي؛ الذي قال صلاح الدِّين عنه: لم أفتح البلاد بسيفي ، وإنما برأي القاضي الفاضل. ولقد كان القاضي الفاضل يجمع إلى حنكته السياسية ورعاً فائقاً ، فكان كثير الصيام ، والصلاة ، وقراءة القران. وكان متواضعاً ، يكثر عيادة المرضى ، والإحسان للفقراء.

وإليك ترجمة أهمِّ العلماء ، ودورهم السياسي ، والعلمي ، والجهادي ، والتربوي في عهد صلاح الدين:

القاضي الفاضل:

الإمام العلاَّمة البليغ ، القاضي الفاضل ، محيي الدين ، يمين المملكة ، سيد الفُصَحَاء ، أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن العسقلاني ، صاحب ديوان الإنشاء الصَّلاحيِّ ، سمع في الكهولة من أبي الطاهر السِّلفي ، وأبي محمد العثماني ، وأبي القاسم بن عساكر ، وأبي الطاهر بن عوف ، وعثمان بن فرج العبدري. انتهت إلى القاضي الفاضل براعة الترسُّل ، وبلاغة الإنشاء ، وله في ذلك الفَنِّ اليدُ البيضاء ، والمعاني المبتكرة ، والباع الأطول ، لا يُدْرَكُ شأوه ، ولا يُشَقُّ غُبَارُهُ مع الكثرة. أخذ الصنعة عن الموفِّقِ يوسف بن الخَّلال صاحب الإنشاء للعاضد ، ثم خدم بالثَّغر مدةً ، ثم طلبهُ ولد الصالح بن رُزِّيْك ، واستخدمه في ديوان الإِنشاء ، قال العماد: قضى سعيداً ، ولم يُبق عملاً صالحاً إلا قدَّمه ، ولا عهداً في الجنة إلا أحكمه ، ولا عَقْدَ برٍّ إلا أبرمه ، فإن صنائعه في الرِّقاب ، وأوقافه متجاوزة الحساب ، لاسيما أوقافه لفكاك الأسرى ، وأعان المالكية ، والشافعية بالمدرسة ، والأيتام بالكتَّاب ، كان للحقوق قاضياً ، وفي الحقائق ماضياً ، والسُّلطان له مطيع ، ما افتتح الأقاليم إلاَّ بأقاليد ارائه ، ومقاليد غناه ، وغَنائه ، وكنت من حسناته محسوباً ، وإلى الائه منسوباً ، وكذلك كتابتُهُ كتائب النَّصر ، ويراعاته رائعة الدَّهر ، وبراعته بارية للبرِّ ، وعبارته نافثة في عُقَدِ السِّحر ، وبلاغته للدولة مُحَمِّلَةً ، وللمملكة مُكَمِّلَةً ، وللعصر الصلاحيَ على سائر الأعصار مُفَضِّلَةً ، نسخ أساليب القدماء بما أقدمه من الأساليب ، وأعربه من الإبداع. ما ألفيته كرَّر دعاءً في مكاتبةٍ ، ولا ردَّد لفظاً في مخاطبةٍ.

وقال عنه في كتابه الخريدة: وقبل شروعي في أعيان مصر أُقدِّم ذكر مَنْ جمع أفاضل العصر كالقطرة في بحره المولى القاضي الفاضل... إلى أن قال: فهو كالشَّريعة المحمدية نسخت الشرائع. يخترع الأفكار ، ويفترع الأبكار ، هو ضابط الملك بارائه ، ورابط السِّلك بالائه ، إن شاء؛ أنشأ في يومٍ مالو دوِّن؛ لكان لأهل الصناعة خير بضاعة. أين قُسُّ من فصاحته ، وقيس من حصافته؟ ومَنْ حاتم، وعمرو في سماحته، وحماسته؟! لا مَنَّ في فعله ، ولا مَيْنَ في قوله ، ذو الوفاء ، والمروءة ، والصفاء ، والفتَّوة ، وهو من الأولياء خُصُّوا بالكرامة ، لا يفتر مع ما يتولاه من نوافل صَلاَته ، ونوافل صِلاتِه.

وقال عنه الحافظ المنذري: ركن إليه السلطان ركوناً تامَّاً ، وتقدَّم عنده كثيراً ، وكان كثير البرِّ ، وله اثارٌ جميلة. وقال الموفق عبد اللطيف: القاضي الفاضل كان ذا غرام بالكتابة ، وبالكتب أيضاً ، له الدِّين ، والعفاف، والتُّقى ، مواظبٌ على أوراد الليل ، والصيام ، والتلاوة ، ولمَّا تملك أسد الدين؛ أحضره ، فأعجب به ، ثم استخلصه صلاح الدين لنفسه ، وكان قليل اللذات ، كثير الحسنات ، دائم التهجُّد ، يشتغل بالتفسير ، والأدب ، وكان قليل النَّحو ، لكنه له دُربةٌ قوية ، كتب من الإنشاء ما لم يكتبه أحدٌ ، أعرف عند ابن سناء الملك من إنشائه اثنين وعشرين مجلداً ، وعند ابن القطَّان عشرين مجلداً ، وكان مُتَقلِّلاً في مَطْعَمِه ، ومَنْكِحِه ، وملبسه. لباسه البياض ، ويركب معه غلام ، وركابيٌّ ، ولا يُمكِّنُ أحداً أن

 

 يصحبه ، ويكثر تشييع الجنائز ، وعيادة المرضى ، وله معروفٌ معروفٌ في السِّرِّ والعلانية ، ضعيف البنية ، رقيق الصُّورة ، له حَدْبَةٌ يُغطيَّها الطيلسان ، وكان فيه سوء خلق يُكْمِد به نفسَهُ ، ولا يضُّر أحداً به ، ولأصحاب العلم عنده نَفاق ، يُحْسِنُ إليهم ، ولم يكن له انتقام من أعدائه إلا بالإحسان ، أو الإعراض عنهم ، وكان دخله ، ومعلومُه في العام نحواً من خمسين ألف دينار سوى متاجر الهند ، والمغرب. توفِّي مسكوتاً أحوج ما كان إلى الموت عند تولِّي الإقبال ، وإقبال الإدبار ، وهذا يدلُّ على أنَّ لله به عناية.

وقال عنه أبو شامه: كان ذا رأي سديدٍ ، وعقل رشيدٍ معظَّماً عند السلطان صلاح الدين ، يأخذ برأيه ، ويستشيره في المُلِمَّات ، والسلطان له مطيع ، وما فتح السلطان الأقاليم إلا بأقاليد ارائه ، وكانت كتابته كتائب النَّصر.

وقد تولى القاضي الفاضل ، وساهم في أعمالٍ كثيرةٍ في عهد صلاح الدين ، والتي منها:

1 ـ رئاسة ديوان الإنشاء:

عندما كان صلاح الدين وزيراً للدولة الفاطمية في مصر؛ كان يعتبر بمنزلة السلطان ، ويُلقَّبَ بلقبه ، بينما كان القاضي الفاضل رئيساً لديوان الإنشاء ، ويعتبر بمثابة وزيره ، ظلَّ القاضي الفاضل يعمل في ديوان الإنشاء رئيساً له مع أنَّه حافظ على لقب نائب رئيس ديوان الإنشاء احتراماً لأستاذه ، وراعيه ، ورئيسه الشيخ الموفق أبي الحجَّاج يوسف بن الخلال. ولم يُشْعِر ابن الخلال يوماً بأنه حل محَلَّه ، مع أنَّ ابن الخلال ربما رغب في ذلك لتقديره للقاضي الفاضل ، وتعلُّقه به ، وتطلُّعه إلى الاستمرارية في الأسلوب ، والاراء. ولم يخب ظنه في تلميذه؛ الذي عامله في أواخر سني حياته معاملة الابن البارِّ للوالد. وكانت رئاسة ديوان الإنشاء أقصى ما تمنَّاه القاضي الفاضل من مناصب ، فبعد صراعٍ دام واحداً وعشرين عاماً في مصر ـ تعرَّض خلالها لشتى أنواع المعاناة ـ توصَّل إلى المنصب الذي كان بعضُ الكتَّاب المصريين يحاول الحيلولة دونه. وقد أصبح بعدما تولَّى المنصب يلقب بالسَّيد الأجل ، وبالشيخ الأجل ، كاتب الدَّست الشريف ، وصاحب ديوان الإنشاء ، وغلب عليه لقب

 

 القاضي الفاضل ، الذي أصبح يعرف به أكثر من اسمه الأصلي عبد الرحيم البيساني العسقلاني ، الذي يشير إلى موطنه ، ومسقط رأسه ، ولا سيَّما في الكتابات عنه ، وهو وإن تقبَّل اللقب شكلياً ، ورسمياً؛ فقد تبنَّى الصراع المستمدَّ من موطنه ، ومسقط رأسه. وتولى القاضي الفاضل ديوان الإنشاء في مصر ، وعلى الرغم من وجود كتّابٍ أكبر منه سناً؛ فقد قابلهم عند أول دخوله الديوان تلميذاً ، وتدرَّب على يد بعضهم ، مثل القاضي الأثير بن بيان ، وعاصرهم ، ثم عمل معهم ، وهو يقفز في ترفُّعه ، وهم ثابتون في أماكنهم ، وهو ما أثار حفيظة بعضهم. وواضحٌ: أنَّ شخصية القاضي الفاضل الجيَّاشة ، وقدرته على التكيُّف ، وذكاءه الحادّ ، وحدسه الشديد في معرفة مواطن القوَّة ، والضَّعف في القادة من العوامل التي أدَّت إلى ارتقائه السريع ، ولكن أسلوبه الفني فسح أمامه مجالاتٍ ، وافاقاً ، وهذا يدلُّ على أهمية الأدب في السياسة ، وعلى تقدير رجالات الدولة في ذلك العصر للأدب ، والأدباء ، ورعايتهم لذوي المواهب منهم. وحالما تولَّى القاضي الفاضل رئاسة ديوان الإنشاء؛ راح يعمل مع صلاح الدين على الإعداد المتدرِّج للقضاء على الدولة الفاطمية ، وكانت أولى الخطوات في هذا الاتجاه إعداد جيشٍ أيوبيِّ ينفَّذ به مخطَّط الانقلاب.

2 ـ القاضي الفاضل وجيش صلاح الدين:

أخذ صلاح الدين يعمل حال توِّليه الوزارة على إعداد جيشٍ أيوبيٍّ؛ ليكون نواةً لجيشٍ مصريٍّ ، يدافع به عن مصر من الغزو الإفرنجي ، ولم يَخْفَ عليه تدهور وضع الجيش الفاطمي؛ لأنه خبره في أثناء رحلاته الثلاث إلى مصر بين سنة 559هـ وسنة 564هـ وعرفه معرفةً جيدةً من حيث مصادره البشرية ، والمالية ، والحربية ، ومن حيث تنظيمه ، وفرقه المبنية على أساسٍ عرقيٍّ ، مثل السُّودان ، والأرمن ، والمصريِّين ، والديلم ، والأتراك ، والعربان ، وكان يعرف بالتفصيل وضع كلَّ فرقةٍ من هذه الفِرقَ. وكان القاضي الفاضل قد عمل في إدارة هذه القوات في عهد رزِّيك بن الصَّالح ، وساهم معها في بعض وقائعها الحربية خلال الحملة الفرنجية الشامية الثانية على مصر ، وشاهد قادة الفرق المختلفة من هذه القوَّات؛ وهم يتنافسون في شأن السلطة، الأمر الذي أنهك القوَّات ، وأضعف مصر إلى حدٍّ أصبحت تعجز معه عن الدفاع عن استقلالها ، أو حتى عن بقائها. وعرف القاضي الفاضل الكثير عن القوات المصرية عن طريق عمله معها في ديوان الجيش ، وفي ديوان الإنشاء؛ الذي كان يتعامل مع ديوان الجيش ، ويشرف على العيون ، والرُّسل ، فألمَّ بهذه القوات ، وعرف دخائلها ، وأطَّلع علىكلِ فرقةٍ منها ، وعلى كلِّ قائد من قوَّادها ، ولم يضنَّ بمعلوماتهَ عنها على صلاح الدين ، بل وجَّهه في تنظيم جيشه الأيوبي ، وإدارته ، وظلَّ طوال مدَّة عمله مع صلاح الدين يشرف على عساكره ، يراقب إعدادها ، وتنظيمها ، ومواردها المالية ، يصحبها من مصر إلى الشام؛ لتحارب مع صلاح الدين، ومن الشام إلى مصر؛ لتستعدَّ، وتتجهَّز لحملاتٍ مقبلةٍ ضد الفرنج.

ومع أن القاضي الفاضل كان رئيساً لديوان الإنشاء ، ووزيراً لدولة صلاح الدين؛ إلا أنه كان يُلِمُّ بكلِّ صغيرةٍ، وكبيرة في الجيش بحكم علاقة ديوان الإنشاء بديوان الجيش، وكان يساهم في إعداد الخُطط الحربية، ويُشرف على تمويل الجيش، والأسطول، وتزويدهما، وتجهيزهما للجهاد، وقد واظب على هذه المسؤوليات طوال مدَّة عمله مع صلاح الدين.

3 ـ القاضي الفاضل والقضاء على المعارضة الفاطمية:

استمدَّ القاضي الفاضل أسس تحرُّكاته السياسية في بداية وزارة صلاح الدين من خبرته في القصور الفاطمية ، وضمن الجيوش ، ومع الوزراء ، والمديرين ، وأدرك: أنَّ هذه المؤسسات ، وما تضمُّه من شخصيات وَكْرٌ للمؤامرات؛ التي لا تنتهي ، ومعينٌ للدَّسائس؛ التي لا تنضب ، وقد تعامل معها جميعاً ، وشاهدها من قبل ، وأيقن أيضاً: أنها لن تتوانى عن الاستنجاد بالفرنج على الرَّغم من كلِّ ما مرَّ بها ، وبالشعب المصري من مصائب ، ومِحَن في سبيل الحفاظ على نفودها ، ولا سيَّما إذا رأت في سلطة صلاح الدين ، أو في سلطة الأيوبيين عامَّةً خطراً عليها، ومن ثَمَّ فإنَّه أخذ حالما خوَّله صلاح الدين ما خوَّله من مسؤولياتٍ مطلقةٍ في الإدارة يبثُّ عيونه ضمن هذه المؤسَّسات ، والمجموعات ، والأفراد الذين عرفهم ، وخاف شرَّهم. وأمَّا المؤسَّسات ، والمجموعات هذه؛ فقد أخذت تخطَّط بدورها للقضاء على حكم صلاح الدين ، وقد تزعَّم مؤتمن الخلافة تلك المجموعات ، وبدأ تحرُّكاته مُذ تولَّى صلاح الدين. وقد كان اكتشاف المؤامرة من مسؤوليات ديوان الإنشاء ، وبالذَّات القاضي الفاضل؛ الذي ظلَّ يراقب كتَّاب ديوان الإنشاء ، والمسرَّحين منهم بصورة خاصة.

وقد ساهمت جهود القاضي الفاضل في كشف مؤامرة مؤتمن الخلافة ، وتمَّ القضاء على شوكته ، وفلَّ صلاح الدين شوكة الأرمن ، وهم الفرقة التالية للسُّودان قوةً وعدداً ، فأحرق داراً للأرمن بين القصرين ، وفيها عددٌ كبير من الجنود الأرمن ، معظمهم من الرُّماة ، ولهم رواتب من الحكومة ، وكان هؤلاء قد حاولوا أن يعرقلوا حركة قوَّات صلاح الدِّين في أثناء المعركة مع  السُّودان برميهم بالنشَّاب ، فلقوا جزاءهم ، وأما من تبقى منهم؛ فنفاهم صلاح الدين إلى الصَّعيد.

 

ولقد تَمَّ إضعاف شوكة الفاطميين ، بل كسرها خلال الأشهر الخمسة الأولى من وزارة صلاح الدين ، ثم تلاها عامان تمَّ خلالهما تغيير النظام الإداري المصري ، وتحويله إلى نظام أيوبي جديد سنِّي ، ولقد ساهم القاضي الفاضل في هذا التغيير؛ الذي مهَّد لحكم صلاح الدين المطلق في مصر ، وتوليته هو (القاضي الفاضل) وزارة صلاح الدين ، والقضاء على الخلافة الفاطمية.

 

يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: 

http://www.alsalabi.com

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022